الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية
؟
لقد زعم بعض الجهَّال أن بين الإسلام والأنظمة الإلحادية -الاشتراكية والشيوعية- تطباقًا في أمور كثيرة، خصوصًا الاشتراكية، حتى تجرَّأ بعضهم فرفع شعار "اشتراكية الإسلام" زاعمًا أنه لا تعارض في هذه الاشتراكية التي ألصقوها بالإسلام، وبين الإسلام وتعاليمه المشرقة، إمّا جهلًا وإمّا خداعًا وتمويهًا -وهو الأغلب.
بل وبعضهم ينسبون الاشتراكية الإلحادية إلى الصحابي الجليل أبي ذر رضي الله عنه ظلمًا ومنكرًا من القول وزورًا.
والأدهى أيضًا أنهم أخذوا يتكلَّفون الأدلة التي يزعمون أن الدين والإلحاد الشيوعي بينهما اتفاقات في أشياء كثيرة، وأن التقارب بينهما في الإمكان، يحدوهم في ذلك حبهم للإلحاد ورغبتهم في تقريبه إلى المسلمين خديعة ومكرًا منهم بأهل الدين {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} 1، وسبب ذلك ما وجدوه من التشابه الظاهري في بعض الجزئيات فيما جاء به الدين الإسلامي وفيما جاء به الملاحدة، متناسين أنه لا يمكن في بدائة العقول أن يجمع الليل والنهار في وقت واحد، وأن بين الإسلام والإلحاد الشيوعي الماركسي الاشتراكي من البعد أكثر مما بين السماء والأرض، بل إن القول بالتقارب بينهما جريمة كبرى وافتراء عظيم، فالإسلام له
1 سورة قاطر، الآية:43.
نظام وعقيدة ومعاملات تختلف تمامًا عن النظام الجاهلي الماركسي وغيره في العقيدة وفي السلوك وفي كل شيء، وأن ما وجد من التشابه بين الإسلام والإلحاد ما هو إلّا مثل التشابه في الأسماء بين المخلوقات حين يقال: رأس الإنسان ورأس الجمل، أو الكلب أو الجبل، أو التشابه بين الأسماء الموجودة في الجنة مما أخبر الله به وبين الأسماء الموجودة في الدنيا، ثم كيف يتَّفق دين يؤمن بإله واحد يستحق العبودية وحده لا شريك له، ويوجب التحاكم إلى شرعه وحده، ويجعل الناس في درجة واحدة أمام الخالق العظيم لا يتفاضلون عنده إلّا بالتقوى، كيف يتفق هذا مع دين لا يؤمن بإله واحد بل بآلهة عدة يعبد الناس فيه بعضهم بعضًا، ويشرع بعضهم للبعض الآخر، دين يجعل الظلم عدلًا والحاكم ربًّا.
أليس التوافق مستحيلًا بعد وجود هذا التباين وغيره؟ بلى إنه من أشد وأعظم المستحيلات على الإطلاق، بل لا ينبغي التفكير في هذا؛ لأنه من وساوس الشيطان، فإنه لا يتفق دين يجعل الإنسان مادة مثله مثل سائر الجمادات لا قيمة له، ودين يجعل الإنسان مستخلفًا في الأرض، وكل ما فيها مسخر له، وهو أكرم كل الموجودات على ظهر الأرض، مميز بالعقل والتفكير وعناية الله به {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} 1.
1 سورة النساء، الآية:78.