الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى
مما يجب التسليم به أن ما زعمه الملاحدة من أن المجتمع قام على الشيوعية في بدايته ما هو إلّا افتراض ظنون لا يملكون على صحتها أيّ دليل صحيح، بل كل شيء يكذبهم {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} 1.
فقد تصوروا في أخيلتهم أن البشر البدائيين أقاموا فيما بينهم شراكة في كل شيء قبل أن يتطوروا ويعرفوا الملكية الفردية، رادّين بهذا كل ما جاءت بذكره الشرائع وخصوصًا الإسلام، وما شهد به التاريخ، وما تواتر نقله في كل الأجيال، وما شهد به الواقع على مر السنين من أنَّ الله تعالى هو الذي رتَّب حياة الإنسان وطريقة تعامله منذ أن أهبطه الله إلى الأرض، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنَّ ما من أمة إلّا خلا فيها نذير، وأن الإنسان هو الإنسان من بدايته إلى نهايته، لم يتغيِّر لا في هيئته ولا في طبيعته ولا في حبه للملكية الفردية منذ وجوده على الأرض، وما تصوره الملاحدة من انعدام الملكية الفردية وذوبان الشخص في القبيلة إنما كان يصدق على بعض عهود الجاهلية من التعصُّب الشديد للقبيلة، لكن في غير الملكية الفردية، مع أن تصور عدم ميل كل شخص إلى الملكية الفردية افتراضي بعيد الوقوع ومحال، نعم وُجِدَ بين أفراد القبيلة الواحدة تعاون قوي وتعاضُد وشراكة في السراء
1 سورة الكهف، الآية:5.
والضراء، وتلاحم بين كل أفراد القبيلة إلى حدِّ أن الفرد لا يتصور وجوده وكيانه وانتماءه، وما يأخذه وما يتركه، إلّا من خلال قبيلته، يفعل كل ما تفعله قبيلته، ويترك كل ما تتركه دون أن يكون له أي رأي في مخالفة عرف القبيلة، ولكن هذا الحال لا يصلح أن يكون دليلًا للملاحدة على شيوعية البشر على الطريقة التي قرَّرها ماركس وأتباعه، بل إن اعتقاد أن البشر كانوا بمنزلة البهائم في بدايتهم هو الظلم بعينه، والكذب على البشرية بعينه، وردٌّ صريح لكل ما يثبت في الأديان السماوية من تكريم الله للبشر ورفعهم عن منزلة الحيوانات البهيمة التي تصورها الملاحدة في تفسيرهم لنشأة البشر، وقيام أمورهم على الناحية الاقتصادية والقبلية فقط كما زعموا، ثم على فرض المستحيل أن بعض المكتشفين وجدوا قبائل تعيش على الفوضى في كل شيء بما فيها الجنس، ألا يصح أن يوصف هؤلاء بأنهم شواذّ لا قيمة لهم، فاسدي الفطرة، وأن وصف البشرية كلهم بتلك الوصمة الشنيعة لأجل ما وجده هؤلاء عند تلك القبائل الهمجية يعتبر تطاولًا على تاريخ البشر؟ هذا إن صح أنهم وجدوا بشرًا بتلك الحال، مع أن كذبهم وافتراءهم وارد، ذلك أن ما من إنسان يرضى بالفوضى الجنسية في أهله، بل إنها حالة لا ترضى بها حتى الحيونات البهيمية فضلًا عن الإنسان، فقد أخبر الله عز وجل عن فطرة الإنسان وعن الغيرة الموجودة فيه منذ أن وجد أبناء آدم على هذه الأرض وقتل أحد بني آدم آخاه، وليت شعري لماذا يحرص الشيوعيون على إشاعة الجنس أكثر من غيره، فإن الشيوعيين يحرصون أشد الحرص على إشاعة الجنس بالطريقة المشتركة لعلَّه ترغيبًا لمن يتوق إلى ذلك من الشباب والشابات الساقطين
ولظنّهم أن الشيوعية ستبني وتنهض بسبب هذه الدعايات الرخيصة، ولكنهم فوجئوا باستحقار الناس لهم واستهجانهم لهذا السلوك الشائن، فعادوا وزعموا أن شيوعية النساء ليست قاصرة على المذهب الشيوعي، وإنما هي قضية شائعة بين كل الطبقات خصوصًا الأغيناء بصور مختلفة، ولكن هذا الدليل هو واهٍ كبيت العنكبوت لم يخرجهم أيضًا من استحقار الناس لهم في مناداتهم بالفوضى الجنسية العارمة؛ لأن الباطل لا يستدل له بالباطل، وذلك أن استدلالهم بالمنحرفين لا يعطيهم المبرر لدعواهم، فهو تبرير باطل بباطل، ويكفي أن يقال عن الجميع: إنها أوضاع فاسدة جاهلية يجب أن تصحح، ولا تستحق أن تكون قدوة أو دليلًا يظلمون به فطر الناس ويخدشون كرامتهم، سواء كانوا من الأغنياء أو من الفقراء، فهو عمل لا تقره حتى الحيوانات.
وأما زعم الملاحدة أن الناس في الشيوعية الأولى كانوا يعيشون عيشة متساوية لا فروق بينهم، فهو افتراض ينقصه الدليل، فمن أين لهم أنهم ما كانوا يشعرون بالفوارق فيما بينهم، وأقل ما فيها فوارق في الذكاء، فوارق في إتقان العمل، فوارق في القوة الجسدية والنفسية، فوارق في الشجاعة، وفوارق في المال
…
إلى آخر الفوارق التي لا يجهلها أيّ إنسان سليم العقل، وحتى الملاحدة لا يجهلونها، لولا أنهم يريدون تحبيب الشيوعية إلى الناس، وخصوصًا الناس الذين يشعرون بانتقاص المجتمع لحقوقهم، أو أنهم مغلوبون على أمرهم، ويتمنَّون أي فرصة لإثبات وجودهم الذي يحلمون به، فانتهز الملاحدة وجود هذه الفوارق الحتميّة بين الناس للمناداة بالقضاء عليها، وأنَّى لهم ان يطبقوا ذلك فعلًا وهو مخالف لما أراده الله تعالى في سننه، ذلك أن
الله تعالى هو الذي أراد للناس أن يكونوا بهذه الحال؛ منهم الذكي ومنهم البليد، ومنهم الغني ومنهم الفقير، إلى آخر الصفات المعلومة بالضرورة من أحوال البشر، فكيف يقضون على ما أراد الله بقاءه، والحاصل أنه لا دليل لهم على كل ما زعموه من تلك المساواة المكذوبة، وكذلك زعمهم أن الناس كانوا يعيشون حياة ملائكية في منتهى السعادة إن هو إلّا خيال فارغ تكذّبه طبيعة البشر منذ وجودهم إلى اليوم، إضافة إلى أنه لا دليل لهم إلّا محض أخيلتهم المنكوسة، وإلّا فأي زمن خلا عن الحرب والتنافس بين القبائل على أمور كثيرة، أقلها المرعى والحمى والغنائم، وما إلى ذلك من الأمور التي لا بُدَّ من وقوعها ضرورة في كل أجيال البشر.
وأخيرًا أخي القارئ الكريم، يجب أن تعلم أن الحقائق كلها تدل على أن الشيوعية التي نادى بها "ماركس" ورفاقه لم تكن نتتجة عن التأثر بالشيوعية الأولى فقط، وإنما كانت بدافع منها من التخطيط الماسوني اليهودي كما تبيَّن ذلك في دراستنا للماسونية حينما أوعز دهاتها إلى "كارل ماركس" أن ينادي بهذه النظرية الفاشلة؛ لأن تاريخ اليهود يدل على أنهم يستثمرون الأحداث لصالحهم، وأنهم قد برعوا في هذا الجانب، لا أنهم هم الذين يثيرون الأحداث ابتداءً، كما يذكر بعض الباحثين مما يعطي لليهود حجمًا أكبر من حجمهم الحقيقي.