الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
المادية:
المادية نسبة إلى المادة، قيل في تعريفها: إنها هي الموجود الذي يدرك بإحدى الحواسِّ مما يخضع لتجربة الإنسان وملاحظته، وقد ادَّعت المادية أنَّها صنو الواقعية نسبة إلى الواقع الذي لا ينكر ولا يُكَذَّب1.
لقد أصبحت عبادة المادة هي الأساس المشترك لجميع الملاحدة على اختلاف مذاهبهم، ابتداءً من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين إبَّان قيام التيارات الفكرية الجامحة في أوربا ضد الكنيسة وضد القائمين عليها، واستبدالها بالمادة المهيمينة على كل شيء؛ إذ يزعمون أن الكون وما فيه إنما وجد من أصل المادة، وبنوا عليها إلحادهم في إنكار وجود الله تعالى، فخرجوا بذلك عن مفهوم هذا التعريف للمادَّة وتجاوزوه، فإن الأمور الغيبية وأمور الدين لا تخضع لتجربة الإنسان ولا تدركها حواسَّه، كما بنوا عليها تفسيرهم التاريخي لحياة الإنسان وتطوراته.
وكان الماديون الشيوعيون قد أقاموا هذه الفكرة في مضادة أي شيء يتعلّق بعالم الروح والغيب؛ حيث لا يؤمنون بوجود الروح؛ لأنها تباين المادة التي إذا وجدت في شيء أعطته الحياة ضرورة، فالمادة هي كل شيء، وجعلوها البديل عن الله عز وجل بزعم أن معاملهم أعطتهم الدليل المادي على ذلك، ولقد كذبوا وتناقضوا وظهر جهلهم وتخبُّطهم في نظرياتهم المتضاربة المتناقضة، فالطبيعة عندهم هي قبل كل شيء، ولا نهاية لها، ومنها انبثق كل مخلوق على وجه الأرض، وأنها موجودة بذاتها قبل كل ذات، وهي الخالق لكل شيء بقوانينها "وأن العالم في حركة تغيّر مستمرة، وأن هذا التغير يأتي عن طريق تناقض الأضداد، وكل فكرة تؤدي إلى نقيضها، والفكرة ونقيضها تؤديان إلى نتيجة جديدة"2، كلها ناتجة عن ترابط الأشياء بعضها ببعض، ولا يمكن أن يكون أي حادث منفصلًا بنفسه عن الحودث الأخرى المحيطة
1 التطور الدين، ص23.
2 مقدمة في الفكر السياسي ص184.
به في حركة دائبة يسمونها "الحركة في الطبيعة"، أي: إن كل موجود إنما هو نتيجة لحركة المادة وتطورها بدءًا وانتهاءً، تنشأ ثم تضحمل أبد الدهر في تطوير سيمونه أيضًا "التطور في الطبيعة"، ويتم هذا في حركات سريعة ضرورية’ وأحيانا تحصل فجأة، تنتقل معها الأشياء من البسيط إلى المركب، ومن الأدنى إلى الأعلى، في تطور متلاحق طول الوقت، مما ينتج عنه ما يسمونه "التناقض في الطبيعة"، وهذا التناقض هو الذي ينتج عن تطور الحوادث وتفاعلها فيما بينها؛ لينتج من التناقض بين القديم والجديد، وبين ما يموت وما يولد، وبين ما يفنى وما يتطوّر، مصادر تطورية جديدة مختلفة، بمعنى أنه يحدث الشيء حتمًا ثم يحدث ما يضاده لتأتي النتيجة الحتمية الصحيحة، ومن هنا تؤيد الشيوعية التصادم والتضاد بين الأمور لتصل إلى النتيجة من راء كل تضارب وتصادم1.
وكل ذلك إنما هو هوس فكري وتخبط مقيت: {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} 2، وكلها افتراضات يريدون من وراءها أن تحلّ المادة محلّ الإله سبحانه، وتصريفه الأمور حسب مشيئته وقدرته، تلك التعليلات العقيمة لوجود الأمور بعد أن لم تكن إنما هو لصرف الذهن عن قدرة الخالق على الإنشاء والإيجاد، وإلا فأي منطق يقتنع بأن الأمور تتطور لمصلحة الإنسان أو لمضرته من تلقاء نفسها؛ لتنتج أمورًا لا بُدّ منها بزعمهم؛ لتستقيم الحياة ويبقى الكون.
1 بتصرف من مذاهب فكرية ص175.
2 سورة النور، الآية:39.
لقد حاول المادّيون وهم ينكرون موجِد هذا الكون أن يلفِّقوا شبهات كثيرة ليدللوا بها على إلحادهم، ولكن ما من شبهة من شبههم إلّا وهي تصفع وجوههم وتكسر قلوبهم، وتقول لهم: معاذ الله أن أكون دليلًا على عدم وجود الذي أوجدني، فما إن يجدوا أدنى شبهة يكتشفونها إلّا وطاروا فرحًا وزعموا أن كل ما اكتشوفوه يدل على عدم وجود موجد حقيقي غير المادة وطبيعة المادة الحتمية بزعمهم.
وكم حمَّلوا هذه المادة التي تعادل في تصرفاتها عند الملاحدة تصرفات خالق الكون عند المؤمنين، وكم ظهرت لهم من حقائق حيرتهم في دفَّة موجدها، ولكن قلوبهم التي أشربت حب الكفر والتمرُّد على طريقة أستاذهم إبليس أبت أن ترجع إلى الحق، فمثلًا قانون الجاذبية الذي أوجده الله وثبت به هذا الكون العلوي والسفلي هو أكبر من السماء وما فيها من مخلف الأجرام، وهو أكبر من الأرض وما عليها حين اكتشفوه قالوا: عرفنا الآن أنه لا خالق، لا ممسك لهذا الكون إلّا الجاذبية، وحين فاجأهم المؤمنون بالله بهذا السؤال، ومن خلق هذه الجاذبية؟ هل خلقتها السماء لحاجتها إليها؛ لتمسك بأجرامها أن تقع على الأرض؟ أم أنَّ الأرض خلقتها لحاجتها إليها لتستقر عليها من فوقها؟ أم أنه هي بنفسها أدركت حاجة السماء والأرض إليها فأوجدت نفسها؟ سبحانه الله عمَّا يفترون.
وحينما أنكروا وجود الله تعالى، قيل لهم: هذا الكون العجيب المتناسق المحكم الذي لا يطغى بعضه على بعض {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ
الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 1 من هو هذا القوي القهَّار الذي جعله بهذه الصفة؟ قالوا: المادة، وكأنهم هربوا من ذكر اسم الله تعالى إلى اسم يوافق هواهم، فإذا كانت هذه المادة هي التي أحكمت هذا الكون، فهي الإله الحق، فلا يبقى أمامهم إلى النطق باسم الله الكريم ويتركوا روغان الثعالب والتكلُّفات الباهتة.
فكل ما قالوه من شبهات تافهة مهما اختلفت أسماؤها، فإنما تدل على انقطاعهم، وأنهم مثل الغريق الذي يمسك بكل شيء يقع في يده لينجو من الغرق.
وكم خسر الملاحدة الشيوعيون حينما أنكروا خالق هذا الكون في مقابل التعصب لآراء اليهودي "ماركس"، الثائر النفس الحادّ المزاج المتعصِّب لقومه اليهود، والذي سعى إلى الانتقام من العالم كله بسبب مواقفهم من اليهود الحاقدين على الله تعالى، وعلى كل البشر؛ لأنهم لم يجعلوهم سادة العالم وحكَّامه كما وعدهم الله بذلك -حسب افتراءات واضعي التوراة، فآلوا على أنفسهم أن يقفوا جنبًا إلى جنبٍ مع الشيطان لإغواء البشر وتحطيم دياناتهم وإفساد أخلاقهم؛ ليتمكنوا من استحمارهم جميعًا في النهاية، ولن يتمَّ الله بحوله وقوته لهم ذلك، والله تعالى غيور على دينه، فليموتوا بغيظهم وحقدهم، وسيزيلهم الله هم والمادة التي عبدوها من دونه عز وجل.
1 سورة يس، الآية:40.