الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد
لقد حارب أعداء الإسلام والمسلمين الدين الإسلامي ومعتنقيه بكل ما لديهم من أسلحة في مواجهات فعلية بالجيوش النظامية، فعجزوا ويئسوا من الانتصار على المسلمين، فاتجهوا إلى حربه بطرق لا تثير الضجيج ولا تلفت الأنظار، وبالتالي فهي أضمن وسيلة للنجاح وأقل كلفة، ومن تلك الطرق الكثيرة غزو المسلمين عن طريق الفكر الاقتصادي تحت أشكال لا حصر لها من مساعدات وهبات وقروض واستثمارات وأيد عاملة في شتَّى المجالات الاقتصادية، فنجحوا نجاحًا ظاهرًا؛ حيث كسبوا المال ونشروا أفكارهم في سكون وتؤدة، فوقعت أكثر الدول الإسلامية في شراكهم واستعبدوهم عن طريق الحلول الاقتصادية، وأغرقوهم بالديون الربوية فزادوهم فقرًا على فقرهم، وتخلفًا على تخلفهم، إلّا من أفلت منهم.
إنها مؤامرة رهيبة هائلة تأكل في طريقها الأخضر واليابس، فالعامل والمذيع والصحفي والممثل والخطيب والطبيب منهم، والسياسي وغير السياسي، كل هؤلاء أصبحوا صفًّا واحدًا للزحف على الإسلام وصهر المسلمين في بوتقة الحضارة الغربية، تضافرت جهودهم واتحدت كلمتهم في الوقت الذي أصبح فيه المسلمون فرقًا وأحزابًا لا يلوي بعضهم على بعض، وفي الوقت الذي انخدعوا فيه بأن الغرب سيجعل من دولهم أو دويلاتهم محط الأنظار ومهوى الأفئدة في الاقتصاد، فإذا به لم يحقق لهم شيئًا من هذا، اللهمَّ إلّا في مجالات لا تسمن ولا تغني من جوع؛ كالسياحة والتنقيب عن آثار مَنْ عفى عليهم الزمن منذ مئات السنين، كذلك أيضا في
مجال الفن والموسيقى، وغير ذلك من التوافه التي يراد بها صرف أنظار المسلمين عن واقعهم الحزين، وإشغالهم بطلب الاقتصاد والغنى عن طريق تلك التوافه، ومن الأدلة الواضحة على هذا ما تسمعه -عزيزي القارئ- من بذل الدول النصرانية المساعدات بسخاء، والقروض الوافرة بشرط أن تنفذ في تلك المجالات التي يعدونهم بأنها ستجعل اقتصادهم في القمَّة في الوقت الذي يتلمَّض فيه كثير من الشعوب الإسلامية جوعًا، وهم في أمسّ الحاجة إلى لقمة العيش بدلًا عن التنقيب عن آثار تلك الأمم الغابرة -من فراعنة وغيرهم- والافتخار، ثم يأخذون في إسباغ هالة من التعظيم لها؛ لكي يتقبلها أولئك البؤساء ظنًّا أنهم وصلوا إلى تحقيق أمالهم الاقتصادية العريضة، إلى حد أن علماء الآثار يزعمون أحيانًا أنهم يجدون جمجمة إنسان تعود إلى أربعة آلاف سنة أو أكثر {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} 1.
وهذا يتطلّب من جميع المسلمين أن يصححوا أوضاعهم الاقتصادية، وأن لا يجعلوا لأعدائهم سبيلًا لإذلالهم لهم، وأن يصفّوا كل الأفكار العالقة بأذهانهم بأذهان المسلمين من حضارة الغرب وتقدمهم وإكبارهم لهم، وأن يعيدوا إليهم ثقتهم بقدرة الإسلام على حلّ كل المشكلات الاقتصادية بطرقه الحكيمة الواقعية ففيه الخلاص، وفي نظامه الخير كله، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلّا بما صلح به أولها، وأن يعلموا يقينًا أن أعداء الإسلام لا يزيدونهم إلّا خبالًا وخسرانًا، بل وإذلالًا لهم في سبيل الحصول على غنى خيالي أو كمال، وقد قيل في الأمثال:"جعجعة ولا ترى طحنًا".
1 سورة الكهف: الآية: 104.