الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة
مدخل
…
الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة
تمهيد:
قبل البدأ بتفاصيل دراسة الديمقراطية، أحب أن أذكِّر القارئ بشيء مهم عن طريقة من كتب عن الديمقراطية؛ إذ أنه سيجد نفسه أمام أقوال وآراء متضاربة؛ إذ أخذ كل مَنْ يكتب عنها إنما يعبر عن موقف منها؛ فبعضهم تجده يدرسها من جانب تحسينها وتحبيبها إلى الناس، وبيان المزايا التي اشتملت عليها الديمقراطية، وبعضهم تجده يكتب عنها من جانب تقبيحها وتنفير الناس عنها ببيان ما تنطوي عليه في النهاية من أخطار، فكانوا على حدِّ قول الشاعر.
وعين الرضى عن كل عيب كليلة
…
ولكن عين السخط تبيد المساويا
والذي يتوجَّب في البداية هو دراستها دراسة محايدة، وأقصد بهذه المحايدة أن يبيَّن دارسها الإيجابيات التي فيها، والتي أفادت منها الشعوب الأوربية في تحطيم الأغلال التي كانت عليهم من قِبَلِ البابوات والإقطاعيين والوجهاء والأثرياء، ثم دراسة ذلك على ضوء الإسلام، وهل تلك الإيجابيات موجودة في الإسلام، أو غير موجودة فيه بالأدلة الواضحة فيه، ثم يبين أيضًا السلبيات التي فيها، والخدع المعروفة التي وصفت بها، ومدى استفادت الشعوب منها حقيقة أو وهمًا، ثم مقارنتها بالتعاليم الإسلامية، فبضدها تتميز الأشياء، وأن يكون القصد في كل ذلك هو الوصول إلى ثمرة يستفيد منها القارئ دون انفعالات ودون مجرَّد دفاع أو هجوم، فإن القضية جَدّ، وتحتاج إلى رزانة في الحكم، ورؤية واضحة يبين من خلالها هذه القضية الهامة، فقد أخذ كثير من
الناس يتكلَّم عنها بمعرفة أو بغير معرفة، وإنه من اليقين الذي لا مرية فيه ولا جدال أن الديمقراطية مذهب بشري، وأن تعاليمها وضعية، ومع ذلك فقد وجد فيها أهل أوربا عزاءً ما لما حلَّ بهم على أيدي رجال دينهم الوضعي كذلك، ومع ذلك فإن هذا العزاء لم يكن على ما يريدونه -كما سيأتي تفصيله بالنسبة لأهل أوربا، ولكن هل المسلمون في حاجة إلى تلك التعاليم؟ وهل بهم كذلك حاجة إلى أن يرددوا مثل هذه الكلمات الجوفاء، ومنها كلمة -الديمقراطية- وغيرها من الألفاظ التي غزت مفاهيم المسلمين وتأثروا بها، وردَّدوها عن نية حسنة في بعضهم، وعن نية باطلة في آخرين، حتَّى أصبحت كأنها لفظة شرعية وتسمية محبَّبَة لكثرة ورودها على الألسنة من غير المسلمين ومن بعض المسلمين.
وهذا الوضع هو ما ستجد الجواب عنه -أخي القارئ- أثناء دراسة هذه الظاهرة في هذه العجالة إن شاء الله تعالى.