الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية
لقد انهالت على القوميين مصادر دعم كثيرة من جهات معروفة بالكيد للإسلام وأهله، بل والكيد للعربية والعروبة ودعمهم لهم، ومن أكبر الأدلة على عمالة هؤلاء لهم، ومن أولئك الداعمين للقومية:
1-
اليهود:
واليهود كما وصفهم الله وراء كل جريمة ومؤامرة، فقلَّما تنشأ فكرة ضد البشرية إلّا ووقفوا لتقويتها، ولا طائفة تتربَّص بالدين إلّا ووقفوا إلى جانبهم، وهذا الإجرام منهم هو ما أوصتهم به كتبهم التي يقدّسونها، وحاخاماتهم الذين اتخذوهم أربابًا من دون الله تعالى.
ولقد حافظ اليهود على تماسكهم وتضامنهم طوال تاريخهم في الاعتزاز بجنسهم وقوميتهم وعقائدهم التي ورَّثها لهم أكابرهم قديمًا، فلم يذوبوا في أيّ مجتمع مهما امتدت بهم السنوات، ومهما كانت أعدادهم، ومهما كان تفرقهم، وبالإضافة إلى تعصبهم لقوميتهم فهم يتعصَّبون أيضًا للغتهم العبرية، وكان من مكاسب اليهود في انتشار القومية اليهودية والتديُّن بها هو الحفاظ على أفرادهم من الذوبان في أيّ مجتمع يكونون فيه، وبالتالي فإن في انتشار القومية بين مخالفيهم أيضًا مكسب لهم من حيث تمزّق هؤلاء وتشرذمهم؛ وانطواء كل جماعة على قوميتهم، وما يتبع ذلك من التنافس بينهم، واستعلاء
بعضهم على بعض بحكم شريعة القومية، وحينئذ يكونوا لقمة سائغة لليهود؛ لينفردوا بمن يشاءون منهم حتى يكتمل الدور عليهم جميعًا، وقد ظهر هذا واضحًا في مكائدهم الكثيرة بالشعوب حكامًا ومحكومين، وما فعلوه تجاه الدولة العثمانية بالخصوص حين عملوا على تشجيع قيام القوميات والنعرات الجاهلية أقوى مثال، ووصل الأمر حتَّى إلى قصور الخلفاء أنفسهم في آخر دولتهم، فنسي الكثير منهم أن عزَّتهم إنما هي بالإسلام والتعصُّب له، فاستخذوا أمام الضغوط اليهودية والنصرانية في كثير من المواقف بسبب تأثرهم بمختلف التيارات من ناحية، ومن ناحية أخرى لخذلان المسلمين لهم.
وقد أقامت اليهودية العالمية روافد عدة لإحياء القوميات في النفوس؛ من ماسونية وعلمانية وجمعيات أخرى، وثورات عارمة للشعوب ضد حكامها، ودعاوي الحرية والإخاء والمساواة، وغيرها من الشعارات، فكانت أكبر كارثة حلَّت بالمسلمين هي سقوط الدولة العثمانية بمؤمرات اليهود؛ حينما ركن إليهم سلاطين هذه الدولة، فكانوا كالذي يفقأ عينه بيده في سماحتهم وتساهلهم ضد أهداف اليهود ومطالبهم المتتابعة، وما يتبع ذلك من استفحال العلمانية جنبًا إلى جنب، مع نعرات القومية التركية التي كان يذكي نارها جمعية الاتحاد والترقي التركية اليهودية الماسونية المعتقد، أو كما يسمونها "تركيا الفتاة".
وكل هؤلاء أخذوا يرجعون إلى الوراء بصورة حثيثة لجعل القومية الطورانية هي كل الأمجاد والمعتقدات عليها يلتقون، وعليها يتفرقون، مدَّعين أن الإسلام هو الذي أخفت صوتها وحضارتها.
ومن الجدير بالذكر أن جمعية الاتحاد والترقي - أو تركيا الفتاة- ليسوا أتراكًا حقيقيين، ولا هم مسلمين أيضًا، وإنما وفدوا من عدَّة أقطار متظاهرين بالإسلام -وهم يهود في جملتهم- كما يذكر الباحثون تظاهروا بالتباكي والحنين إلى القومية الطورانية لجمع الأتراك كلهم عليها. وقد علمت مما سبق أن اليهود قد عملوا على إثارة كل القوميات، وضرب بعضها بالبعض الآخر، فإنهم حينما أنشأوا حركة الطورانيين كان عليهم أن يثيروا الحركة العربية والاعتزا بها في مقابل اعتزاز الأتراك بقومياتهم القديمة، وأخذت تلك الحركات تشتعل، لا تلوي على شيء في الوقت الذي نسي فيه الجميع الرجوع إلى الحق والدين، واشتطَّ الأتراك وبدؤا في التعصب وإجبار الناس على اعتناق اللغة التركية وإحلالها محل كل لغة، وهم يعرفون أن النتيجة ستكون فوضى وحمية جاهلية، وهو ما حصل بالفعل؛ حيث استطاع اليهود أن يثيروا حميَّة العرب لعربيتهم لجعلها مصدر إلهمامهم بدلًا عن الإسلام والاعتزاز به؛ ليبقى الكاسب الوحيد لهذا التمزُّق والتفاخُر الأجوف هم اليهود، ولا شكَّ أن النصارى سينالهم نصيبهم من هذه المكاسب أيضًا، فالكل عدو للمسلمين وللإسلام وتعاليمه، وهو ما حصل بالفعل، ولقد عرف العالم ويلات الحروب التي وقعت بين العرب والأتراك، وتدخلات الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العدو اللدود للمسلمين قديمًا وحديثًا.
ب- النصارى:
لقد قام النصارى على مختلف عقائدهم واتجاهاتهم بالمؤمرات المستمرّة لتمزيق وحدة المسلمين وإبعادهم عن دينهم بكل ما يستطيعون من جدٍّ واجتهاد
وكان أشد هؤلاء النصارى إيغالًا في المؤامرات هم نصارى العرب في لبنان وفلسطين، وغيرها من بلاد العرب، بدعم مباشر من دول النصارى الكبيرة، وكان أكثر تركيزهم يتمثّل في استجلاب الشباب العربي إلى الدراسة في الدول النصرانية، وفي المحاضرات والمراسلات بينهم وبين ممثّلي النصرانية الحاقدة ومجيء المنصِّرين إلى بلاد العرب مدرسين وكُتَّابا ووعَّاظًا، وفتحوا المدراس والمستشفيات، وجادوا بشتَّى مطبوعاتهم من المقررات الدراسية إلى الموسوعات، فأنشأوا أجيالًا من دعاة القومية من شتَّى المراحل الدراسية، وكانوا من ورائهم دعمًا وتوجيهًا، وأصبحت تلك الأجيال من دعاة القومية المخلصين لها، وكان للجامعة الأمريكية في بيروت حظّ الأسد في نشر القومية العربية ولا تزال، ولم ينس هؤلاء الدعاة إنشاء الجمعيات والمنظَّمات تحت هدف إحياء العربية وإيقاظ العرب بغضِّ النظر عن الدين، وأنَّ الالتفاف على القومية يغني عنه، ونشروا المقالات والأشعار يتغنَّون فيها بماضي العرب، ويحضونهم على عداة كل من ليس عربي، وخصوصًا الأتراك، وكان أبرز القادة في هذا الميدان هم نصارى لبنان وسوريا الذين كانوا يتلقَّون الدعم السخيّ من دول النصارى الكبرى أمريكا وبريطانيا وفرنسا، تملؤهم الغطرسة بإحياء القومية العربية وإحلالها محل الدين، متباكين على حقوق العرب الضائعة ولغتهم المظلومة وحقوقهم المهضمومة -حسب مزاعم هؤلاء، ومن مشاهير هؤلاء الدعاة ناصيف اليازجي اللبناني، وبطرس البستاني اللبناني، وإبراهيم بن ناصيف اليازجي، وعبد الرحمن الكواكبي، ونبيه فارس، وكان هؤلاء الزعماء يعرفون أنهم في حاجة ماسَّة إلى وقوف المسلمين إلى جانبهم في حربهم -خصوصًا- مع الدولة العثمانية، وحيث إنهم على اختلاف في الدين فإنَّ القومية العربية هي القاسم المشترك والموحّد بينهم.
ج- الحرب على الدين:
وهو مصدر هامّ من مصادر قيام القوميات، ومحاولة من جملة المحاولات لتشجيع القومية وقيامها على البعد عن الدين، وأن أوروبا لم يمكنها التخلّص من الجهل والحال الذي هم فيه -حسب زعمهم- إلّا بإعلان الحرب على الدين ومن يمثله، بدعوى أن الذي جرَّهم إلى هذا المصير هو الدين والبابوت الذين كانوا يزعمون للناس أنهم مفوضون من قِبَلِ الربّ المسيح، ونادى أولئك الهاربون من الدين بأن البديل عنه موجود، وهو الرجوع إلى القوميات السابقة وأمجادها الغابرة، أما الدين فهو طغيان واستبداد واستعلاء بعض البشر على البعض الآخر، ولم تكن الحرب على الدين من قِبَلِ النصارى والملاحدة فقط، وإنما جدَّ من بعض المغفَّلين المسلمين الذين تشبَّعوا بالقومية العربية من يحارب المسلمين بدافع من حرص على استعلاء القومية العربية، وهذه هي إحدى المكائد التي نجح فيها أعداء الإسلام والمسلمين في محاربة الدين.
د- الحركات والمذاهب الهدامة الأوربية:
حينما آفاق الأوربيون ورأوا ما حلَّ بهم من الغبن الفاحش على أيدي رجال الدين النصراني هالهم الأمر وثاروا كالبركان الهادر في وجه الديانة النصرانية ورجالها الطغاة’ مستعملين كلّ ما لديهم من الأسلحة الفكرية وغيرها في إيقاف ذلك الطغيان، فقامت حركات وآراء فكرية ومذاهب مختلفة، كلّ يعمل من جهته والمصب واحد، هو القضاء على الدين ورجاله، وكانوا في ذلك الهياج العارم منطقيين مع الحال الذي أوصلتهم النصرانية وطغاتها إليه
فلجئوا إلى القومية وإلى غيرها علَّهم يجدون فرجًا مما هم فيه، وكانت تلك المذاهب المختلفة تمثل تيارًا عاتيًا خارجًا عن أي سلطة، وفي الوقت نفسه كانت هذه المذاهب في حاجة لملأ الفراغ الذي خلَّفه ترك الدين، فكانت القومية البديل الجديد في نظرهم إلى أن يتيسَّر ما هو أحسن منها.
هـ- العلمانيَّة والعلمانيون:
العلمانية كما هو معروف مذهب هدَّام، والعلمانيون كما عرَّفنا سابقًا هم من أعداء الدين الإسلامي، وممن تفانوا في تضليل المسلمين بكلّ ما أمكنهم من الوسائل عن طريق المنصِّرين، وعن طريق نشر الكتب، وعن طريق نشر الإعلام المرئيّ والمسموع، وعن طريق عملاء لهم من عرب النصارى ومن غيرهم ممن تأثَّر بأفكارهم وارتوَى من سمومهم، وقد جعلوا المجلات التي يصدِّرونها من لبنان ومصر وغيرها سلَّمًا إلى قلوب الناس، وتهيأتهم للانتقال من التعصُّب للدين إلى التعصُّب للقومية العربية وأمجادها.
ولقد كان للعلمانيين وما يزال تأثير قوي بين كثير من طبقات الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاقتصادية، وما من نعرة جاهلية تقوم إلّا وللعلمانيين فيها يد طولى، وقد ذكرناها لما لها من الأهمية والتأثير المتزايد خصوصًا في هذه الأوقات التي انتشرت الفتن الهوجاء فيها، سواء في حرب أمريكا وبريطانيا للعراق أو أفغانستان أو غيرهما من البلدان الإسلامية، والتي إلى الأن نسمع التهديدات تلو التهديدات للدول التي لا تنصاع إلى السلوك الأمريكي، وخصوصًا فيما يتعلق بالمناهج الدراسية، بعد أن جرت هذه الأمور
فتنًا مختلفة على أيدي أحزاب وحركات، ثم اصطلى بنارها من لا ناقة له فيها ولا جمل، فكانوا على حدِّ قول أحد الشعراء:
وذنب جرَّه سفهاء قوم
…
وحلَّ بغير جارمه العذاب
و الاشتراكية والشيوعية:
الاشتراكية أحد المعاول الهدامة لحرب الأديان وقيام الأحزاب المتصارعة على كل شيء، وهدم كل ما يقف في طريق الاشتراكية من الأديان والأخلاق وسائر السلوك الذي لا ينسجم مع هذه الاشتراكية، وما من شخص ينادي بالاشتراكية إلّا ويقرنها بالقومية، وأن لا انفكاك لبعضهما عن البعض الآخر، غير أن القومية تعتبر بمثابة التهيئة الأولى للاشتراكية والخادمة لها.
والاشتراكية هي الغذاء لقيام القوميات وانتشار الشيوعية بعد ذلك، وكل فتنة ترقق التي قلبها مما يوحي بوقوع أخطار جسيمة ستحلّ بالمسلمين إن لم يتداركهم الله برحمته.
وقد ورد في الحديث أنَّ كل فتنة ترقق التي قبها، ويقصده صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، وما هو عنّا ببعيد، نسأل الله العلي العليم اللطف والتوفيق.
ز- قيام حزب البعث:
كان وراء قيام حزب البعث الاشتراكي النصارى العرب، وعلى رأسهم النصراني مشيل عفلق الذي جعل حب القومية العربية عقيدةً راسخة تجمع مختلف الناس ومختلف عقائدهم، وكانت الاشتراكية أيضًا من
ضمن منابع القومية التي امتزج بها حزب البعث، وأخذ زعماء حزب البعث على عواقتهم المناداة بأنه يجب أن تبقى الآراء الفكرية هي القاسم المشترك بين العرب تحت لواء الوحدة الثقافية للأمة العربية ذات التاريخ المشترك واللغة الواحدة، تحت بعث جديد يقوده القوميون الاشتراكيون دعاة الاشتراكية التي تبعث على التطور والازدهار، وصد كل الحركات التي تعطّل الأمة وتؤخر مسيرتها، وحينما تمكَّن هؤلاء البعثيون النصارى من الحكم في لبنان وسوريا، كشفوا عن حقيقتهم؛ فإذا هم ينادون بعبادة البعث والعروبة، والكفر بما عداهما، وفي هذا قال أحد شعرائهم:
آمنت بالبعث ربًّا لا شريك له
…
وبالعروبة دينًا ما له ثان
وقال آخر:
بلاد قدّسها على كل ملة
…
ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
هبوني عيدًا يجعل العرب أمة
…
وسيروا بجثماني على دين برهم
سلام على كفر يوحّد بيننا
…
وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم
وكان قيام حزب البعث العربي الاشتراكي على دعوى القومية من الأمور البدهية؛ إذ لا يمكن أن تقبل آراءهم المجتمعات العربية الإسلامية ما داموا يقدّسون دينهم، فإذا تراخت قبضتهم على دينهم أمكن حينئذ أن تطل عليهم مبادئ القومية وأن تزحزحهم عن التعصب للدين إلى التعصب للقومية شيئًا فشيئًا، إلى أن يتمَّ المقصود، ونحن اليوم نعيش خيانة هذا الحزب في ظرف هذه الحرب الضروس التي يخوضها الغرب في العراق.