المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية - المذاهب الفكرية المعاصرة ودورها في المجتمعات وموقف المسلم منها - جـ ٢

[د. غالب بن علي عواجي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب العاشر: العلمانية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: حقيقة التسمية

- ‌الفصل الثاني: التعريف الصريح للعلمانية

- ‌الفصل الثالث: نشأة العلمانية وموقف دعاتها من الدين، وبيان الأدوار التي مرَّت بها

- ‌الفصل الرابع: الردّ على من زعم أنه لا منافاة بين العلمانية وبين الدين

- ‌الفصل السادس: هل العالم الإسلامي في حاجة إلى العلمانية؟ وأسباب ذلك

- ‌الفصل السابع: انتشار العلمانية في ديار المسلمين، وبيان أسباب ذلك

- ‌الفصل الثامن: مظاهر العلمانية في بلاد المسلمين

- ‌مدخل

- ‌المسألة الاولى: العلمانية في الحكم

- ‌المسألة الثانية: هل يوجد فرق في الإسلام بين الدين والسياسة

- ‌المسألة الثالثة: العلمانية والاقتصاد

- ‌المسألة الرابعة: العلمانية والعلم والتعليم والاكتشافات والدين

- ‌المسألة الخامسة: العلمانية في السلوك

- ‌الفصل التاسع: آثار العلمانية في سلوك بعض المسلمين

- ‌مدخل

- ‌العمل العام عند المسلمين بالعلمانية

- ‌ ظهور الولاءات المختلفة:

- ‌ ظهور أفكار العلمانية كحلول حتمية:

- ‌ الاختلاف في الدراسة والشهادة:

- ‌ ظهور التأثر في الأسماء:

- ‌ الهجوم على اللغة العربية:

- ‌ التأثر في التعليلات:

- ‌ التأثر في الأخلاق:

- ‌ العلمانية والآداب:

- ‌ علمنة الإعلام:

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب الحادي عشر: الديمقراطية والشورى ونظرية السيادة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: منزلة الديمقراطية في الحضارة الغربية

- ‌الفصل الثاني: معنى الديمقراطية ونشأتها

- ‌الفصل الثالث: الوصول إلى الغاية

- ‌الفصل الرابع: هل حقق الأوربيون مطالبهم في الديمقراطية حقيقة

- ‌الفصل الخامس: الحكم على الديمقراطية

- ‌الفصل السادس: هل المسلمون في حاجة إلى الديمقراطية الغربية

- ‌الفصل السابع: الديمقراطية والشورى

- ‌الفصل الثامن: حكم من يتمسَّك بالديمقراطية الغربية

- ‌الفصل التاسع: نظرية السيادة

- ‌المبحث الأول: ما هي نظرية السيادة

- ‌المبحث الثاني: أساس قيام نظرية السيادة

- ‌المبحث الثالث: ما مدى صحة نظرية سيادة الشعب

- ‌المبحث الرابع: المسلمون ونظرية السيادة

- ‌المبحث الخامس: حكم السيادة في الإسلام

- ‌الباب الثاني عشر: الإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: بيان المقصود بالإنسانية أو العالمية أو الأممية

- ‌الفصل الثاني: سبب انتشار دعوى الإنسانية

- ‌الفصل الثالث: أماكن انتشارها

- ‌الفصل الرابع: هل يحقق مذهب الإنسانية السعادة

- ‌الفصل الخامس: هل تحققت دعاوَى الإنسانية بالفعل

- ‌الفصل السادس: هل تقبل الدعوى إلى الإنسانية التعايش مع الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السابع: الإنسانية والمغريات

- ‌الفصل الثامن: الإنسانية والقومية والوطنية

- ‌الفصل التاسع: تناقض دعاة الإنسانية

- ‌الفصل العاشر: زعماء الدعوة الإنسانية

- ‌الفصل الحادي عشر: الإنسانية الحقيقية، والرحمة الصادقة هي في الإسلام

- ‌الباب الثالث عشر: الوجودية

- ‌الفصل الأول: التعريف بالوجودية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الوجودية

- ‌الفصل الثالث: ظهور الوجودية وأبرز زعمائها

- ‌الفصل الرابع: من هو سارتر

- ‌الفصل الخامس: الوجودية هي الفوضى

- ‌الفصل السادس: أسباب انتشار الوجودية

- ‌الفصل السابع: الرد على الوجوديين

- ‌الباب الرابع عشر: الروحية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف الروح

- ‌الفصل الثاني: ظهور الروحية

- ‌الفصل الثالث: إنتشار هذا المذهب

- ‌الفصل الرابع: منزلة فكرة "تحضير الأرواح

- ‌الفصل الخامس: أدلة دعاة تحضير الأرواح

- ‌الفصل السادس: مجمل عقائد الروحيين

- ‌الفصل السابع: حقيقة الروحية وأشهر زعمائها

- ‌الفصل الثامن: الروحية والملاحدة

- ‌الفصل التاسع: قضية الإلهام

- ‌الباب الخامس عشر: القومية

- ‌الفصل الأول: المقصود بالقومية

- ‌الفصل الثاني: دراستنا للقومية

- ‌الفصل الثالث: كيف ظهرت القومية

- ‌الفصل الرابع: متى ظهرت القومية

- ‌الفصل الخامس: كيف تسربت دعوى القومية إلى البلدان العربية والإسلامية

- ‌الفصل السادس: نتيجة ظهور القومية بين المسلمين

- ‌الفصل السابع: ماذا يراد من وراء دعوى القومية

- ‌الفصل الثامن: هل المسلمون في حاجة إلى التجمع حول القومية

- ‌الفصل التاسع: هل تحققت السعادة المزعومة في ظل القومية

- ‌الفصل العاشر: خداع القوميون

- ‌الفصل الحادي عشر: إبطال فكرة القومية

- ‌الفصل الثاني عشر: نقض الأسس التي قامت عليها القومية

- ‌الفصل الثالث عشر: الإسلام والقومية

- ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

- ‌الفصل الخامس عشر: أهم مشاهير دعاة القومية العربية

- ‌مصطفى الشهابي:

- ‌محمد معروف الدواليبي

- ‌ جمال عبد الناصر:

- ‌ الخاتمة:

- ‌الباب السادس عشر: الوطنية

- ‌الفصل الأول: بيان حقيقة الوطنية

- ‌الفصل الثاني: القومية والوطنية

- ‌الفصل الثالث: كيف نشأت دعوى الوطنية

- ‌الفصل الرابع: هل نجحت الوطنية في تأليف القلوب

- ‌الفصل الخامس: الإسلام والوطنية

- ‌الفصل السادس: نتائج تقديس الوطنية

- ‌ تعقيب على ما سبق:

- ‌الباب السابع عشر: المذهب الوضعي

- ‌الفصل الأول: حقيقة المذهب الوضعي

- ‌الفصل الثاني: زعماء المذهب الوضعي

- ‌الباب الثامن عشر: الإلحاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: المراد بالإلحاد

- ‌الفصل الثاني: كما تدرجوا في إظهار الإلحاد

- ‌الفصل الثالث: أقسام الإلحاد

- ‌الفصل الرابع: أسباب ظهور الإلحاد

- ‌الفصل الخامس: هل يلتقي الإسلام مع الأنظمة الإلحادية

- ‌الباب التاسع عشر: الاشتراكية

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: معنى الاشتراكية

- ‌الفصل الثاني: أقسام الاشتراكية

- ‌الفصل الثالث: متى ظهرت الاشتراكية

- ‌الفصل الرابع: هل الاشتراكية هي الشيوعية

- ‌الفصل الخامس: مزاعم الاشتراكيين ودعاياتهم

- ‌الفصل السادس: قوانين الاشتراكية

- ‌الفصل السابع: خداع الاشتراكيين في زعمهم أن الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام

- ‌الفصل الثامن: كيف غزت الإشتراكية بلدان المسلمين

- ‌الفصل التاسع: دعاة على أبواب جهنم

- ‌الباب العشرون: الشيوعية

- ‌الفصل الأول: دراسة عن الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ تمهيد عام عن الشيوعية:

- ‌المبحث الأول: قيام الشيوعية الأولى بقيادة رجل يسمَّى "مزدك

- ‌المبحث الثاني: من أكاذيب الشيوعيين

- ‌المبحث الثالث: رد زعم الملاحدة أن البشرية قامت على الشيوعية الأولى

- ‌المبحث الرابع: زعامة الشيوعية الماركسية

- ‌المبحث الخامس: الأسس التي قامت عليها النظرية الشيوعية

- ‌مدخل

- ‌ المادية:

- ‌ الجدلية "الديالكيتك

- ‌ تعقيب:

- ‌ التطور:

- ‌المبحث السادس: التفسير المادي للتاريخ والأطوار المزعومة له والرد عليها

- ‌مدخل

- ‌ مدى صحة الأطوار التي تزعمها الشيوعية:

- ‌ المشاعية البدائية:

- ‌ الرِّق:

- ‌ الإقطاع:

- ‌ الرأسمالية "البرجوازية

- ‌المبحث السابع: التفسير المادي للإنسان

- ‌المبحث الثامن: التفسير المادي للقيم الإنسانية

- ‌المبحث التاسع: حرب الأخلاق والقيم

- ‌المبحث العاشر: القضاء على الأسر

- ‌المبحث الحادي عشر: محاربة الدين

- ‌المبحث الثاني عشر: سبب قيام الحضارة الإلحادية على العداء للدين

- ‌المبحث الثالث عشر: هل يوجد بين الدين والعلم نزاع

- ‌المبحث الرابع عشر: إنكار وجود الله تعالى وتقدس

- ‌مدخل

- ‌ هل البشر في حاجة إلى أدلة لإثبات وجود الله تعالى

- ‌ شبهات الملاحدة في إنكارهم وجود الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس عشر: روافد أخرى

- ‌مدخل

- ‌ الإنسان التقدمي:

- ‌ الرجعية والجمود:

- ‌ الخرافة والتقاليد:

- ‌ الحرية والكبت:

- ‌ الإلحاد:

- ‌الفصل الثاني: الاقتصاد في الإسلام وفي المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الأول: قضية الملكية الفردية والجماعية

- ‌المطلب الأول: الملكية في الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الملكية في المذاهب الوضعية

- ‌المبحث الثاني: رد مزاعم الملاحدة الشيوعيين

- ‌المطلب الأول: رد مزاعمهم في الملكية الفردية

- ‌المطلب الثاني: رد مزاعمهم في نشأة الصراع الطبقي

- ‌تعقيب

- ‌المبحث الثالث: إيضاح بعض الجوانب الاقتصادية

- ‌المطلب الأول: التعريف بعلم الاقتصاد

- ‌المطلب الثاني: مدى أهمية العامل الاقتصادي في حياة الإنسان

- ‌المطلب الثالث: أهمية دراسة الأحوال الاقتصادية

- ‌المطلب الرابع: الغزو الفكري عن طريق الاقتصاد

- ‌المطلب الخامس: المال في الإسلام

- ‌المطلب السادس: وجود الموارد وندرتها

- ‌المطلب السابع: مدى صحة تعليل أصحاب النظام الوضعي للمشكلة الاقتصادية

- ‌المطلب الثامن: تنظيم الإسلام للشؤون المالية وطريقة معالجته لمشكلة الفقر

- ‌المبحث الرابع: التكافل في النظم البشرية

- ‌المطلب الأول: التكافل في الرأسمالية

- ‌المطلب الثاني: التكافل في النظام الشيوعي

- ‌المراجع:

- ‌قائمة بأسماء بعض المراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

‌الفصل الرابع عشر: مصادر دعم القومية

لقد انهالت على القوميين مصادر دعم كثيرة من جهات معروفة بالكيد للإسلام وأهله، بل والكيد للعربية والعروبة ودعمهم لهم، ومن أكبر الأدلة على عمالة هؤلاء لهم، ومن أولئك الداعمين للقومية:

1-

اليهود:

واليهود كما وصفهم الله وراء كل جريمة ومؤامرة، فقلَّما تنشأ فكرة ضد البشرية إلّا ووقفوا لتقويتها، ولا طائفة تتربَّص بالدين إلّا ووقفوا إلى جانبهم، وهذا الإجرام منهم هو ما أوصتهم به كتبهم التي يقدّسونها، وحاخاماتهم الذين اتخذوهم أربابًا من دون الله تعالى.

ولقد حافظ اليهود على تماسكهم وتضامنهم طوال تاريخهم في الاعتزاز بجنسهم وقوميتهم وعقائدهم التي ورَّثها لهم أكابرهم قديمًا، فلم يذوبوا في أيّ مجتمع مهما امتدت بهم السنوات، ومهما كانت أعدادهم، ومهما كان تفرقهم، وبالإضافة إلى تعصبهم لقوميتهم فهم يتعصَّبون أيضًا للغتهم العبرية، وكان من مكاسب اليهود في انتشار القومية اليهودية والتديُّن بها هو الحفاظ على أفرادهم من الذوبان في أيّ مجتمع يكونون فيه، وبالتالي فإن في انتشار القومية بين مخالفيهم أيضًا مكسب لهم من حيث تمزّق هؤلاء وتشرذمهم؛ وانطواء كل جماعة على قوميتهم، وما يتبع ذلك من التنافس بينهم، واستعلاء

ص: 955

بعضهم على بعض بحكم شريعة القومية، وحينئذ يكونوا لقمة سائغة لليهود؛ لينفردوا بمن يشاءون منهم حتى يكتمل الدور عليهم جميعًا، وقد ظهر هذا واضحًا في مكائدهم الكثيرة بالشعوب حكامًا ومحكومين، وما فعلوه تجاه الدولة العثمانية بالخصوص حين عملوا على تشجيع قيام القوميات والنعرات الجاهلية أقوى مثال، ووصل الأمر حتَّى إلى قصور الخلفاء أنفسهم في آخر دولتهم، فنسي الكثير منهم أن عزَّتهم إنما هي بالإسلام والتعصُّب له، فاستخذوا أمام الضغوط اليهودية والنصرانية في كثير من المواقف بسبب تأثرهم بمختلف التيارات من ناحية، ومن ناحية أخرى لخذلان المسلمين لهم.

وقد أقامت اليهودية العالمية روافد عدة لإحياء القوميات في النفوس؛ من ماسونية وعلمانية وجمعيات أخرى، وثورات عارمة للشعوب ضد حكامها، ودعاوي الحرية والإخاء والمساواة، وغيرها من الشعارات، فكانت أكبر كارثة حلَّت بالمسلمين هي سقوط الدولة العثمانية بمؤمرات اليهود؛ حينما ركن إليهم سلاطين هذه الدولة، فكانوا كالذي يفقأ عينه بيده في سماحتهم وتساهلهم ضد أهداف اليهود ومطالبهم المتتابعة، وما يتبع ذلك من استفحال العلمانية جنبًا إلى جنب، مع نعرات القومية التركية التي كان يذكي نارها جمعية الاتحاد والترقي التركية اليهودية الماسونية المعتقد، أو كما يسمونها "تركيا الفتاة".

وكل هؤلاء أخذوا يرجعون إلى الوراء بصورة حثيثة لجعل القومية الطورانية هي كل الأمجاد والمعتقدات عليها يلتقون، وعليها يتفرقون، مدَّعين أن الإسلام هو الذي أخفت صوتها وحضارتها.

ص: 956

ومن الجدير بالذكر أن جمعية الاتحاد والترقي - أو تركيا الفتاة- ليسوا أتراكًا حقيقيين، ولا هم مسلمين أيضًا، وإنما وفدوا من عدَّة أقطار متظاهرين بالإسلام -وهم يهود في جملتهم- كما يذكر الباحثون تظاهروا بالتباكي والحنين إلى القومية الطورانية لجمع الأتراك كلهم عليها. وقد علمت مما سبق أن اليهود قد عملوا على إثارة كل القوميات، وضرب بعضها بالبعض الآخر، فإنهم حينما أنشأوا حركة الطورانيين كان عليهم أن يثيروا الحركة العربية والاعتزا بها في مقابل اعتزاز الأتراك بقومياتهم القديمة، وأخذت تلك الحركات تشتعل، لا تلوي على شيء في الوقت الذي نسي فيه الجميع الرجوع إلى الحق والدين، واشتطَّ الأتراك وبدؤا في التعصب وإجبار الناس على اعتناق اللغة التركية وإحلالها محل كل لغة، وهم يعرفون أن النتيجة ستكون فوضى وحمية جاهلية، وهو ما حصل بالفعل؛ حيث استطاع اليهود أن يثيروا حميَّة العرب لعربيتهم لجعلها مصدر إلهمامهم بدلًا عن الإسلام والاعتزاز به؛ ليبقى الكاسب الوحيد لهذا التمزُّق والتفاخُر الأجوف هم اليهود، ولا شكَّ أن النصارى سينالهم نصيبهم من هذه المكاسب أيضًا، فالكل عدو للمسلمين وللإسلام وتعاليمه، وهو ما حصل بالفعل، ولقد عرف العالم ويلات الحروب التي وقعت بين العرب والأتراك، وتدخلات الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا العدو اللدود للمسلمين قديمًا وحديثًا.

ب- النصارى:

لقد قام النصارى على مختلف عقائدهم واتجاهاتهم بالمؤمرات المستمرّة لتمزيق وحدة المسلمين وإبعادهم عن دينهم بكل ما يستطيعون من جدٍّ واجتهاد

ص: 957

وكان أشد هؤلاء النصارى إيغالًا في المؤامرات هم نصارى العرب في لبنان وفلسطين، وغيرها من بلاد العرب، بدعم مباشر من دول النصارى الكبيرة، وكان أكثر تركيزهم يتمثّل في استجلاب الشباب العربي إلى الدراسة في الدول النصرانية، وفي المحاضرات والمراسلات بينهم وبين ممثّلي النصرانية الحاقدة ومجيء المنصِّرين إلى بلاد العرب مدرسين وكُتَّابا ووعَّاظًا، وفتحوا المدراس والمستشفيات، وجادوا بشتَّى مطبوعاتهم من المقررات الدراسية إلى الموسوعات، فأنشأوا أجيالًا من دعاة القومية من شتَّى المراحل الدراسية، وكانوا من ورائهم دعمًا وتوجيهًا، وأصبحت تلك الأجيال من دعاة القومية المخلصين لها، وكان للجامعة الأمريكية في بيروت حظّ الأسد في نشر القومية العربية ولا تزال، ولم ينس هؤلاء الدعاة إنشاء الجمعيات والمنظَّمات تحت هدف إحياء العربية وإيقاظ العرب بغضِّ النظر عن الدين، وأنَّ الالتفاف على القومية يغني عنه، ونشروا المقالات والأشعار يتغنَّون فيها بماضي العرب، ويحضونهم على عداة كل من ليس عربي، وخصوصًا الأتراك، وكان أبرز القادة في هذا الميدان هم نصارى لبنان وسوريا الذين كانوا يتلقَّون الدعم السخيّ من دول النصارى الكبرى أمريكا وبريطانيا وفرنسا، تملؤهم الغطرسة بإحياء القومية العربية وإحلالها محل الدين، متباكين على حقوق العرب الضائعة ولغتهم المظلومة وحقوقهم المهضمومة -حسب مزاعم هؤلاء، ومن مشاهير هؤلاء الدعاة ناصيف اليازجي اللبناني، وبطرس البستاني اللبناني، وإبراهيم بن ناصيف اليازجي، وعبد الرحمن الكواكبي، ونبيه فارس، وكان هؤلاء الزعماء يعرفون أنهم في حاجة ماسَّة إلى وقوف المسلمين إلى جانبهم في حربهم -خصوصًا- مع الدولة العثمانية، وحيث إنهم على اختلاف في الدين فإنَّ القومية العربية هي القاسم المشترك والموحّد بينهم.

ص: 958

ج- الحرب على الدين:

وهو مصدر هامّ من مصادر قيام القوميات، ومحاولة من جملة المحاولات لتشجيع القومية وقيامها على البعد عن الدين، وأن أوروبا لم يمكنها التخلّص من الجهل والحال الذي هم فيه -حسب زعمهم- إلّا بإعلان الحرب على الدين ومن يمثله، بدعوى أن الذي جرَّهم إلى هذا المصير هو الدين والبابوت الذين كانوا يزعمون للناس أنهم مفوضون من قِبَلِ الربّ المسيح، ونادى أولئك الهاربون من الدين بأن البديل عنه موجود، وهو الرجوع إلى القوميات السابقة وأمجادها الغابرة، أما الدين فهو طغيان واستبداد واستعلاء بعض البشر على البعض الآخر، ولم تكن الحرب على الدين من قِبَلِ النصارى والملاحدة فقط، وإنما جدَّ من بعض المغفَّلين المسلمين الذين تشبَّعوا بالقومية العربية من يحارب المسلمين بدافع من حرص على استعلاء القومية العربية، وهذه هي إحدى المكائد التي نجح فيها أعداء الإسلام والمسلمين في محاربة الدين.

د- الحركات والمذاهب الهدامة الأوربية:

حينما آفاق الأوربيون ورأوا ما حلَّ بهم من الغبن الفاحش على أيدي رجال الدين النصراني هالهم الأمر وثاروا كالبركان الهادر في وجه الديانة النصرانية ورجالها الطغاة’ مستعملين كلّ ما لديهم من الأسلحة الفكرية وغيرها في إيقاف ذلك الطغيان، فقامت حركات وآراء فكرية ومذاهب مختلفة، كلّ يعمل من جهته والمصب واحد، هو القضاء على الدين ورجاله، وكانوا في ذلك الهياج العارم منطقيين مع الحال الذي أوصلتهم النصرانية وطغاتها إليه

ص: 959

فلجئوا إلى القومية وإلى غيرها علَّهم يجدون فرجًا مما هم فيه، وكانت تلك المذاهب المختلفة تمثل تيارًا عاتيًا خارجًا عن أي سلطة، وفي الوقت نفسه كانت هذه المذاهب في حاجة لملأ الفراغ الذي خلَّفه ترك الدين، فكانت القومية البديل الجديد في نظرهم إلى أن يتيسَّر ما هو أحسن منها.

هـ- العلمانيَّة والعلمانيون:

العلمانية كما هو معروف مذهب هدَّام، والعلمانيون كما عرَّفنا سابقًا هم من أعداء الدين الإسلامي، وممن تفانوا في تضليل المسلمين بكلّ ما أمكنهم من الوسائل عن طريق المنصِّرين، وعن طريق نشر الكتب، وعن طريق نشر الإعلام المرئيّ والمسموع، وعن طريق عملاء لهم من عرب النصارى ومن غيرهم ممن تأثَّر بأفكارهم وارتوَى من سمومهم، وقد جعلوا المجلات التي يصدِّرونها من لبنان ومصر وغيرها سلَّمًا إلى قلوب الناس، وتهيأتهم للانتقال من التعصُّب للدين إلى التعصُّب للقومية العربية وأمجادها.

ولقد كان للعلمانيين وما يزال تأثير قوي بين كثير من طبقات الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والاقتصادية، وما من نعرة جاهلية تقوم إلّا وللعلمانيين فيها يد طولى، وقد ذكرناها لما لها من الأهمية والتأثير المتزايد خصوصًا في هذه الأوقات التي انتشرت الفتن الهوجاء فيها، سواء في حرب أمريكا وبريطانيا للعراق أو أفغانستان أو غيرهما من البلدان الإسلامية، والتي إلى الأن نسمع التهديدات تلو التهديدات للدول التي لا تنصاع إلى السلوك الأمريكي، وخصوصًا فيما يتعلق بالمناهج الدراسية، بعد أن جرت هذه الأمور

ص: 960

فتنًا مختلفة على أيدي أحزاب وحركات، ثم اصطلى بنارها من لا ناقة له فيها ولا جمل، فكانوا على حدِّ قول أحد الشعراء:

وذنب جرَّه سفهاء قوم

وحلَّ بغير جارمه العذاب

و الاشتراكية والشيوعية:

الاشتراكية أحد المعاول الهدامة لحرب الأديان وقيام الأحزاب المتصارعة على كل شيء، وهدم كل ما يقف في طريق الاشتراكية من الأديان والأخلاق وسائر السلوك الذي لا ينسجم مع هذه الاشتراكية، وما من شخص ينادي بالاشتراكية إلّا ويقرنها بالقومية، وأن لا انفكاك لبعضهما عن البعض الآخر، غير أن القومية تعتبر بمثابة التهيئة الأولى للاشتراكية والخادمة لها.

والاشتراكية هي الغذاء لقيام القوميات وانتشار الشيوعية بعد ذلك، وكل فتنة ترقق التي قلبها مما يوحي بوقوع أخطار جسيمة ستحلّ بالمسلمين إن لم يتداركهم الله برحمته.

وقد ورد في الحديث أنَّ كل فتنة ترقق التي قبها، ويقصده صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان، وما هو عنّا ببعيد، نسأل الله العلي العليم اللطف والتوفيق.

ز- قيام حزب البعث:

كان وراء قيام حزب البعث الاشتراكي النصارى العرب، وعلى رأسهم النصراني مشيل عفلق الذي جعل حب القومية العربية عقيدةً راسخة تجمع مختلف الناس ومختلف عقائدهم، وكانت الاشتراكية أيضًا من

ص: 961

ضمن منابع القومية التي امتزج بها حزب البعث، وأخذ زعماء حزب البعث على عواقتهم المناداة بأنه يجب أن تبقى الآراء الفكرية هي القاسم المشترك بين العرب تحت لواء الوحدة الثقافية للأمة العربية ذات التاريخ المشترك واللغة الواحدة، تحت بعث جديد يقوده القوميون الاشتراكيون دعاة الاشتراكية التي تبعث على التطور والازدهار، وصد كل الحركات التي تعطّل الأمة وتؤخر مسيرتها، وحينما تمكَّن هؤلاء البعثيون النصارى من الحكم في لبنان وسوريا، كشفوا عن حقيقتهم؛ فإذا هم ينادون بعبادة البعث والعروبة، والكفر بما عداهما، وفي هذا قال أحد شعرائهم:

آمنت بالبعث ربًّا لا شريك له

وبالعروبة دينًا ما له ثان

وقال آخر:

بلاد قدّسها على كل ملة

ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم

هبوني عيدًا يجعل العرب أمة

وسيروا بجثماني على دين برهم

سلام على كفر يوحّد بيننا

وأهلًا وسهلًا بعده بجهنم

وكان قيام حزب البعث العربي الاشتراكي على دعوى القومية من الأمور البدهية؛ إذ لا يمكن أن تقبل آراءهم المجتمعات العربية الإسلامية ما داموا يقدّسون دينهم، فإذا تراخت قبضتهم على دينهم أمكن حينئذ أن تطل عليهم مبادئ القومية وأن تزحزحهم عن التعصب للدين إلى التعصب للقومية شيئًا فشيئًا، إلى أن يتمَّ المقصود، ونحن اليوم نعيش خيانة هذا الحزب في ظرف هذه الحرب الضروس التي يخوضها الغرب في العراق.

ص: 962