الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: أقسام الوجودية
قبل أن ندخل في تفاصيل الوجودية نتطرق أولًا لما يذكره بعض العلماء حول قضية الوجود والعدم التي هي من الوضوح بحيث لا تخفى على أحد، إلّا أن عبث الفلاسفة وخيالاتهم التي تسرح هنا وهناك لم تقف بهم عند حدٍّ في إيراد الشبهات، وهؤلاء يبحثون الواضح حتى يجعلونه غامضًا بما يخترعونه من أفكارمتضاربة واستنتاجات بعيدة وافتراضات خيالية، وحينما كان الناس على فطرتهم السليمة ما كانوا بحاجة إلى أن يشرح لهم قضية الوجود والعدم؛ لأنهم كانوا يحكمون على الموجود بأنه موجود، وعلى المعدوم بأنه معدوم، وأنَّ الموجود هو مقابل المعدوم، والمعدوم يقابله ضده الموجود، في بداهة لا تعرف التعقيد. كما أن كلمة "الوجود" لم يذكرها الله في القرآن الكريم، ولا ذكر كذلك فكرة العدم بالمعنى الذي ذهب إليه الفلاسفة، وبتتبع الموجودات فإنك ستجد أن أوَّل ما يظهر لك أنها تنقسم إلى قسمين:
1-
موجودات مشاهدة ومحسوسة.
2-
موجودات غير مشاهدة، وإنما هي في الأذهان تسمَّى الموجودات العقلية أو المنطقية.
وسارتر يرى أن العدم لا معنى له إلّا من جهة ما هو نفي شيء أو فقدان
شيء، فلا وجود للعدم بذاته، وإنما يعود إلى تصوّر الإنسان له، والقصد هو إنكار الحياة الأخروية، والإسلام يقرر أن فكرة العدم المحض بالنسبة للإنسان غير صحيحة، بل إنه سيحيى حياة أخرى بعد نهاية حياته الدنيوية، ويؤكد الله هذا في كثير من آيات القرآن الكريم، ويؤكد نبيه صلى الله عليه وسلم في أكثر من نصٍّ في السنة النبوية1.
وقد يقسم بعض العلماء الفلاسفة الوجودية المعاصرة إلى:
1-
الوجودية المسيحية: ويمثلها "كيركجارد" المسيحي، ومفادها أن قلق الإنسان يزول بالإيمان بالله تعالى، وهذه الوجودية هي إحدى المراحل التي مرت بالمفاهيم الأوربية.
2-
الوجودية الإلحادية: ومثَّلها "هيدجر" و"سارتر" ومفادها أن الإنسان له مطلق الحرية في اختيار ما يريده، ويوجده مما يترتب عليه قلقه وبأسه2.
3-
الوجودية التي يمثلها "جاك مارتيان" المسيحي: والتي أقامها على فلسفة "تومالاكويني" الفيسلوف الإيطالي، أشهر ممثلي الفكر الكاثوليكي، الذي كان يرى أن الفلسفة تعتمد على العقل وحده، أما اللاهوت فهو يعتمد على الوحي، دون أن ينكر العقل، وزعم أن الإيمان بالله يحدُّ من الرغبة في الوجود، ويحد من الخوف من العدم3.
1 بتصرف عن كتاب "المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها" ص199.
2 انظر الموسوعة العربية الميسرة ج2، ص1945.
3 انظر كواشف زيوف للميداني ص361.
وأساس مفهوم الوجودية عند أقطابها وخصوصًا سارتر: هو أن يحقق الإنسان ذاته، ويسبر غور نفسه، وأن لا يرد نفسه عن أي شيء تشتهيه؛ ليحقق الشخصية التي ينتهي إليها دون رقيب، ليشعر بوجوده حرًّا طليقًا.
ويجب أن نفهم أن الوجودين بينهم فوارق كبيرة بالنسبة لنظرتهم إلى أنفسهم، أو إلى الله تعالى، أو الدين، أو أشدهم شرًّا سارتر الملحد.