الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
حكم الوديعة التكليفي
[م-1890] اختلف الفقهاء في حكم الوديعة على قولين:
القول الأول:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الإيداع في حق المودِع مباح؛ لأنه تصرف من المالك في ملكه، وقد يحتاج إليه.
وأما قبول الوديعة من المودع فهو عمل مندوب؛ لأنه من الإعانة على البر والتقوى.
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2].
ولأن فيها حفظًا للمال من الضياع، وهو مطلوب شرعًا
(1)
.
وقيد الحنابلة الاستحباب لمن علم من نفسه أنه ثقة، وقادر على حفظها، فإن لم يكن كذلك كره له قبول الوديعة إلا برضا ربها بعد إخباره بذلك
(2)
.
(1)
المبسوط (11/ 108)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 76)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 338)، روضة الطالبين (6/ 324)، المهذب (1/ 358)، البيان للعمراني (6/ 473)، الحاوي الكبير (8/ 356)، كشاف القناع (4/ 167)، المبدع (5/ 233).
(2)
جاء في الروض المربع (1/ 437): «ويستحب قبولها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها، ويكره لغيره إلا برضى ربها» .
قال في كشاف القناع (4/ 167): «المراد إعلامه بذلك إن كان لا يعلمه لئلا يغره» . وانظر المبدع (5/ 233)، مطالب أولي النهى (4/ 148).
القول الثاني:
فصل الشافعية الحكم في قبول الوديعة إلى أربعة أحوال:
الأول: يستحب قبول الوديعة لمن قدر على حفظها، ووثق بأمانة نفسه، وهذا يتفق مع مذهب الحنابلة.
الثاني: يجب عليه قبول الوديعة إذا لم يكن هناك غيره يصلح لذلك، وخاف إن لم يقبل أن يهلك المال.
(1)
.
الثالث: إذا كان واثقاً من أمانته إلا أنه عاجز عن حفظها فإنه يحرم عليه القبول؛ لأنه يعرض الوديعة للتلف.
قال ابن الرفعة: ومحله إذا لم يعلم المالك بحاله، وإلا فلا تحريم.
وتعقبه الزركشي قائلًا: وفيه نظر، والأوجه تحريمه عليهما، أما على المالك فلإضاعته ماله، وأما على المودَع فلإعانته على ذلك، وعلم المالك بعجزه لا يبيح له القبول، ومع ذلك فالإيداع صحيح، وأثر التحريم مقصور على الإثم
(2)
.
(1)
المهذب (1/ 358)، وانظر أسنى المطالب (3/ 74).
(2)
أسنى المطالب (3/ 74 - 75).
الرابعة: أن يكون قادرًا على الحفظ ولكن لا يثق بأمانة نفسه، فهل يحرم قبولها، أو يكره؟ وجهان في مذهب الشافعية، والمعتمد الكراهة.
جاء في منهاج الطالبين: «من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها ومن قدر ولم يثق بأمانته كره، فإن وثق استحب»
(1)
.
القول الثالث:
ذهب المالكية إلى أن الأصل في الإيداع أنه مباح في حق المودِع والقابل.
وقد يعرض له ما يوجبه في حق المالك إذا خاف على ماله من الضياع إن لم يودعه مع وجود قابل له يقدر على حفظه.
وقد يعرض له ما يحرمه في حق المالك: إذا كان المال مسروقًا أو مغصوبًا ولا يقدر القابل على جحدها ليردها إلى ربها، أو للفقراء، أو كان المودع محجورًا عليه لفلس، وأراد من الإيداع منع الغرماء من الوصول إلى المال.
هذا في حق المودِع كذلك في حق القابل الأصل فيه الإباحة:
ولا يجب قبولها ولو لم يوجد غيره إلا لتخليص مستهلك، كما يقع في أيام النهب من إيداع الناس عند ذوي البيوت المحترمة.
وقد يعرض لها ما يحرمها إذا كانت الوديعة مغصوبة أو مسروقة، ولا يستطيع المودَع رد المال إلى مالكه.
وقد يستحب قبول الوديعة إذا خشى ما يوجبها دون تحقق.
(1)
منهاج الطالبين (ص: 195).
وقد يكره قبولها إذا خشى ما يحرمها دون تحقق
(1)
.
* * *
(1)
مواهب الجليل (5/ 251)، الفواكه الدواني (2/ 169)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 275 - 276)، حاشية الدسوقي (3/ 419)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 549).