الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في الضمان بتأخير ورثة الوديع الرد إلى المالك
[م-1974] علمنا في المبحث السابق حكم ما إذا مات المالك ثم أخر الوديع الرد حتى تلفت الوديعة، ونريد أن نناقش في هذا المبحث حكم ما إذا مات الوديع، ثم أخر ورثته رد الوديعة إلى المالك حتى تلفت الوديعة فهل يضمنون بهذا التأخير؟
القول الأول:
ذهب الحنفية إلى أن الوديع إذا مات، ووجدت الوديعة بعينها في تركته تكون أمانة في يد وارثه، فيردها لصاحبها
(1)
.
القول الثاني:
ذهب الشافعية إلى أن المستودع إذا مات بطل عقد الإيداع، فإن كان مالكها حاضرًا وجب على الوارث ردها إليه، فإن لم يفعل ضمن، وإن كان مالكها غائبًا لزم الوارث إعلام الحاكم، فإن لم يعلم الحاكم ضمن
(2)
.
جاء في الحاوي الكبير: «وأما موت المستودع فمبطل لعقد الوديعة؛ لأن مالكها لم يأتمن وارثه عليها، فإن كان مالكها حاضرًا وجب على الوارث ردها عليه، فإن لم يفعل ضمن، وإن كان مالكها غائبًا لزم الوارث إعلام الحاكم بها
(1)
بدائع الصنائع (6/ 213)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (801).
(2)
روضة الطالبين (6/ 347)، نهاية المطلب (11/ 426)، الحاوي الكبير (8/ 379)، البيان للعمراني (6/ 475).
حتى يأمره فيها بما يراه حظًا لمالكها من إحرازها في يد الوارث، أو نقلها إلى غيره، فإن لم يعلم الحاكم بها ويستأذنه فيها ضمن»
(1)
.
(2)
.
القول الثالث:
أنه لا ضمان على الورثة إذا تأخروا في رد الوديعة، وهو قول في مذهب الشافعية
(3)
.
وجهه:
أن الوارث ليس مودعًا من جهة المالك، وموت الوديع لا ينقل حق الحفظ في الوديعة إلى الورثة، كما أن موت الوكيل لا يورث وارثه حق التصرف الذي كان مفوضًا إلى الوكيل، ولم يكن أمينا من جهة المالك، فلا وجه لوجوب تضمينه بمجرد التأخير
(4)
.
القول الرابع:
ذهب الحنابلة إلى أن وارث الوديع لا يجوز له إمساك الوديعة بدون إذن
(1)
الحاوي الكبير (8/ 379).
(2)
نهاية المطلب (11/ 426).
(3)
نهاية المطلب (11/ 425).
(4)
انظر نهاية المطلب (11/ 425).
المالك، فإن تلفت عند الوارث قبل تمكنه من الرد فلا ضمان عليه. وإن تلفت بعد تمكنه من الرد ضمنها في أحد الوجهين، وهو المذهب.
وقال كثير من الحنابلة: الواجب الرد.
وصرح كثير منهم: أن الواجب الرد أو الإعلام بها؛ لأن مؤنة الرد لا تجب عليه
(1)
.
ونوقش بأن الإعلام بها حاصل للمالك، حيث لا يتصور نسيانه إلا أن يكون المقصود بالإعلام الإعلام بموته لا بالوديعة.
قال في الإنصاف: «وإن تلفت عند الوارث قبل إمكان ردها لم يضمنها بلا نزاع، وبعده يضمنها في أحد الوجهين وهو المذهب .... قال في القاعدة الثالثة والأربعين: والمشهور الضمان
…
والوجه الثاني: لا يضمنها. قال الحارثي: وهذا لا أعلم أحدا ذكره إلا المصنف»
(2)
.
(3)
.
(1)
الإنصاف (6/ 343)، كشاف القناع (4/ 182)، القواعد لابن رجب (ص: 60).
(2)
الإنصاف (6/ 343).
(3)
كشاف القناع (4/ 182).
وجاء في القواعد لابن رجب: «إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثه فإنه لا يجوز الإمساك بدون إذن؛ لأن المالك لم يرض به
…
ثم إن كثيرًا من الأصحاب قالوا ههنا: الواجب الرد، وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين: إما الرد أو الإعلام كما في المغني والمحرر والمستوعب ونحوه ذكره ابن عقيل وهو مراد غيرهم؛ لأن مؤنة الرد لا تجب عليه وإنما الواجب التمكين من الأخذ»
(1)
.
° الراجح:
لا خلاف في أن عقد الإيداع ينتهي بموت الوديع، ولكن بقاء المال أمانة في يد الورثة لا ينتهي؛ لأن الأمانة نوعان: أمانة بحكم العقد، وهذا ينتهي بالموت، وأمانة بحكم الشرع، وهذا لا ينتهي إلا برد المال، فيكون المطلوب أن يقوم الوارث بإخبار المالك بموت الوديع، ولا يلزمه أكثر من ذلك، فإن طلب المالك ماله وجب تمكينه من قبضه، فإن تأخر الوارث بلا عذر ضمنه، وإن طالب الوارث المالك بقبض المال وجب على المالك استلامه بدون تأخير، فإن تأخر بلا عذر، ثم تلف المال لم يضمن الوارث؛ وكذا إذا لم يطلب المالك المال، فتلف لم يضمن الوارث؛ لأن ترك المطالبة بالمال رضا ببقاء المال في يد الوارث، والله أعلم.
* * *
(1)
القواعد (ص: 60).