المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع - المعاملات المالية أصالة ومعاصرة - جـ ١٩

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌عقد الوديعة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف الوديعة

- ‌المبحث الثانيتوصيف عقد الوديعة

- ‌الفرع الثانيالوديعة من عقود الأمانات

- ‌مسألةزوائد الوديعة أمانة كأصلها

- ‌الفرع الثالثالوديعة من العقود الجائزة

- ‌الفرع الرابعالوديعة من عقود التبرع

- ‌المبحث الثالثفي حكم الوديعة

- ‌الفرع الأولحكم الوديعة الوضعي

- ‌الفرع الثانيحكم الوديعة التكليفي

- ‌الباب الأولأركان الوديعة

- ‌الفصل الأولخلاف العلماء في أركان الوديعة

- ‌الفصل الثانيفي انعقاد الوديعة بالمعاطاة

- ‌الفصل الثالثفي انعقاد الإيداع بالإشارة

- ‌الفصل الرابعالاعتماد على الخط في الإيداع

- ‌الفصل الخامسفي تعليق الوديعة وإضافتها إلى المستقبل

- ‌الباب الثانيفي شروط الوديعة

- ‌الفصل الأولفي شروط ا لوديع والمودع

- ‌الشرط الأوليشترط توفر الأهلية فيهما

- ‌المبحث الأولفي إيداع الصبي غير المميز والمجنون

- ‌المبحث الثانيفي إيداع الصبي المميز

- ‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيأن يكون المودِع له ولاية في المال المودع

- ‌الشرط الثالثأن يكون المودَع ممن يصح قبضه للوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط أن يكون المستودَع معينًا

- ‌الشرط الخامسفي اشتراط ألا يكون المودِع محجورًا عليه لمصلحة غيره

- ‌الفصل الثانيفي شروط الأعيان المودعة

- ‌المبحث الأولفي اشتراط مالية العين المودعة

- ‌الشرط الثانيكون الوديعة قابلة لإثبات اليد عليها

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط العلم بالوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط كون الوديعة منقولة

- ‌الباب الثالثفي أحكام الوديعة

- ‌الفصل الأولفي آثار عقد الوديعة

- ‌المبحث الأولوجوب الحفظ على الوديع

- ‌الفرع الأولفي صفة حفظ الوديعة

- ‌المسألة الأولىألا يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثانيةأن يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثالثةفي دفع الوديعة لمن يحفظ ماله

- ‌المطلب الأولفي بيان الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم

- ‌المسألة الرابعةفي استعانة الوديع بغيره في حفظ الوديعة

- ‌المطلب الأولأن يستعين بالأجنبي بدون عذر

- ‌المطلب الثانيأن يودع الوديع الأجنبي لعذر

- ‌الأمر الأولأن يكون العذر حاجته إلى السفر

- ‌الأمر الثانيأن يودع مال غيره خوفًا من حريق أو غرق

- ‌المبحث الثانييجب رد الوديعة متى طلبها صاحبها

- ‌المبحث الثالثالوديعة أمانة في يد المودَع

- ‌الفرع الأولفي الإنفاق على الوديعة

- ‌الفرع الثانيفي صفة الإنفاق

- ‌الفرع الثالثالوديعة لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفرع الرابعفي إتلاف المودع الوديعة

- ‌المسألة الأولىفي الحكم التكليفي

- ‌المسألة الثانيةالحكم الوضعي لتعدي الوديع

- ‌المسألة الثالثةفي ارتفاع الضمان برجوعه عن التعدي

- ‌المسألة الرابعةفي ضمان الوديع إذا نوى التعدي ولم يفعل

- ‌الفرع الخامسفي اشتراط الضمان على الوديع

- ‌الفصل الثانيفي تصرفات الوديع بالوديعة

- ‌المبحث الأولفي خلط الوديعة بغيرها

- ‌الفرع الأولأن يكون الخلط بغير فعل الوديع

- ‌الفرع الثانيأن يكون الخلط بإذن صاحبها

- ‌الفرع الثالثأن يكون الخلط بدون إذن صاحبها

- ‌المسألة الأولىفي خلط الوديعة بمال آخر مع إمكان التمييز

- ‌المسألة الثانيةفي خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز

- ‌المسألة الثالثةإذا خلط الوديعة بمال لصاحبها

- ‌المبحث الثانيفي اقتراض المودع من الوديعة

- ‌الفرع الأولإذا اقترض من الوديعة ثم تراجع عن الاقتراض

- ‌الفرع الثانيإذا اقترض من الوديعة ثم رد بدله

- ‌المسألة الأولىأن يكون البدل متميزًا عن باقي الوديعة

- ‌المسألة الثانيةأن يكون البدل غير متميز عن باقي الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رهن المودِع للوديعة

- ‌المبحث الرابعفي الاتجار بالوديعة

- ‌الفرع الأولفي الاتجار بها دون إذن من المالك

- ‌المسألة الأولىالحكم التكليفي في اتجار الوديع بالوديعة

- ‌المسألة الثانيةفي استحقاق الربح إذا اتجر بالوديعة بدون تفويض

- ‌المبحث الخامسفي تأجير الوديعة

- ‌الفصل الثالثفي الاختلاف بين المالك والوديع

- ‌المبحث الثانيإذا اختلفا في الرد

- ‌المبحث الثالثإذا اختلفا في التعدي والتفريط

- ‌المبحث الرابعفي مطالبة الوديع باليمين إذا ادعى التلف

- ‌المبحث الخامسإذا اختلفا في الأمر بالتصرف في الوديعة

- ‌المبحث السادسإذا تنازع الوديعة رجلان

- ‌الفصل الرابعإذا جحد الوديعة معاملة بالمثل

- ‌الفصل الخامسفي تجهيل الوديعة

- ‌مبحثفي التصرف في الودائع المجهول أصحابها

- ‌الفصل السادسفي تعدد الوديع

- ‌الفصل السابعفي الوديع يكره على تسليم الوديعة

- ‌الفصل الأولفي تعريف الودائع المصرفية

- ‌الفصل الثانيخصائص الودائع النقدية المصرفية

- ‌الفصل الثالثفي توصيف الودائع المصرفية الجارية

- ‌الفصل الرابعإيجار الخزائن الحديدية للإيداع

- ‌المبحث الأولتعريف الخزائن الحديدية

- ‌المبحث الثانيفي التوصيف الفقهي لتأجير الخزائن الحديدية

- ‌الفصل الأولانتهاء عقد الوديعة بالرد

- ‌المبحث الأولفي مؤنة حمل الوديعة وردها

- ‌المبحث الثانيفي امتناع الوديع من رد الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رد الوديعة إلى عيال المالك

- ‌المبحث الرابعفي كيفية رد الوديعة المشتركة

- ‌الفصل الثانيانتهاء الوديعة بالفسخ

- ‌الفصل الثالثانتهاء عقد الوديعة بالموت

- ‌المبحث الأولفي الضمان بتأخير الرد إلى وارث المالك

- ‌المبحث الثانيفي الضمان بتأخير ورثة الوديع الرد إلى المالك

- ‌الفصل الرابعانتهاء عقد الوديعة بالعزل

- ‌المبحث الأولانتهاء عقد الوديعة بعزل المالك للوديع

- ‌المبحث الثانيفي عزل الوديع نفسه

- ‌الفصل الخامسانتهاء عقد الوديعة بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفصل السادسانتهاء عقد الوديعة بزوال الأهلية

- ‌الفصل السابعانتهاء عقد الوديعة بالجحود

- ‌عقد اللقطة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف اللقطة

- ‌المبحث الثانيالفرق بين اللقطة والضالة

- ‌المبحث الثالثفي أركان اللقطة

- ‌الباب الأولفي حكم الالتقاط

- ‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان

- ‌الفصل الثانيفي التقاط الحيوان

- ‌المبحث الأولفي التقاط ما يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء

- ‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

- ‌المبحث الثالثفي الالتقاط في طريق غير مسلوك

- ‌المبحث الرابعفي لقطة مكة

- ‌الباب الثانيفي أحكام اللقطة

- ‌الفصل الأولفي وجوب تعريف اللقطة

- ‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها

الفصل: ‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

‌المبحث الثاني

في التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

ما يظن هلاكه من الحيوان بتركه يشرع التقاطه بلا تعريف.

[م-1984] اختلفت أقوال العلماء في كيفية التصرف في الحيوان الضال إذا كان لا يمتنع من صغار السباع كالشاة ونحوها، وهذا تفصيل أقوالهم في المسألة:

القول الأول:

يجوز التقاط ضالة الحيوان من غير فرق بين الإبل والغنم، والأفضل أن يأخذها ويعرفها كغيرها، ولا يتركها تضيع، وهذا مذهب الحنفية

(1)

.

جاء في الاختيار لتعليل المختار: «ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات»

(2)

.

° دليل الحنفية:

أن هذه الضالة يتوهم ضياعها، فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس.

القول الثاني:

ذهب المالكية إلى أن الشاة إذا وجدها في الصحراء، ولم يتيسر حملها ولا سوقها للعمران، فله أكلها، ولا يعرفها، ولا ضمان عليه.

(1)

المبسوط (11/ 10)، فتح القدير (6/ 124)، الهداية شرح البداية (2/ 176)، تحفة الفقهاء (3/ 356)، بدائع الصنائع (6/ 200)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 34).

(2)

الاختيار لتعليل المختار (3/ 34).

ص: 463

فإن تيسر حملها أو سوقها للعمران حملت، أو سيقت وعرفها وجوبًا، وليس له أكلها، فإن أكلها ضمنها، فإن حملها مذبوحة فربها أحق بها إن علم به قبل أكلها، وعليه أجرة حملها، وإن وجد الشاة فيما قرب من العمران وجب عليه تعريفها هذا هو المعتمد في المذهب

(1)

.

وقيل: يجوز أكلها في الصحراء ولو تيسر سوقها للعمران، وهو ظاهر المدونة

(2)

.

وقال سحنون: إذا أكلها يضمن قيمتها لربها إذا علم به بعد ذلك

(3)

.

قال الدردير: في الشرح الكبير: «و له أكل شاة وجدها بفيفاء، ولم يتيسر حملها للعمران، ولا ضمان، فإن حملها للعمران ولو مذبوحة فربها أحق بها إن علم، وعليه أجرة حملها، ووجب تعريفها إن حملها حية كما لو وجدها بقرب العمران، أو اختلطت بغنمه في المرعى»

(4)

.

وقال الخرشي: «من وجد شاة بالفيفاء فذبحها فيها وأكلها فإنه لا ضمان عليه على المشهور، وسواء أكلها في الصحراء أو في العمران، لكن إن حملها أو الطعام إلى العمران ووجده ربه فهو أحق به، وليدفع له أجرة حمله، فإن أتى بها

(1)

حاشية الدسوقي (4/ 122)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/شرح الخرشي (7/ 127)، المقدمات الممهدات (2/ 480)، منح الجليل (8/ 240).

(2)

المدونة (6/ 175)، وسننقل إن شاء الله تعالى نص المدونة عند الانتقال إلى نقل النصوص، وانظر التهذيب في اختصار المدونة (4/ 376).

(3)

حاشية الدسوقي (4/ 122).

(4)

الشرح الكبير (4/ 122).

ص: 464

حية إلى العمران فعليه تعريفها أو يدفعها لمن يثق به يعرفها؛ لأنها صارت كاللقطة»

(1)

.

وجاء في المدونة: «قلت ـ أي سحنون ـ أرأيت من التقط شاة في فيافي الأرض أو بين المنازل؟

قال ـ أي ابن القاسم ـ سألت مالكا عن ضالة الغنم يصيبها الرجل؟

قال: قال مالك: أما ما كان قرب القرى فلا يأكلها، وليضمها إلى أقرب القرى إليها يعرفها فيها. قال: وأما ما كان في فلوات الأرض والمهامه، فإن تلك يأكلها ولا يعرفها. فإن جاء صاحبها فليس له عليه من ثمنها قليل ولا كثير. وكذلك قال مالك، قال: ألا ترى أن النبي عليه السلام قال في الحديث: هي لك أو لأخيك أو للذئب»

(2)

.

° دليل المالكية على التفريق بين الصحراء والعمران:

أن قوله في ضالة الغنم: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) إشارة إلى أن هذا حكمها إذا كان يخشى عليها الذئب، وفي العمران لا يخشى عليها من الذئب فيكون حكمها حكم اللقطة، من أخذها وجب عليه تعريفها كسائر الأموال.

القول الثالث:

ذهب الشافعية إلى أن ضالة الغنم وكذا كل حيوان مأكول لا يمتنع بنفسه عن صغار السباع إن وجده في الصحراء كان الواجد مخيرًا بين ثلاثة أشياء:

(1)

شرح الخرشي (7/ 127).

(2)

المدونة (6/ 175).

ص: 465

أحدها: أن يمسكها، ويعرفها، ثم يتملكها.

الثاني: أن يبيعها ويستقل واجدها بالبيع إن لم يجد حاكمًا، وإن وجده استأذنه في البيع، ويحفظ ثمنها، ويعرفها، ثم يتملك الثمن.

الثالث: أن يأكلها إن كانت مأكولة ويغرم قيمتها. والخصلة الأولى أولى من الثانية؛ لأنه يحفظ العين على صاحبها، والثانية أولى من الثالثة؛ لأنه إذا أكلها استباحها قبل الحول، وإذا باع لم يملك الثمن إلا بعد الحول.

وإن وجده في العمران، فله الإمساك مع التعريف والتملك، وله البيع والتعريف وتملك الثمن.

وفي الأكل قولان، أظهرهما عند الأكثرين: المنع؛ لأن البيع في العمران أسهل هذا إذا كانت مأكولة.

فأما الجحش وصغار ما لا يؤكل فله فيه خصلتان:

الأولى: أن يمسكها، ويعرفها، ثم يتملكها.

الثاني: أن يبيعها، ويحفظ ثمنها، ويعرفها، ثم يتملك الثمن.

وفي جواز تملكها في الحال، وجهان، أصحهما: لا يجوز تملكها حتى تعرف سنة كغيرها

(1)

.

قال النووي في منهاج الطالبين: «وما لا يمتنع منها كشاة يجوز التقاطه لتملك

(1)

روضة الطالبين (5/ 403)، مغني المحتاج (2/ 410)، نهاية المحتاج (5/ 434)، الحاوي الكبير (8/ 6، 26)، المهذب (1/ 431)، أسنى المطالب (2/ 489)، نهاية المطلب (8/ 478،483)، البيان للعمراني (7/ 540)، حاشية الجمل (3/ 605 - 606)، إعانة الطالبين (3/ 249)،.

ص: 466

في القرية والمفازة ويتخير آخذه من مفازة، فإن شاء عرفه وتملكه ـ أو باعه وحفظ ثمنه وعرفها ثم تملكه ـ أو أكله وغرم قيمته إن ظهر مالكه، فإن أخذ من العمران فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة في الأصح»

(1)

.

° دليل الشافعية على جواز تملكها في الحال بالقيمة:

قوله عليه السلام: (هي لك أو لأخيك أو للذئب) فقوله: (هي لك) دليل على إباحة تملكها في الحال، والخبر محمول على أنه أراد: بعوضها؛ لأن هذا الحيوان ملك لغيره فلم يكن له تملكه بغير عوض.

ولقوله عليه السلام: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه

(2)

.

ولأنها لقطة يلزمه ردها مع بقائها فوجب أن يلزمه غرمها عند استهلاكها قياسًا على اللقطة في الأموال.

ولأنها ضالة فوجب أن تضمن بالاستهلاك كالإبل.

وأما دليلهم على جواز إمساكها، وتعريفها، ثم تملكها:

أنه يجوز أن يجري في ضالة الغنم ونحوها حكم اللقطة، فإذا جاز إمساك الأموال من غير الحيوان، وتعريفها، ثم تملكها جاز ذلك في الحيوان بشرط أن

(1)

منهج الطالبين (ص: 82).

(2)

معنى الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي بكرة المتفق عليه عند البخاري (1741)، ومسلم (1679)، ورواه البخاري (1739) من حديث ابن عباس (1739)، ومسلم من حديث جابر (1218). وحرمة مال المسلم مقطوع به، مجمع عليه. هذا من حيث الفقه

وأما دراسة الحديث من حيث الإسناد فقد سبق تخريج طرق الحديث في عقد الشفعة، انظر (10/ 159).

ص: 467

يتطوع بالنفقة عليها؛ لأن الرجوع بالنفقة عليها مضر بصاحبها؛ لأنه قد ينفق عليها أكثر من ثمنها.

(ح-1204) ولما رواه زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه

(1)

.

وأما الدليل على جواز بيعها وحفظ ثمنها، ويعرفها، ثم يتملك الثمن.

فالقياس، فإذا جاز أن يتملكها في الحال بدون تعريف، جاز من باب أولى أن يبيعها، ويعرفها، ثم يتملك الثمن.

القول الرابع: مذهب الحنابلة.

في مذهب الحنابلة قولان:

أحدهما: وهو المشهور أنه يلزم الملتقط للشاة ونحوها فعل الأحظ من أكلها وعليه قيمتها، أو بيعها وحفظ ثمنها لصاحبها، ولا يحتاج إلى إذن الإمام في الأكل والبيع، ويلزمه حفظ صفتها فيهما، أو حفظها والإنفاق عليها من ماله، ولا يملكه فإذا جاء صاحبه استلمه، ويرجع الملتقط بما أنفق على الحيوان إن نوى الرجوع، ما لم يتعد بأن التقطه لا ليعرفه، أو بنية تملكه في الحال

(2)

، فإن استوت الثلاثة خير بينها. قال الحارثي: وأولى الأمور الحفظ مع الإنفاق، ثم البيع وحفظ الثمن، ثم الأكل وغرم القيمة

(3)

.

(1)

صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).

(2)

وفيه رواية أخرى: أنه لا يرجع بشيء، والأولى هي المذهب. انظر الشرح الكبير على المقنع (6/ 339).

(3)

الإنصاف (6/ 404، 407)، الإقناع في مذهب الإمام أحمد (2/ 400)، كشاف القناع (4/ 214)، مطالب أولي النهى (4/ 225)، الكافي لابن قدامة (2/ 358)، المغني (6/ 28).

وقال أبو الخطاب في الهداية (ص: 329): «فإذا أخذها وعرفها، فهل يملكها؟ على روايتين» .

ص: 468

° وحجة هذا القول:

أما الدليل على جواز أكلها، فلقوله عليه السلام وقد سئل عن ضالة الغنم: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، فجعلها له في الحال، لأنه سوى بينه وبين الذئب، والذئب لا يستأني بأكلها؛ ولأن في أكل الحيوان في الحال إغناء عن الإنفاق عليه؛ وحراسة لماليته على صاحبه إذا جاء، وإذا أراد أكله حفظ صفته، فمتى جاء ربه فوصفه؛ غرم له قيمته بكمالها.

وأما الدليل على جواز بيعه:

فلأنه إذا جاز أكله فبيعه لصاحبه أولى بالجواز، ويجب حفظ ثمنه لصاحبه.

وأما الدليل على أنه لا يملك بالتقاطه ولو بثمن المثل:

فقياسًا على ولي اليتم لا يبيع من نفسه.

وأما الدليل على جواز حفظها لصاحبها:

فلأن هذا هو الأصل باعتبار أنه مال مملوك للغير.

وأما الدليل على الرجوع بالنفقة إذا أنفق بنية الرجوع:

فلأنه أنفق على اللقطة لحفظها ولمصلحة مالكها، فكان من مال صاحبها، وكل من أنفق على مال غيره من أجل حفظه فإن له الرجوع بالنفقة على المذهب بشرط أن يكون قد أنفق عليها بنية الرجوع، فإن أنفق متبرعًا لم يرجع.

ص: 469

الرواية الثانية في مذهب الحنابلة:

لا يجوز التقاط الشاة ونحوها مما لا يمتنع من صغار السباع إلا للإمام

(1)

.

° ودليل هذه الرواية:

(ح-1205) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا يحيى بن زكريا ـ وهو ابن أبي زائدة ـ حدثنا أبو حيان التيمي، عن الضحاك بن المنذر، عن منذر بن جرير،

عن جرير بن عبد الله قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: لا يؤوي الضالة إلا ضال.

[ضعيف]

(2)

.

(1)

الإنصاف (6/ 407)، الكافي لابن قدامة (2/ 357)، المغني (6/ 28)، المبدع (5/ 278)، شرح منتهى الإرادات (2/ 380).

(2)

رواه أبو حيان يحيى بن سعيد واختلف عليه فيه:

فقيل: عن أبي حيان، عن الضحاك بن جرير، عن منذر بن جرير، عن أبيه جرير.

رواه أحمد عن يحيى بن بن زكريا كما في إسناد الباب (4/ 360) مرفوعًا إلى النبي عليه السلام، ورواه ابن أبي شيبة عن يحيى بن زكريا في المصنف (22093) موقوفًا من قول جرير، وفي المسند له كما في إتحاف الخيرة المهرة (4022) مرفوعًا من قول النبي عليه السلام.

ورواه يحيى بن سعيد القطان كما في مسند أحمد (4/ 362)، والسنن الكبرى للنسائي (5766)، وسنن ابن ماجه (2503)، والطبراني في المعجم الكبير (2376)، وسنن البيهقي (6/ 189).

وعبد الله بن نمير كما في المعجم الكبير للطبراني (2/ 330) رقم 2377.

ويعلى بن عبيد كما في مشكل الآثار للطحاوي (4719)، وفي شرح معاني الآثار له (4/ 133)، والمعجم الكبير للطبراني (2377).

وابن علية كما في العلل للدارقطني (13/ 465)، والثاني من فضائل جرير لأحمد بن عيسى بن قدامة (ص: 28) مخطوط. =

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= كلهم (يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن نمير، ويعلى بن عبيد وابن علية) رووه عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن المنذر بن جرير، عن أبيه.

وهذا هو المعروف من حديث جرير، وقد اختلف في اسم الضحاك فقيل: ابن جرير كما في تهذيب الكمال (13/)، وقيل: الضحاك بن المنذر، وقيل: الضحاك الضحاك خال المنذر. قلت: وهو أشبه عندي، والله أعلم.

قال علي بن المديني: لا يعرفونه، ولم يرو عنه غير أبي حيان.

قلت: ولم يوثقه أحد سوى ابن حبان ذكره في الثقات.

وقال الحافظ ابن حجر فى ترجمة الضحاك بن المنذر، فقال: روى عن جرير حديث: (لا يؤوى الضالة إلا ضال) وعنه أبو حيان التيمى واختلف عليه فيه اختلافا كثيرًا. اهـ

وقيل: عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن جرير.

رواه ابن المبارك كما في السنن الكبرى للنسائي (5/ 339) عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن جرير، بإسقاط منذر بن جرير من الإسناد.

وجاء عند الطبراني (2387) من طريق يحيى الحماني، عن ابن المبارك، عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن المنذر بن جرير، عن جرير كرواية الجماعة إلا أن الحماني مجروح.

وقيل: عن أبي حيان، عن المنذر بن جرير، عن جرير، بإسقاط الضحاك.

رواه خالد بن عبد الله الطحان كما في سنن أبي داود (1720) عن أبي حيان، عن المنذر بن جرير، عن جرير.

ورواه روح بن القاسم، واختلف عليه:

فرواه الطبراني كما في المعجم الأوسط (1381) عن صفوان بن رستم، عن روح بن القاسم، عن أبي حيان، عن المنذر، عن جرير.

وخالفه مخلد بن يزيد، كما في العلل للدارقطني (13/ 465) فرواه عن روح بن القاسم، عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن رجل، عن جرير

وذكره المزي في تهذيبه هذا الطريق (13/ 298). =

ص: 471

الدليل الثاني:

(ث-304) روى عبد الرزاق في المصنف، قال: عن معمر، عن قتادة، عن

= قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب.

وقيل: عن أبي حيان، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن المنذر بن جرير، عن أبيه.

رواه النسائي في في السنن الكبرى (5765)، عن إبراهيم بن عيينة، عن أبي حيان به، فاستبدل بالضحاك بن المنذر أبا زرعة بن عمرو بن جرير، وقد تفرد بهذا إبراهيم بن عيينة، وهو متروك الحديث.

وقال الدارقطني في العلل (13/ 465): «يرويه أبو حيان التيمي يحيى بن سعيد بن حيان، واختلف عنه:

فرواه يحيى القطان وابن نمير، وابن أبي زائدة، وابن علية: عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن المنذر بن جرير عن جرير.

ورواه روح بن القاسم، واختلف عنه:

فرواه صفوان بن رستم عن روح، عن أبي حيان، عن المنذر بن جرير، عن جرير، ولم يذكر الضحاك.

وخالفه مخلد بن يزيد، رواه عن روح بن القاسم، عن أبي حيان، عن الضحاك بن المنذر، عن رجل، عن جرير. وهو أشبه بالصواب.

ورواه ابن المبارك عن أبي حيان، عن الضحاك، عن جرير، ولم يقل: عن المنذر.

ورواه شعبة، عن أبي حيان.

[وخالفهم إبراهيم بن عيينة فرواه عن أبي حيان عن أبي زرعة عن المنذر] ما بين القوسين زيادة من تنقيح التحقيق (4/ 235) في نقله عن العلل، ولم أقف عليه في المطبوع.

قال الدارقطني: والأشبه بالصواب عن أبي حيان ما قاله يحيى القطان ومن تابعه، هو الصحيح. اهـ نقلًا من علل الدارقطني.

قال ابن عبد الهادي في التنقيح (4/ 235) «وقال علي بن المديني عن حديث جرير أن النبي عليه السلام قال: لا يأوي الضالة إلا ضال: رواه أبو حيان عن الضحاك خال المنذر بن جرير عن المنذر ابن جرير عن أبيه، والضحاك لا يعرفونه، روى عنه أبو حيان، ولم يرو عنه غيره. اهـ

ص: 472

ابن المسيب، أن عمر بن الخطاب قال: لا يضم الضوال إلا ضال

(1)

.

[صحيح]

(2)

.

(1)

المصنف (18611)، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (22095) حدثنا وكيع، قال: حدثنا همام، عن قتادة به.

(2)

في هذا الإسناد علتان غير مؤثرتين:

الأولى: اختلف في سماع سعيد من عمر، والجمهور على أنه لم يسمع منه. وعلى التسليم بصحة عدم السماع فإن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه له خصوصية خاصة، فسعيد بن المسيب له عناية بقضاء عمر.

قال عبدالله بن وهب: سمعت مالكاً، وسئل عن سعيد بن المسيب، قيل: أدرك عمر؟ قال: لا، ولكنه ولد في زمان عمر، فلما كبر أكب على المسألة عن شأنه، وأمره حتى كأنه رآه. قال مالك: بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره. تهذيب الكمال (11/ 74).

وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: سعيد بن المسيب قد رأى عمر، وكان صغيراً. قلت ليحيى: يقول: ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر؟ قال يحيى: ابن ثمان سنين يحفظ شيئاً. المرجع السابق.

وقال إسحاق بن منصور: قلت ليحيى بن معين: يصح لسعيد بن المسيب سماع من عمر؟ قال: لا. المراسيل ـ ابن أبي حاتم (ص: 71).

وقال أبو حاتم الرزاي: سعيد بن المسيب عن عمر مرسل، يدخل في المسند على المجاز.

وقال أيضاً: لا يصح سماع لسعيد بن المسيب عن عمر إلا رؤيته على المنبر ينعى النعمان بن مقرن. المرجع السابق.

وقال أبو طالب: قلت لأحمد:

سعيد عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة، قد رأى عمر، وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد عن عمر، فمن يقبل؟!. الجرح والتعديل (4/ 60) ونقله ابن حجر في تهذيب التهذيب (4/ 76).

وقال أحمد أيضاً: مرسلات سعيد صحاح، لا نرى أصح من مرسلاته. المرجع السابق.

وقال الليث عن يحيى بن سعيد، كان ابن المسيب يسمى راوية عمر، كان أحفظ الناس لأحكامه وأقضيته. المرجع السابق. =

ص: 473

ويجاب عنه بجوابين:

الجواب الأول:

أن المقصود لا يضم الضالة إلا ضال أي يضمها لملكه بدون القيام بحقها من التعريف:

(ح-1206) فقد روى مسلم من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن أبي سالم الجيشاني،

عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله عليه السلام أنه قال: من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها

(1)

.

(ث-305) وروى ابن أبي شيبة في المصنف، قال: حدثنا زيد بن الحباب، عن عبد الرحمن بن شريح، قال: حدثني أبو قبيل،

عن عبد الله بن عمرو أن رجلًا قال: التقطت دينارًا، فقال: لا يأوي الضالة إلا الضال، قال: فأهوى به الرجل ليرمي به، فقال: لا تفعل، قال: فما أصنع به؟ قال: تعرفه، فإن جاء صاحبه فرده إليه، وإلا فتصدق به

(2)

.

[حسن].

= العلة الثانية: أن رواية قتادة عن سعيد بن المسيب فيها كلام، وإن كان له أحاديث مخرجة في الصحيح ومع ذلك فإن قتادة لم يتفرد فيه، فقد رواه عبد الرزاق في المصنف (18612) عن ابن عيينة.

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (22094) عن ابن أبي زائدة، كلاهما عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال عمر بن الخطاب، وهو مسند ظهره إلى الكعبة: من أخذ ضالة فهو ضال. قال يحيى: نرى أنها الإبل. وقول يحيى في مصنف عبد الرزاق وحده.

(1)

صحيح مسلم (1725).

(2)

مصنف ابن أبي شيبة (22052).

ص: 474

الجواب الثاني:

أن إطلاقه معارض للمرفوع عن النبي عليه السلام، والمرفوع مقدم عليه، فإما أن نرده لذلك، وإما أن نحمله على الضالة المنهي عن أخذها، وهي ضالة الإبل كما حمله على ذلك يحيى بن سعيد الأنصاري في مصنف عبد الرزاق

(1)

.

* * *

(1)

المصنف (18612).

ص: 475