الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
في بيان الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم
[م-1916] اختلف العلماء في الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم، والذين يحق للوديع أن يدفع الوديعة إليهم:
القول الأول: مذهب ا لحنفية.
في مذهب الحنفية ثلاثة أقوال:
أحدهما: للوديع أن يحفظها بنفسه، ويصح أن يدفعها إلى غيره بشرط أن يكونوا في عياله.
والضابط في العيال: من يسكن معه حقيقة أو حكمًا، لا من يمونه، والولد الكبير والوالد إن كانوا في عياله، فدفعها إليهما لم يضمن، وإلا ضمن.
قال ابن نجيم: «والمراد بالعيال من يسكن معه حقيقة أو حكما، لا من يمونه، فدخل فيهم الزوجة
…
وخرج الأجير الذي لا يسكن معه وإنما قلنا: أو حكما؛ لأنه لو دفعها إلى ولده الصغير، وزوجته، وهما في محلة والزوج يسكن في محلة أخرى لا يضمن، ولو كان لا يجيء إليهما، ولا ينفق عليهما، لكن يشترط في الصغير أن يكون قادرًا على الحفظ كذا في الخلاصة»
(1)
.
جاء في البناية نقلًا من الكافي: «العبرة في هذا الباب للمساكنة، لا للنفقة»
(2)
.
(1)
البحر الرائق (7/ 274).
(2)
البناية (10/ 108).
وجاء في العناية: «المراد به من يساكنه، لا الذي يكون في نفقة المودع فحسب»
(1)
.
وجاء في الاختيار لتعليل المختار: «وولده الكبير إن كان في عياله على ما مر في الرهن»
(2)
.
(3)
.
القول الثاني: اختار العيني: أن العبرة فيها المساكنة والنفقة
(4)
.
القول الثالث: أن العبرة أن يحفظ الوديعة بيده، أو بيد من كان ماله في يده، ولو لم يكن من عياله، فيدخل في ذلك شريك العنان والمفاوضة، وبهذا قال محمد بن الحسن، وعليه الفتوى.
جاء في تبيين الحقائق: «وعن محمد رحمه الله أن المودع إذا دفع الوديعة إلى وكيله، وليس في عياله، أو دفع إلى أمين من أمنائه ممن يثق به في ماله، وليس في عياله لا يضمن؛ لأنه حفظه مثل ما يحفظ ماله، وجعله مثله ولا يجب عليه أكثر من ذلك، ذكره في النهاية، ثم قال: وعليه الفتوى وعزاه إلى التمرتاشي،
(1)
العناية شرح الهداية (8/ 485).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 25 - 26).
(3)
الفتاوى الهندية (4/ 339).
(4)
انظر الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (5/ 664).
وهو إلى الحلواني، ثم قال، وعن هذا لم يشترط في التحفة في حفظ الوديعة بالعيال، فقال: ويلزم المودع حفظه إذا قبل الوديعة على الوجه الذي يحفظ به ماله، وذكر فيه أشياء حتى ذكر أن له أن يحفظ بشريك العنان والمفاوضة، وعبده المأذون له الذي في يده ماله، ثم قال: وبهذا يعلم أن العيال ليس بشرط في حفظ الوديعة»
(1)
.
وجاء في تحفة الفقهاء: «فيجب عليه أن يحفظ على الوجه الذي يحفظ ماله بحرزه وبيده، وبيد من كان ماله في يده.
نعني (بحرزه): الذي هو ملكه، أو يستأجره، أو يستعيره وليس الشرط أن يحفظه في الحرز الذي يحفظ فيه ماله.
ونعني (بيد من كان ماله في يده): كل من كان في عياله، حتى المستأجر الذي استأجره مشاهرة بنفقته وكسوته، دون الذي استأجره بالدراهم أو المستأجر مياومة.
ويدخل فيه العبد المأذون الذي في يده ماله، وشريك المفاوضة والعنان وإن لم يكونوا في عياله»
(2)
.
قال العيني: «لم يشترط في التحفة الحفظ بالعيال، بل قال يحفظه على الوجه الذي يحفظ مال نفسه بحرز من كان ماله في يده.
ثم قال: يعني به الأجير مشاهرة بنفقته وكسوته، والعبد المأذون الذي في يده مال، والشريك المفاوض، والعنان، وإن لم يكونوا في عياله»
(3)
.
(1)
تبيين الحقائق (5/ 77).
(2)
تحفة الفقهاء (3/ 171).
(3)
البناية (10/ 108).
القول الثاني: مذهب المالكية:
ذكر الدسوقي في حاشيته من يحق للوديع أن يحفظ الوديعة عندهم، وهم خمسة: الزوجة، والأمة، والابن، والعبد، والأجير إذا اعتيدوا لذلك، بأن طالت إقامتهم عنده، ووثق بهم، فإذا دفعها إليهم فلا ضمان عليه إذا تلفت
(1)
.
واختلف المالكية في دفع الزوجة الوديعة لزوجها، وكذا في دفع الوديعة للأب والأم على قولين:
أحدهما: لا يدفعها لهم، فإن فعل فعليه الضمان، وهو المشهور من المذهب.
(2)
.
الثاني: للزوجة أن تدفع الوديعة إلى زوجها، وكذا الأب والأم، ولا ضمان عليه
(3)
.
جاء في مواهب الجليل: «قال عياض: كان أبو جعفر يفتي بعدم ضمانها ـ
(1)
حاشية الدسوقي (3/ 423).
(2)
حاشية الصاوي (3/ 559)، وانظر مواهب الجليل (5/ 258).
(3)
مواهب الجليل (5/ 258)، منح الجليل (7/ 17).
يعني الزوجة ـ إذا ضاعت عنده ـ أي عند الزوج ـ كما لا يضمن هو ما ضاع عندها»
(1)
.
وقال ابن رشد: «وله أن يستدفع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم على ماله وهو تحت غلقه من زوج، أو والد، أو أمة، أو والدة، ومن أشبههم»
(2)
.
القول الثالث: مذهب الحنابلة.
جاء في مجلة الأحكام الحنبلية: «يلزم الوديع حفظ الوديعة بنفسه، أو وكيله، أو من يحفظ ماله عادة، كزوجته، وعبده، وخادمه فله أن يدفع الدابة لسائس دوابه، والأمتعة لخانه، والحلي لزوجته لقيامهم مقامه في الحفظ»
(3)
.
وهذا أقرب الأقوال، وأن الإنسان تارة يحفظ ماله بنفسه، وتارة يحفظ ماله بوكيله، ويد الوكيل كيد الموكل، وتارة يحفظ ماله عن طريق عامله الخاص، وقد يدفع الوديعة لمن يسكن معه من زوج ووالد وولد، والله أعلم.
* * *
(1)
مواهب الجليل (5/ 258).
(2)
المقدمات الممهدات (2/ 466).
(3)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1346).
المطلب الثاني
إذا شرط عليه أن يحفظ الوديعة بنفسه
[م-1917] تكلمنا في المسألة السابقة عن دفع الوديع الوديعة لمن يحفظ ماله من زوج أو عامل، أو وكيل، فإذا نهاه المالك عن دفع الوديعة لزوجه أو ولده، واشترط عليه أن يحفظها بنفسه، فهل يجب التزام هذا الشرط؟
أما أشهب من المالكية، وكذلك الشافعية الذين يقولون: ليس للوديع أن يدفع الوديعة إلى غيره من زوج أو خادم إلا بإذن المالك فهذا الشرط يجب اعتباره عندهم بمقتضى العقد، ولو بلا شرط، فكيف إذا اشترطه المالك، فليس للوديع أن يخالف المالك، فإن خالف فإنه يضمن لو تلفت الوديعة
(1)
.
وأما الجمهور الذين قالوا: للوديع أن يحفظ الوديعة بنفسه، أو بمن يحفظ ماله من زوج، وولد ووكيل، وأجير خاص، فإذا اشترط عليه أن يحفظ الوديعة بنفسه، ولا يدفعها إلى غيره، فهل يجب التزام شرطه؟ وإذا خالف شرطه فتلفت فهل يضمن؟ على قولين:
القول الأول:
ذهب الحنفية إلى أن المودِع إذا نهاه عن الدفع إلى عياله مطلقًا، أو نهاه عن الدفع إلى كل زوجاته لم يجب التزام شرطه.
ويجب التزام شرطه في ثلاث صور:
(1)
البيان والتحصيل (15/ 288)، النوادر والزيادات (10/ 430)، روضة الطالبين (6/ 327).
الصورة الأولى: إذا نهاه عن الدفع إلى معين من عياله، وله عيال آخرون يستطيع أن يحفظ الوديعة بهم، فإذا خالف فإنه يضمن.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «لو قال: لا تدفعها إلى شخص عينه من عياله ممن لا بد له منه، فإن لم يكن له عيال سواه لم يضمن، وإن كان له سواه يضمن ; لأن من العيال من لا يؤتمن على المال»
(1)
.
الصورة الثانية: إذا نهاه عن الدفع إلى زوجه أو غلامه، وكانت الوديعة مما لا تحفظها الزوجة والغلام، فلو كانت الوديعة فرسًا، ونهاه عن الدفع إلى زوجته، فدفعه إليها ضمن، أو كانت الوديعة عقد جوهر فمنعه من الدفع إلى غلامه، فإنه يضمن بدفعها إليه.
الصورة الثالثة: أن تكون الوديعة شيئًا خفيفًا يمكن للوديع أن يحفظه بنفسه كالخاتم، فإنه يضمن بدفعه إلى عياله
(2)
.
والضابط لهذه المسألة: أن ما كان لاشتراطه فائدة، وكان يمكنه العمل به فإنه يجب عليه التزام هذا الشرط.
وإن كان هذا الشرط لا فائدة فيه، أو كان فيه فائدة ولا يمكنه العمل به لم يجب التزامه.
قال في العناية: «والأصل فيه أن الشرط إذا كان مفيدًا، والعمل به ممكنًا وجب مراعاته، والمخالفة فيه توجب الضمان.
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 26).
(2)
قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار (8/ 502)، حاشية ابن عابدين (5/ 664)، البحر الرائق (7/ 274)، البناية (10/ 128)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 26).
وإذا لم يكن مفيدًا، أو كان، ولم يمكن العمل به
…
يلغو، وعلى هذا إذا نهي عن الدفع إلى امرأته، وله امرأة أخرى أمينة، أو عن الحفظ في الدار، وله أخرى فخالف فهلك ضمن، وإذا نهي عن الحفظ في بيت من دار، فحفظ في غيره، وليس في الذي نهي عنه عورة ظاهرة، أو نهى عن الدفع إلى امرأته، وليس له سواها، أو عن الحفظ في دار ليس له غيرها، فخالف لم يضمن؛ لأن الأول غير مفيد والثاني غير مقدور العمل به»
(1)
.
القول الثاني:
يتخرج على قواعد المالكية والحنابلة أنه إذا اشترط عليه أن يحفظه بنفسه، فخالف من غير ضرورة فإنه يضمن.
لأن الأيدي تختلف في الأمانة، فقد يرضى المالك أمانة الوديع، ولا يرضى غيره من عياله.
ولأن الأصل في الشروط الجواز والصحة، فإذا قبل الوديع الشرط وجب عليه التزامه.
وكما أن المالك لو قال له: ادفع الوديعة إلى فلان، فدفعها لم يضمن، كذلك إذا قال له: لا تدفع الوديعة إلى فلان، فدفعها ضمن.
وكما قال الحنابلة في الوديعة إذا نهاه المالك عن إخراجها من حرزها، فأخرجها من غير ضرورة فإنه يضمن، وسبق النقل عنهم في مسألة سابقة، ولله الحمد.
(1)
العناية شرح الهداية (8/ 494 - 495)، وانظر بدائع الصنائع (6/ 209).
° الراجح:
أرى أن القول بشرط المالك أرجح، فإذا خالفه فإن كان لضرورة لم يضمن، وإن كان لغير ضرورة فإن هذا نوع من التعدي يوجب الضمان، والله أعلم.
* * *