الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
أن يكون البدل غير متميز عن باقي الوديعة
[م-1944] إذا اقترض من الوديعة، ثم رد بدل ما اقترضه، وقام بخلطه بباقي الوديعة بحيث لا يتميز البدل عن باقي الوديعة، ثم تلفت الوديعة، فهل يضمن الجميع، أو يضمن مقدار ما تعدى به؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول:
إذا اقترض من الوديعة فلم يرد ما أخذ، ثم تلفت الوديعة بغير تعد منه، ولا تفريط لم يضمن إلا ما أخذ.
فإن رد بدل ما أخذ وخلطه بالوديعة، وكان الذي رده لا يتميز عن الوديعة ضمن الجميع، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية، وبه قال الحنابلة بشرط أن يكون قد أخذ الدراهم من كيس غير مشدود ولا مختوم؛ لأنه إذا كان الكيس مختومًا أو مشدودًا فهتك الحرز ضمن عند الحنابلة وكذا عند الشافعية في أحد الوجهين حتى ولو لم يأخذ من الكيس شيئًا
(1)
.
جاء في المحيط البرهاني: «إذا كانت الوديعة دراهم، أو دنانير، أو شيئاً من
(1)
مجمع الضمانات (ص: 83)، بدائع الصنائع (6/ 213)، العناية شرح الهداية (8/ 489)، الجوهرة النيرة (1/ 348)، مجمع الأنهر (2/ 342)، الأم (4/ 137)، المهذب (1/ 361)، الحاوي الكبير (8/ 364)، نهاية المطلب (11/ 417)، الكافي لابن قدامة (2/ 379)، المغني (6/ 310)، المبدع (5/ 241)، الإنصاف (6/ 332)، المحرر (1/ 364) ..
المكيل، والموزون، فأنفق المودع طائفة منها في حاجة نفسه؛ كان ضامناً لما أنفق منها، ولم يصر ضامناً لما بقي منها، فإن جاء بمثل ما أنفق، وخلطه صار ضامناً لجميع ما أنفق بالإتلاف، وما بقي من الخلط قالوا: وهذا إذا لم يجعل على ماله علامة حين خلط بمال الوديعة، أما إذا جعل لا يضمن إلا ما أنفق»
(1)
.
فجعل وضْعَ علامة تميز ماله من مال الوديعة سببًا في عدم ضمان الجميع، فدل على أنه لا يضمن الجميع إلا بالخلط الذي لا يتميز.
وجاء في الإنصاف: «قوله: (وإن كان غير متميز: ضمن الجميع) هو المذهب
…
»
(2)
.
وقال في المغني: «وجملته أن من أودع شيئا، فأخذ بعضه، لزمه ضمان ما أخذ، فإن رده أو مثله، لم يزل الضمان عنه .... فأما سائر الوديعة، فينظر فيه؛ فإن كان في كيس مختوم أو مشدود، فكسر الختم أو حل الشد، ضمن، سواء أخرج منه أو لم يخرج؛ لأنه هتك الحرز بفعل تعدى به. وإن خرق الكيس فوق الشد، فعليه ضمان ما خرق خاصة؛ لأنه ما هتك الحرز. وإن لم تكن الدراهم في كيس، أو كانت في كيس غير مشدود، أو كانت ثيابا فأخذ منها واحدا ثم رده بعينه، لم يضمن غيره؛ لأنه لم يتعد في غيره. وإن رد بدله وكان متميزًا، لم يضمن غيره لذلك، وإن لم يكن متميزًا، فظاهر كلام الخرقي هاهنا أنه لا يضمن غيره
…
(1)
المحيط البرهاني (5/ 544).
(2)
الإنصاف (6/ 332 - 333).
وقال القاضي: يضمن الكل. وهو قول الشافعي؛ لأنه خلط الوديعة بما لا يتميز منها، فضمن الكل، كما لو خلطها بغير البدل»
(1)
.
القول الثاني:
إذا تسلف ما لا يحرم تسلفه، ثم رد بدله قبل تلف الوديعة فلا ضمان عليه
(2)
.
(3)
.
وسبق تفصيل هذا القول وأدلته ومناقشتها في المسألة السابقة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
القول الثالث:
لا يضمن إلا ما أخذ، وهو رواية في مذهب الحنابلة، اختاره الخرقي من الحنابلة
(4)
.
(1)
المغني (6/ 310).
(2)
الخرشي (6/ 110)، مواهب الجليل (5/ 255)، الشرح الكبير (3/ 422)، منح الجليل (7/ 9)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 295).
(3)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 295).
(4)
المرجع السابق، وانظر الإنصاف (6/ 333).
° وجه هذا القول:
أن التعدي اختص به، فيختص الضمان به، وخلط المردود بغيره لا يقتضي الضمان؛ لأنه يجب رده معها، فلم يفوت على نفسه إمكان ردها، بخلاف ما إذا خلطه بغيره.
° الراجح:
أرى أن هناك حكمين حكمًا تكليفيًا وحكمًا وضعيًا، فالحكم التكليفي وهو تحريم الاقتراض من الوديعة بدون إذن صاحبها، وهذا مخالف لمقتضى العقد، فإن المالك قد ائتمنه على الحفظ، ولم يأذن في الاقتراض، وهذا واضح بالنسبة لي خلاف ما قاله المالكية.
وأما الحكم الوضعي وهو الضمان، فيجب أن يكون مرده إلى طبيعة المال، هل هو مال مثلي أو قيمي، وليس إلى الخلط المتميز وعدم التميز، فإن كانت الوديعة مالًا مثليًا، ورد بدله برئ من الضمان.
وإن كان المال قيميًا لم يبرأ من الضمان، وقد وجهت هذا التفصيل عند الكلام على الترجيح في المسألة السابقة، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.