الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
زوائد الوديعة أمانة كأصلها
حكم النماء حكم الأصل.
من ثبتت له العين ثبت له نماؤها.
التابع لا يفرد بالحكم.
[م-1886] ذكرنا في المبحث السابق كلام العلماء بأن الوديعة أمانة في يد الوديع، وأنها ملك لصاحبها، فهل نماء الوديعة الحادث بعد الإيداع يكون وديعة كأصله، فلا يجب رده إلا عند الطلب، أو لا يأخذ حكم الوديعة، فيجب رده في الحال، في ذلك خلاف بين العلماء:
القول الأول:
أن نماء الوديعة يأخذ حكم أصله، فهو وديعة مثله. وهذا أحد الوجهين في مذهب الشافعية، والحنابلة
(1)
.
القول الثاني:
أنها في يده أمانة، وليست
وديعة، فهي كالثوب تلقيه الريح في يده، فالأمانة أعم من الوديعة، وذلك أن الأمانة نوعان: أمانة بعقد كالوديعة، وأمانة بلا عقد كاللقطة في يد الملتقط، وهذا وجه آخر عند الشافعية والحنابلة.
(1)
نهاية المطلب (6/ 247)، المنثور في القواعد الفقهية (3/ 356)، أسنى المطالب (4/ 75 - 76)، القواعد لابن رجب (ص: 167).
قال إمام الحرمين: «ولو أودع رجل بهيمة عند رجل أو جارية، فولدت في يد المودع، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أنه وديعة بمثابة الأم.
والثاني: أنه ليس بوديعة.
وهذا القائل يقول: ليس مضمونا، بل هو كالثوب تهب به الريح، فتلقيه في دار إنسان. وأثر هذا الخلاف أنا إن لم نجعله وديعة، فلا بد فيه من إذن جديد، وإلا لا تجوز إدامة اليد عليه، كمسألة الثوب والريح، وإذا قلنا: هو وديعة استمر المودع، ولم يستأذن، وسبيله سبيل الأم»
(1)
.
وجاء في المنثور في القواعد: «ولو أودع بهيمة فولدت فهو وديعة كالأم إن قلنا: إن الوديعة عقد، قاله البغوي. وقال الإمام: إن جعلناه وديعة فلا بد من إذن جديد، وإلا لم تجز إدامة اليد عليه»
(2)
.
وقال ابن رجب: «ومنها الوديعة: هل يكون نماؤها وديعة، أو أمانة محضة كالثوب المطار إلى داره؟ على وجهين أيضًا»
(3)
.
وهل للخلاف فائدة، سواء قلنا: المال وديعة أو أمانة، فإنه في الحالين هو ملك لصاحبه؛ لأنه نماء ماله؟
جاء في درر الحكام في شرح مجلة الأحكام: «المنافع المتولدة من الوديعة تكون لصاحبها؛ لأن المنافع المذكورة نماء ملك صاحبها، يعني المودِع»
(4)
.
(1)
نهاية المطلب (6/ 247).
(2)
المنثور في القواعد الفقهية (3/ 356).
(3)
القواعد (ص: 167).
(4)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 319).
وجاء في أسنى المطالب: عن «القاضي والإمام: لا فائدة للخلاف. قلت: وقد يقال: بل له فائدة: وهي أن العين يجب ردها على الثاني حالًا ـ يعني على القول بأنها ليست وديعة ـ وعلى الأول إنما يجب بعد الطلب»
(1)
.
فإن خاف على النماء من الفساد، كما لو كانت ثمارًا أو لبنًا، فإن كان يمكنه أن يدفعه إلى مالكه أو يستأذنه بالبيع فعل.
جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «فإذا تجمع مقدار من لبن الحيوان المودع، أو من ثمار الكرم والبستان المودع، وخيف من فساده فباعه المستودع بدون إذن صاحبه يضمن بصفته غاصبًا»
(2)
.
وهذا ظاهر؛ لأنه تصرف في ملك غيره بما لم يفوض فيه، فهو موكل بالحفظ، وليس موكلًا بالبيع.
وإن كان صاحبها غائبًا، وخاف عليه من الفساد:
فقال الحنفية: يبيعها لصاحبها بإذن الحاكم إن كان بوسعه الوصول إلى الحاكم، فإن لم يرفع حتى فسدت لم يضمن، وإن باعها دون الرجوع إلى القاضي مع تمكنه من الوصول إليه ضمن، وإن كان لا يمكنه الوصول إلى القاضي، فباعها لصاحبها لم يضمن؛ لأن في هذا حفظها من الفساد
(3)
.
جاء في قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار نقلًا من فتاوى أبي الليث: «إذا
(1)
أسنى المطالب (4/ 75 - 76).
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 319).
(3)
المحيط البرهاني (5/ 551)، المبسوط (11/ 126)، قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار (8/ 514).
كانت الوديعة شيئًا يخاف عليه الفساد، وصاحب الوديعة غائب: فإن رفع الأمر إلى القاضي حتى يبيعه جاز وهو الأولى، وإن لم يرفع حتى فسدت لا ضمان عليه؛ لأنه حفظ الوديعة على ما أمر به، كذا في المحيط. وإن لم يكن في البلد قاض باعها وحفظ ثمنها لصاحبها»
(1)
.
وقال ابن المنذر في الإشراف: «وإن اجتمع من ألبان الماشية شيء، فباعه بغير إذن الحاكم فالبيع فاسد في قول الشافعي والكوفي.
وقال قائل: البيع جائز؛ لأن ذلك حال ضرورة، والواجب عليه أن يمنع مال أخيه من التلف.
وفي قول مالك: يبيع السلطان ذلك، ويعطي المنفق نفقته»
(2)
.
* * *
(1)
قرة عين الأخيار (8/ 514).
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 342).