الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في دفع الوديعة لمن يحفظ ماله
يحفظ الوديع الوديعة بما يحفظ به ماله حرزًا ويدًا.
[م-1915] ذهب الجمهور إلى أن للمستودَع أن يحفظ الوديعة بنفسه، أو بمن يحفظ ماله من زوج، وولد، وهو ظاهر ما في المدونة لمالك
(1)
.
وقيد بعض المالكية عدم الضمان فيما إذا كان من عادة الوديع أن يأتمنهم على ماله، ومشى عليه خليل في مختصره، وتابعه شراح المختصر
(2)
.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «يحفظها ـ يعني الوديعة ـ بما يحفظ به ماله، وذلك بالحرز واليد:
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 125 - 26)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 77)، الذخيرة (9/ 162)، المدونة (6/ 144)،
قال ابن رشد البيان والتحصيل (15/ 288): «ويتحصل على هذا في المسألة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا ضمان عليه وإن كان الناس لا يأتمنون أهلهم، إذا كان هو مؤتمن أهله بماله، وهو ظاهر ما في المدونة، ووجه هذا القول: أن المودع لما أودعه فقد علم أنه يحرزها في منزله كما يحرز ماله
…
».
(2)
مختصر خليل (ص: 226)، الخرشي (6/ 112)، الشرح الكبير للدردير (3/ 423)، وجاء في حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 278):«ومحل الضمان على المودع إذا أودعها لغير زوجته، أو أمته، وأما إذا أودعها لزوجته أو أمته المعتادين للإيداع، بأن تطول إقامتهما عنده، ويثق بدفع المال إليها، فضاعت فلا ضمان. وإن كانتا غير معتادتين للإيداع، بأن أودعها عند زوجته بإثر تزويجها، أو عند أمته بإثر شرائها، أو لم يثق بدفع المال لهما فإنه يضمن إذا تلفت أو ضاعت، ومثله عبده وأجيره الذي في عياله» .
أما الحرز فداره ومنزله وحانوته، سواء كان ملكًا له، أو إجارة، أو إعارة.
وأما اليد: فيده، وزوجته، وزوجها، وأمته، وعبده، وأجيره الخاص، وولده الكبير إن كان في عياله على ما مر في الرهن; ولأن المودع رضي بذلك؛ لأنه يعلم أن المودع لا بد له من الخروج لمعاشه وأداء فرائضه، ولا يمكنه استصحاب الوديعة معه فيتركها في منزله عند من في عياله فلم يكن له بد من ذلك»
(1)
.
(2)
.
(3)
.
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 25 - 26).
(2)
المدونة (6/ 144).
(3)
المقدمات الممهدات (2/ 466).
وجاء في منح الجليل: «فإن أودعها لزوجته أو أمته فضاعت فلا يضمنها عند الإمام مالك. زاد ابن القاسم - رضي الله تعالى عنهما - (إن اعتيدا) أي الزوجة والأمة بالإيداع عندهما من الزوج والسيد وحفظهما له ما أودعهما إياه، وحمله أكثر الشيوخ على التفسير والتقييد لقول الإمام وأقلهم على خلافه.
ومفهوم الشرط الضمان إن أودع زوجة أو أمة لم يعتد إيداعه عندها فضاعت بأن أودعها عقب تزوجها أو تملكها أو لم يأتمنها على ماله، وشمل غير الزوجة والأمة أجير الخدمة والعبد اللذين في عياله وجعلهما في المدونة كالزوجة والأمة، وعليه درج صاحب الشامل»
(1)
.
وجاء في مجلة الأحكام الحنبلية: «يلزم الوديع حفظ الوديعة بنفسه أو وكيله أو من يحفظ ماله عادة كزوجته، وعبده، وخادمه فله أن يدفع الدابة لسائس دوابه، والأمتعة لخانه، والحلي لزوجته لقيامهم مقامه في الحفظ»
(2)
.
° حجة هذا القول:
الدليل الأول:
أن المطلوب من الوديع أن يحفظ الوديعة بما يحفظ به ماله، وهو يحفظ ماله، بنفسه تارة، وبعامله، وبأهله، وبعياله تارة أخرى، فكان الحفظ بأيديهم داخلًا تحت العقد دلالة.
الدليل الثاني:
أن المالك قد رضي بذلك؛ لأنه يعلم أن الوديع لا يمكنه ملازمة بيته، ولابد
(1)
منح الجليل (7/ 17).
(2)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1346).
له من الخروج لمعاشه وأداء فرائضه، ولا يمكنه استصحاب الوديعة معه كلما خرج، فكان دفع الوديعة إلى الزوج والعيال مما لا بد له منه، وإذا رضي المالك بذلك صح الفعل كما لو رضي له بأن يدفعها إلى أجنبي.
الدليل الثالث:
أن دفع الوديعة إلى الأهل والعامل يصح قياسًا على دفع الماشية إلى الراعي، والبهيمة إلى الغلام ليسقيها.
القول الثاني:
إذا دفع الوديعة لغيره من عبد أو خادم، أو أجير ممن في عياله أو في غير عياله فهو ضامن، وهذا قول أشهب من المالكية، ومذهب الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
(1)
.
جاء في النوادر والزيادات: «قال أشهب في كتبه: إذا أودعه الوديعة لغيره من عبد أو خادم، أو أجير ممن في عياله أو في غير عياله فهو ضامن، وأما في وضعه إياها في بيته، أو صندوقه، أو غير ذلك من بيته أو بيت غيره إذا لم يأمنه عليه، ويخل بينه وبينها فإنه لا يضمن»
(2)
.
وجاء في روضة الطالبين: «أنها أمانة، فلا يضمن إلا عند التقصير، وأسباب التقصير تسعة:
(1)
البيان والتحصيل (15/ 288)، النوادر والزيادات (10/ 430)، روضة الطالبين (6/ 327)، تحفة المحتاج (7/ 105)، نهاية المحتاج (6/ 115)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 183)، الإنصاف (6/ 324)، المبدع (5/ 237).
(2)
النوادر والزيادات (10/ 430).
أحدها: أن يودعها المودع عند غيره بلا عذر من غير إذن المالك، فيضمن، سواء أودع عند عبده وزوجته وابنه أو أجنبي»
(1)
.
(2)
.
° حجة هذا القول:
أن المالك رضي بأمانة الوديع، ولم يرض غيره من زوجة، أو ولد، أو أجير، فإذا دفعها إلى أهله، أو ولده بلا إذن من مالكها فهو بمنزلة ما لو دفعها إلى رجل أجنبي من غير عذر، فيكون ضامنًا.
ويناقش:
بأن هذا قياس مع الفارق؛ لأن دفعها إلى أجنبي لا يعد حفظًا منه بخلاف حفظها بمن يحفظ ماله في العادة من زوج وعيال، والله أعلم.
القول الثالث:
العمل بالعرف والعادة، فإن كان العرف والعادة في البلد أن يأتمن الناس أهليهم على أموالهم صح دفع الوديعة إليهم، وإن كان العرف والعادة ألا يأتمن
(1)
روضة الطالبين (6/ 327).
(2)
الإنصاف (6/ 324).
الرجل أهله وعياله على ماله، فلا يصح دفع الوديعة إليهم. وهذا قول ثالث في مذهب المالكية
(1)
.
° الراجح:
أن للمودع أن يحفظ الوديعة بمن يستعين به ممن يحفظ ماله من زوج أو ولد، أو أجير خاص بشرط أن يعلم أمانتهم، فإن كان يعلم أن زوجته ليست أهلًا للحفظ، لعجز، أو خيانة، أو تقصير، فلا يجوز دفع المال إليها، فإن دفع ضمن بذلك، والله أعلم.
* * *
(1)
البيان والتحصيل (15/ 288).