الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
إذا اختلفا في التعدي والتفريط
[م-1953] سبق لنا أن الوديعة أمانة في يد الوديع، فلا تضمن إلا إذا كان هلاكها بتعديه أو بتفريطه.
فإذا ادعى الوديع هلاك الوديعة أو ضياعها، فإن أقر بتعديه أو تفريطه ضمن، وسبق بحث هذه المسألة.
وإن ادعى براءته من التعدي والتفريط، فإن صدقه المالك فلا ضمان عليه قولًا واحدًا؛ لأنه أمين، والأمين لا يضمن إلا بالتعدي والتفريط.
وإن كذبه المالك، فهل يقبل قوله في نفي التعدي والتفريط، أو يطالب بالبينة على ذلك، وللجواب على ذلك نقول:
إن كان يدعي التلف بسبب خفي كالسرقة والضياع فهذا محل اتفاق بين الفقهاء أن القول قوله، ولا يطالب بالبينة، ونقل الإجماع على ذلك ابن المنذر
(1)
.
وإن كان يدعي التلف بسبب ظاهر كالحريق، والسيل الجارف، والعسكر ونحو ذلك فهل يطالب بالبينة على حدوث الحريق، والسيل الجارف، في ذلك خلاف بين العلماء:
القول الأول:
يقبل قوله مطلقًا، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وابن حزم من الظاهرية
(2)
.
(1)
الإشراف (6/ 333)، وسيأتي نقل النص كاملًا في الأدلة.
(2)
تحفة الفقهاء (3/ 173)، بدائع الصنائع (6/ 211)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 78)، البحر الرائق (7/ 273 - 274)، مجمع الضمانات (ص: 70)، القوانين الفقهية (ص: 246)، الكافي لابن عبد البر (ص: 404)، البيان والتحصيل (15/ 289، 311)، بداية المجتهد (2/ 233)، الشرح الكبير (3/ 430)، منح الجليل (7/ 37).
° دليل من قال: يقبل قوله مطلقًا:
الدليل الأول:
من الإجماع، قال ابن المنذر:«أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة، ثم ذكر أنها ضاعت، أن القول قوله، وقال أكثرهم: إن القول قوله مع يمينه»
(1)
.
الدليل الثاني:
أن الوديع يدعي براءة ذمته من الضمان، والمالك يدعي شغل ذمته، وذلك خلاف الأصل؛ إذ الأصل براءة ذمته.
الدليل الثالث:
من النظر، وذلك أن الوديعة أمانة في يده، والوديع مؤتمن عليها، وهذا بالاتفاق، وإذا كان أمينًا فلا بد من قبول قول الأمناء في التلف؛ إذ لا معنى للأمانة إلا انتفاء الضمان، ومن لوازمه قبول قوله في التلف، ولو طالبناه بالبينة لم يكن أمينًا.
القول الثاني:
إن ادعى التلف بسبب ظاهر كحريق، وغرق لم يقبل قوله إلا ببينة، فإن أقام
(1)
الإشراف (6/ 333).
بينة على حصول الحريق أو الغرق قبل قوله بلا بينة أن الوديعة هلكت فيه، وإن لم يقم بينة على حصول الحريق أو الغرق فإنه ضامن.
وإن ادعى التلف ولم يذكر سببًا، أو ذكر سببًا خفيًا كالسرقة، والضياع، فالقول قوله في الهلاك والتضييع. وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة
(1)
.
° وجه القول بالتفريق:
أن الوديع إذا ادعى تلفها بسبب خفي كالسرقة والضياع فالقول قوله؛ ولا يطالب بالبينة؛ لأن إقامة البينة على سبب خفي متعذر.
وإن ادعى تلفها بسبب ظاهر، كالسيل، والعسكر، والنهب، والحريق لم يقبل قوله حتى يقيم البينة على حدوث ذلك السبب؛ لأنه يمكنه إقامة البينة عليه؛ لأنه لا يخفى على أحد، وكما يقال فيمن قال لامرأته: إن ولدت فأنت طالق، فادعت أنها ولدت لم يقبل قولها من غير بينة، ولو قال: إذا حضت فأنت طالق، فادعت أنها حاضت قبل قولها مع يمينها.
° الراجح:
أرى أن التفصيل الذي قاله الشافعية والحنابلة أقوى، وهو لا يخرج المسألة عن كون الوديع أمينًا، وذلك أنه لا يطالب بالبينة على تلف الوديعة في الحريق أو في السيل الجارف، وإنما الوديع يدعي حدوث أمر ظاهر لا يخفى على
(1)
نهاية المطلب (11/ 402)، البيان للعمراني (6/ 497)، مغني المحتاج (3/ 91)، نهاية المحتاج (6/ 130)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 187)، حاشية الجمل (4/ 84)، المبدع (5/ 243)، الإقناع (2/ 382)، شرح منتهى الإرادات (2/ 359)، كشاف القناع (4/ 179)، مطالب أولي النهى (4/ 165).
أحد، والمالك يكذبه، فيطالب بالبينة على حدوث الحريق والسيل الجارف فقط، فلو أن المالك أقر بحدوث الحريق، أو حصول السيل لكان القول قول الوديع، ولم يطالب بالبينة على تلف الوديعة في ذلك الحدث.
* * *