الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني
أن يودع مال غيره خوفًا من حريق أو غرق
[م-1921] تكلمنا في المبحث السابق في سفر الوديع، وهل يعتبر عذرًا لإيداعه الأمانات التي عنده للناس إلى أجنبي، وفي هذا المبحث نبحث في حق الوديع في الإيداع إذا خاف على الوديعة من حريق أو غرق، فهل يعد هذا عذرًا لإيداعه ملك غيره؟
وكما قلنا في مسألة سفر الوديع، أن المالك إن كان موجودًا فلا يجوز إيداعه لأجنبي إلا بإذنه، فإن أذن، وإلا ردها عليه.
وإن لم يكن المالك موجودًا وكان له وكيل فوكيله يقوم مقام المالك؛ لأن يد الوكيل كيد الموكل، وبهذا قال الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة
(1)
.
أما إذا لم يمكنه الوصول إلى مالكها، ولا وكيله، فقد اختلف العلماء في اعتبار الحريق والغرق عذرًا على قولين:
القول الأول:
إذا خاف على الوديعة من الحريق والغرق فله أن يودعها لأجنبي، وبهذا قال
(1)
تبيين الحقائق (5/ 77)، النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 579)، المبسوط (11/ 122)، فتح القدير لابن الهمام (8/ 490)، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة (3/ 259)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 419)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 293)، جامع الأمهات (ص: 404)، الذخيرة للقرافي (9/ 163)، الخرشي (6/ 112)، الأم (4/ 136)، الحاوي الكبير (8/ 359)، مختصر المزني (ص: 147)، نهاية المطلب (11/ 376)، البيان للعمراني (6/ 482)، الكافي لابن قدامة (2/ 377)، المبدع (5/ 238)، المغني (6/ 302)، كشاف القناع (4/ 174).
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
وألحق المالكية بالخوف على الوديعة: إذا صار بيته عورة يخاف فيه طرق السراق فله أن يودعها من يثق به
(2)
.
بل إن المالكية أطلقوا الخوف على الوديعة، وجعلوه سببًا في جواز إيداعها لثقة، قال ابن القاسم كما في المدونة:«ألا ترى أن مالكًا قد جعل له إذا خاف، فاستودعها غيره أنه لا يضمن»
(3)
.
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع (6/ 208)، البحر الرائق (7/ 275)، الهداية (3/ 215)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 26)، المدونة (6/ 144)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 293)، جامع الأمهات (ص: 404)، الذخيرة للقرافي (9/ 163)، الخرشي (6/ 112)، منح الجليل (7/ 3)، مواهب الجليل (5/ 259)، والكافي (ص 403)، القوانين الفقهية (ص: 246)، الإشراف (2/ 42)، التفريع (2/ 270)، روضة الطالبين (6/ 328)، مغني المحتاج (3/ 83)، المبدع (5/ 238)، الإنصاف (6/ 325).
وقالت الحنفية والمالكية: لا يصدق بدعوى الخوف من الحريق والغرق إلا ببينة؛ لأنه يدعي سببًا لإسقاط الضمان. انظر الاختيار لتعليل المختار (3/ 26)، الذخيرة للقرافي (9/ 163).
(2)
انظر الخرشي (6/ 112)، منح الجليل (7/ 3)، مواهب الجليل (5/ 259).
(3)
المدونة (6/ 144).
(4)
روضة الطالبين (6/ 328).
وإشراف الحرز على الخراب هو معنى ما ذكره المالكية بقولهم: إذا خاف عورة منزله.
° حجة هذا القول:
أن الإيداع في حالة الحريق والغرق والخوف تعين طريقًا للحفظ، وهو المقصود من العقد.
القول الثاني:
أن المودع لا يملك أن يودع غيره مطلقًا، يعني سواء أكان لعذر أم لغير عذر، وهو قول في مذهب الحنابلة
(1)
.
يمكن الاحتجاج لهذا القول:
بأن الوديعة توكيل في الحفظ فقط، ولا يتضمن العقد حق التصرف، وإيداع مال الغير تصرف زائد على الحفظ، فلا يملكه بموجب العقد، والوديع إنما رضي أمانته، ولم يرض أمانة غيره.
ويجاب:
بأن المقصود من العقد هو المحافظة على المال من التلف، فإذا خاف على المال من الهلاك كان له أن يتصرف بما يحفظ به المال، وهو تصرف تمليه الضرورة، والضرورة حالة استثناء، وإذا كان للإنسان أن ينقذ مال غيره من الهلاك، ولو لم يكن مودَعًا، كما لو رأى مالًا يحترق أو يغرق فاجتهد في إنقاذه، ويعتبر محسنًا بذلك، فكذلك إذا خاف على ما في يده من الودائع كان له أن يودعها ثقة، ويكون المقصود إنقاذ المال لا غير، والله أعلم.
(1)
الإنصاف (6/ 329).
° الراجح:
جواز الإيداع عند الخوف، والله أعلم.
* * *