الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في التوصيف الفقهي لتأجير الخزائن الحديدية
[م-1964] اختلف العلماء في توصيف عقد تأجير الخزائن، هل هو عقد إجارة، أو عقد وديعة، أو هو عقد مركب منهما.
القول الأول:
أن هذا العقد عقد إجارة حيث يمتلك البنك هذه الخزائن الحديدية، وينفرد العميل بمنفعة هذه الخزائن، حيث يعطيه البنك حق استخدامها وحده بأجرة معينة، ولمدة محدودة، وينفرد المستأجر بوضع ما يريده فيها بسرية تامة، وكون البنك يقوم بحراستها فهو يقوم بحراسة عقار البنك، وهو ملك للبنك وحده
(1)
.
ويشكل على هذا التوصيف:
أن الخزانة وما تحتويه من ممتلكات العميل تعتبر في عهدة البنك وحراسته، بينما عقد الإجارة تكون الحيازة للمستأجر وحده.
القول الثاني:
أن عقد الخزانة هو عقد وديعة، حيث تعتبر الخزانة وما تحتويه من ممتلكات العميل في عهدة البنك وحراسته، وهذا حقيقة الوديعة
(2)
.
(1)
انظر قرار الهيئات الشرعية لشركة الراجحي (2/ 183)، تطوير الأعمال المصرفية ـ سامي حمود (ص: 340)، فتاوى الخدمات المصرفية ـ جمع أحمد محي الدين (ص: 349).
(2)
العقود وعمليات البنوك التجارية ـ علي البارودي (ص: 269، 270، 294)، أبحاث هيئة كبار العلماء (5/ 214).
ويشكل على هذا التوصيف:
أن عقد الوديعة يجعل العين المودعة في يد الوديع، بينما الخزانة يستخدمها المستأجر وحده، ويعطيه البنك حق المحافظة على سرية ما بداخلها.
القول الثالث:
أن عقد استخدام هذه الخزائن ذو طبيعة خاصة يسمى عقد الحراسة
(1)
.
ونوقش هذا:
(2)
.
القول الرابع:
الذي أراه أنه عقد إيداع لعين مستأجرة، والأجرة المأخوذة روعي فيها الأمران معًا: منفعة الخزانة، والقيام على حفظها، فلو أن الخزانة كانت ملكًا للعميل لما كان هناك خلاف في أنها وديعة، فهو كمن يودع صندوقًا مقفلًا، أو
(1)
العقود وعمليات البنوك التجارية ـ علي البارودي (ص: 269 - 270).
(2)
المرجع السابق.
كيسًا مختومًا، فإذا استأجر العميل الخزنة فقد ملك منفعتها مدة الإجارة، وصارت يده على الخزانة كيد المستأجر، وإذا كان المستأجر يملك تأجير العين المستأجرة فهو يملك إيداعها من باب أولى، وكونه يراجع الوديع كل ما أراد ويطلع على وديعته ويزيدها وينقصها فهذا لا يفسد عقد الإيداع.
وأما أخذ الأجرة على الوديعة فهو محل خلاف بين الفقهاء، فالحنفية والشافعية وقول في مذهب الحنابلة يجيزونه مطلقًا
(1)
.
وأما المالكية فيجيزونه إن كان مكان الحفظ له أجرة، ولا شك أن الخزائن الحديدية تشغل من العقار مكانًا له قيمة كبيرة عدا أن إنشاء مثل هذه الخزائن يكلف ماليًا قد لا يكون بمقدور كثير من الأفراد تحمله
(2)
.
وعليه فأخذ الأجرة على الوديعة جائز عند الحنفية والمالكية والشافعية.
وقيل: لا يجوز مطلقًا، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
والراجح الجواز؛ لأن الوديعة وكالة في الحفظ، والتوكيل يجوز اشتراط الأجرة فيه فكذلك الوديعة.
وقد سبق بحث هذه المسألة وذكرنا أدلتهم في مسألة مستقلة.
(1)
مجمع الضمانات (ص: 68)، الفتاوى الهندية (4/ 342)، حاشية ابن عابدين (5/ 664)، تبيين الحقائق (5/ 135)، البحر الرائق (8/ 31)، مغني المحتاج (2/ 36)، حاشية الرملي على أسنى المطالب (3/ 76)، حاشية البجيرمي على شرح المنهج (3/ 292).
(2)
الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 566)، حاشية الدسوقي (3/ 431 - 432)، منح الجليل (7/ 45).
(3)
شرح منتهى الإرادات (2/ 352)، كشاف القناع (4/ 166).
وكون الوديعة تكون مضمونة مع أنها من الأمانات، فهذا أيضًا محل خلاف بين الفقهاء.
فالحنفية يرون أن الوديعة إذا هلكت بما لا يمكن التحرز منه كحريق وغرق غالبين فلا ضمان على الوديع مطلقًا سواء أكانت بأجر أم بدون أجر. وأما إن هلكت بما يمكن التحرز منه، فينظر: إن كانت بغير أجر، فلا ضمان على الوديع؛ لأنها هلكت بدون تعد ولا تفريط، وإن كان الحفظ بأجر فإن عليه الضمان
(1)
.
(1)
مجمع الضمانات (ص: 68)، حاشية ابن عابدين (6/ 68)، فتح القدير لابن الهمام (9/ 122)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 235)، غمز عيون البصائر (3/ 133)، الهداية شرح البداية (3/ 242).
هناك تشابه واختلاف بين الوديع بأجر وبين الأجير المشترك:
فيتشابهان بأنهما لا يضمنان العين إذا تلفت بأمر غالب كحريق وغرق،
ويفترقان من وجهين:
أحدهما: أن المعقود عليه في الأجير المشترك هو العمل، والحفظ واجب تبعًا وليس مقصودًا في العقد، وأما في الوديعة فالمعقود عليه الحفظ، والأجرة في مقابل الحفظ.
الثاني: أن الوديعة بأجرة مضمونة بالاتفاق عند الحنفية إذا هلكت بما يمكن التحرز منه كالسرقة، والغصب. وأما الأجير المشترك ففيه خلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه.
فيضمن عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن إذا هلكت ا لعين بما يمكن التحرز منه؛ لأن الأجرة في مقابلة العمل والحفظ.
ولا يضمن عند أبي حنفية؛ لأن الأجرة في مقابلة العمل فقط عنده، فحصل فرق بين المودع والأجير المشترك. انظر قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار (8/ 470)، حاشية ابن عابدين (6/ 68).
وعليه فيجوز أن تكون هذه الصناديق مضمونة بمقتضى مذهب الحنفية؛ لأن الحفظ في مقابل الأجرة.
(1)
.
* * *
(1)
أبحاث هيئة كبار العلماء (5/ 215).