الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
الاعتماد على الخط في الإيداع
الكتاب كالخطاب.
البيان بالكتاب بمنزلة البيان باللسان
[م-1896] إذا وجد الورثة في تركة الميت صندوقًا فيه كيس من النقود مكتوبًا عليه: هذا وديعة لفلان، فهل يعمل بالخط، ويكون ذلك وديعة، أو لا يمكن الاعتماد على الخط بمجرده، فلا بد من بينة على الوديعة؟
في ذلك خلاف بين العلماء:
القول الأول:
يجب العمل بالخط، ويكون ذلك المال وديعة، وهذا ما قررته مجلة الأحكام العدلية، ومذهب المالكية، والأصح في مذهب الحنابلة
(1)
.
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (1612)، وقد توجهت المجلة في جميع موادها إلى اعتماد الكتابة، سواء كان في الإقرار أو الإبراء، أو في ثبوت الوديعة، انظر المواد (1606، 1607، 1608، 1609، 1610).
والأصل في مذهب الحنفية أنهم لا يعتمدون على الخط؛ لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة، واستثنى الحنفية خط البياع، والصراف، والسمسار، وما يكتبه الناس فيما بينهم فإنه حجة عملًا بالعرف.
جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص:183): «لا يعتمد على الخط ولا يعمل به .... لأن القاضي لا يقضي إلا بالحجة، وهي البينة، أو الإقرار، أو النكول» .
وقال الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء (3/ 361): «قال مالك: إذا شهد شاهدان في ذكر حق أنه كتابته بيده جاز، وأخذ به، كما لو شهدوا على إقراره، وخالفه جميع الفقهاء في ذلك، وعدوا هذا القول شذوذًا؛ إذ كان الخط يشبه الخط، وليست شهادة على قول منه ولا معاينة فعل» .
وانظر: المبسوط (16/ 92)، حاشية ابن عابدين (4/ 413)، تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 20)، فتح القدير (7/ 387). وانظر ما تقدم بحثه من العمل بالخط في عقد الوقف والوصية فقد سبق بحث المسألة هناك، ولله الحمد.
وانظر في مذهب المالكية الاعتماد على الخط في الوديعة: منح الجليل (7/ 25)، الذخيرة (9/ 186)، مواهب الجليل (5/ 259)، الخرشي (6/ 114)، الشرح الكبير للدردير (3/ 426)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 563).
كما تكلم المالكية على الاعتماد على الخط في غير عقد الوديعة، انظر: الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 272)، حاشية الدسوقي (4/ 192)، منح الجليل (8/ 466)، الذخيرة (10/ 157)، التفريع (2/ 246)، ولمالك وأصحابه في الشهادة على الخطوط خمسة أقوال. انظر المنتقى للباجي (5/ 202) الذخيرة (10/ 159).
وانظر في مذهب الحنابلة: الفروع (4/ 486)، كشاف القناع (4/ 183)، الإنصاف (6/ 345)، مطالب أولي النهى (4/ 171).
واشترط المالكية أن يثبت بالبينة أن الكتابة بخط صاحب الوديعة، أو بخط الميت.
جاء في مجلة الأحكام العدلية: «إذا ظهر كيس مملوء بالنقود في تركة متوف ملصق عليه بطاقة محرر فيها بخط المتوفى أن هذا الكيس مال فلان وهو عندي أمانة يأخذه ذلك الرجل من التركة ولا يحتاج إلى إثبات بوجه آخر»
(1)
.
قال ابن رشد: «والمشهور في المذهب أن الشهادة على الخط في ذلك جائزة عاملة لم يختلف في ذلك قول مالك ولا قول أحد من أصحابه فيما علمت»
(2)
.
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (1612).
(2)
البيان والتحصيل (9/ 439) و (15/ 296)، وانظر الذخيرة للقرافي (9/ 186).
وقال الدسوقي في حاشيته: «من مات وعنده وديعة مكتوب عليها هذه وديعة فلان بن فلان، فإن صاحبها يأخذها بشروط: أن يثبت بالبينة أن الكتابة بخط صاحب الوديعة، أو بخط الميت
…
»
(1)
.
وقال ابن مفلح في الفروع: «ويعمل بخط أبيه على كيس لفلان في الأصح كخطه بدين له»
(2)
.
وجاء في الإنصاف: «وإن وجد خط موروثه: لفلان عندي وديعة، وعلى كيس: هذا لفلان عمل به وجوبًا على الصحيح من المذهب»
(3)
.
القول الثاني:
إن كان الخط ليس خط الميت ولا المالك لم يعمل بالخط باتفاق المالكية، وإن كان الخط خط الميت اعتبرت وديعة باتفاق المالكية، وإن كان الخط خط المودَع، فقال ابن القاسم من المالكية: لا يأخذها، خشية أن يكون بعض الورثة قد أخرجها له، فكتب عليها اسمه
(4)
.
قال ابن رشد: «ولا اختلاف في أنه لا يُقضى له بها إذا وجد عليه اسمه ولا يُدرى من كتبه»
(5)
.
وقال أيضًا: «وسمعته يسأل عن رجل توفى ففتح تابوت له فإذا فيه كيس
(1)
الشرح الكبير (3/ 426).
(2)
تصحيح الفروع (4/ 486).
(3)
الإنصاف (6/ 345).
(4)
منح الجليل (7/ 25).
(5)
البيان والتحصيل (15/ 296).
مكتوب عليه لفلان بن فلان، وفيه مال، فطلب ذلك الرجل الكيس، فقال: أرى إن شهد له أنه خط الميت المستودع وكتابه بيده رأيت أن يدفع إليه، وإن لم يشهد على ذلك لم يدفع إليه إلا ببينة.
وإنما هو بمنزلة القرطاس يوجد عنده فيه حساب لفلان عندي كذا وكذا، فإن شهد أنه خط الميت رأيت ذلك له، وإلا لم يكن له شيء»
(1)
.
وجاء في منح الجليل: «قال ابن القاسم يأخذها إن وجد عليها خط الميت لا خط المودع. قال ابن دحون: خشية أن يكون بعض الورثة أخرجها له فكتب عليها اسمه ..... وقال ابن رشد: لا يقضي لمن وجد عليها اسمه إن لم تكن بخطه ولا بخط المودِع، فإن كانت بخط المتوفى الذي وجدت عنده فهي لمن وجد اسمه عليها اتفاقًا إلا على رأي من لا يرى الشهادة على الخط، وإن كان بخط مدعي الوديعة فقال أصبغ أنه يقضي له بها
…
»
(2)
.
القول الثالث:
لا يعمل بالخط، وهذا مذهب الشافعية، واختاره بعض الحنابلة
(3)
.
قال العمراني في البيان: «وإن مات، فوجد بخطه أن الكيس الفلاني لفلان، أو وجد على الكيس اسم رجل لم يحكم له به؛ لأنه قد يودعه غيره شيئًا، ثم يتملكه، أو يشتري كيسًا عليه اسم رجل»
(4)
.
(1)
البيان والتحصيل (10/ 444).
(2)
منح الجليل (7/ 25).
(3)
البيان للعمراني (6/ 486)، أسنى المطالب (3/ 78)، روضة الطالبين (6/ 331)، المغني (6/ 307)، الإنصاف (6/ 345)، تصحيح الفروع (4/ 487).
(4)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (6/ 486).
وقال المرداوي في تصحيح الفروع: «إذا وجد خط أبيه بدين عليه فهل يعمل بهذا الخط أم لا؟ أطلق الخلاف .... :
أحدهما: لا يعمل به، ويكون تركة مقسومة، اختاره القاضي في المجرد، وجزم به في الفصول والمذهب، وقدمه في المغني والشرح»
(1)
.
(2)
.
وانظر أدلة المسألة على الاعتماد على الخط في عقد الوصية، وكذا في عقد الوقف، فقد فصلت أدلة المسألة هناك فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
* * *
(1)
تصحيح الفروع (4/ 487).
(2)
المغني (6/ 307).