الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في كيفية رد الوديعة المشتركة
[م-1970] إذا أودع رجلان مالًا مشتركًا بينهما، ثم جاء أحدهما يطالب برد الوديعة.
فإن كان مفوضًا من شريكه باستلام المال، فهذا لا إشكال في تسليمه كامل الوديعة، فهو يملك المطالبة برد نصيبه باعتباره مالكًا، وبرد نصيب شريكه باعتباره وكيلًا عنه.
أما إذا لم يكن مفوضًا، فهل له أن يطالب برد الوديعة مع غيبة الآخر، أو ليس له ذلك؟
اختلف العلماء في ذلك على أقوال:
القول الأول:
لا يدفع الوديعة لأحدهما إلا بحضور الآخر، سواء أكانت الوديعة مثلية أم قيمية، وهذا قول أبي حنيفة
(1)
.
جاء في الهداية: «وإذا أودع رجلان عند رجل وديعة فحضر أحدهما وطلب نصيبه منها لم يدفع إليه حتى يحضر الآخر عند أبي حنيفة، وقالا: يدفع إليه نصيبه»
(2)
.
(1)
تبيين الحقائق (5/ 80)، الهداية شرح البداية (3/ 215)، مجمع الأنهر (2/ 342)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 431)، بدائع الصنائع (6/ 210)، مجمع الضمانات (ص: 213).
(2)
الهداية شرح البداية (3/ 215).
° وجه قول أبي حنفية:
أن المال ما دام مشتركًا فهو ملك شائع بين الشريكين، ولا يتميز نصيب كل واحد منهما إلا بالقسمة، والوديع لا يملك القسمة بينهما، كما أن القسمة على الغائب غير جائزة.
القول الثاني:
إن كانت الوديعة من المثليات التي لا تنقص بالقسمة، كالدراهم والدنانير، والمكيلات والموزونات، جاز للوديع أن يعطي الشريك نصيبه ولو مع غيبة الآخر، وإن كانت الوديعة من القيميات فليس له أن يعطي الشريك نصيبه إلا بحضور صاحبه، وبهذا قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية، والمذهب عند الحنابلة
(1)
.
جاء في مجمع الأنهر: «وإن أودع اثنان من واحد شيئًا لا يدفع الواحد إلى أحدهما
…
حصته بغيبة الآخر، فإن دفع ضمن نصفه إن هلك عند الإمام (يعني أبا حنيفة)، سواء كان مثليًا أو غير مثلي في المختار
…
خلافًا لهما في المثلي؛ لأن معنى الإفراز فيه غالب، كما أن معنى المبادلة في غير المثلي غالب، ولذا لا يجوز له الدفع فيه ويجوز في المثلي»
(2)
.
جاء في العناية شرح الهداية: «إذا كانت الوديعة من الثياب والدواب والعبيد لم يكن له أن يأخذ نصيبه بالإجماع»
(3)
.
(1)
الهداية شرح البداية (3/ 215)، مجمع الأنهر (2/ 342)، فتح القدير لابن الهمام (8/ 491 - 492)، الجامع الصغير وشرحه النافع الكبير (ص: 431).
(2)
مجمع الأنهر (2/ 342).
(3)
البناية للعيني (10/ 124).
وجاء في مجلة الأحكام العدلية: «إذا أودع رجلان مالًا مشتركًا لهما عند شخص، ثم جاء أحد الشريكين في غيبة الآخر، وطلب حصته من المستودع فإن كانت الوديعة من المثليات أعطاه المستودع حصته، وإن كانت من القيميات لا يعطه إياها»
(1)
.
° حجة هذا القول:
أن القسمة في المال المثلي هي قسمة إجبار، لا تتوقف على رضا الشريك، ويجوز للشريك أن يأخذ حصته في غياب الآخر، وبدون إذنه، وأما القسمة في المال القيمي فهي قسمة تراض، تأخذ حكم البيع، وليس للوديع أن يبيع على المودع الغائب؛ ولأن قسمة ذلك لا يؤمن فيها الغبن، فاشترط حضور الشريك لاشتراط رضاه بالقسمة، والله أعلم.
القول الثالث:
يرفع الأمر إلى الحاكم ليتولى قسمة المال بينهما، ويعطي الحاضر نصيبه. وهذا مذهب الشافعية
(2)
.
جاء في روضة الطالبين: «أودعه جماعة مالا، وذكر أنه مشترك بينهم، ثم جاء بعضهم يطلبه، لم يكن للمودع القسمة ولا تسليم الجميع، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليقسمه ويدفع إليه نصيبه»
(3)
.
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (796).
(2)
أسنى المطالب (3/ 84)، روضة الطالبين (6/ 345).
(3)
روضة الطالبين (6/ 345).
° حجة هذا القول:
أن الوديع لا يملك قسمة المال بين الشركاء، ومنع الشريك من ماله حجر عليه، فكان الحاكم هو الذي يملك قسمة المال بينهما، ولأن له ولاية على مال الغائب، والله أعلم.
وهذا القول أقوى الأقوال وأبعدها عن النزاع، والله أعلم.
* * *