الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في استحقاق الربح إذا اتجر بالوديعة بدون تفويض
الخراج بالضمان.
[م-1947] عرفنا في المبحث السابق حكم الاتجار بالوديعة بدون إذن صاحبها، وأن الجمهور يحرمون عليه ذلك خلافًا للمالكية، فلهم تفصيل بين الوديعة المثلية وبين غيرها، وبين الوديع الموسر وبين الوديع المعدوم،
فإذا اتجر الوديع بالوديعة، وخسر فإنه ضامن بالاتفاق، ولا يختلفون على ذلك.
وأما إذا ربح في الوديعة، فهل يستحق الربح المالك وحده، أو الوديع وحده، أو لا يستحق أحد منهما الربح، بل يجب أن يتصدق به؟
في ذلك خلاف بين العلماء على خمسة أقوال:
القول الأول:
يتصدق به، وهذا مذهب الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد
(1)
.
° حجة هذا القول:
أن هذا الربح هو كسب لمال مغتصب، فيكون خبيثًا، وسبيله: هو التخلص منه بالصدقة.
القول الثاني:
أن الربح يكون للوديع إذا أدى الضمان، أو سلم عينها بأن باعها، ثم
(1)
الإنصاف (6/ 209).
اشتراها، ودفعها إلى مالكها، وإلا فإنه يتصدق به، اختاره أبو يوسف من الحنفية
(1)
.
جاء في مجمع الأنهر: «(ولو تصرف فيها) أي الوديعة (فربح يتصدق به) أي بالربح عند الطرفين (وعند أبي يوسف يطيب له) الربح إذا أدى الضمان أو سلم عينها بأن باعها، ثم اشتراها ودفع إلى مالكها»
(2)
.
وانظر حجة هذا القول في القول التالي.
القول الثالث:
الربح للوديع مطلقًا، وهذا مذهب المالكية
(3)
.
قال ابن الجلاب: «ومن استودع مالا فاتجر فيه ضمنه والربح له دون رب المال»
(4)
.
° حجة المالكية بأن الربح للوديع:
إذا كان ضمان هذه الوديعة على الوديع، فإن له ربحه، وعليه خسارته، ولا يمكن أن أحمله الخسارة، ولا يستحق الربح.
(1)
مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 342)، المبسوط للسرخسي (3/ 49)، بدائع الصنائع (6/ 14)، الهداية شرح البداية (4/ 298)، العناية على شرح الهداية (9/ 330).
(2)
مجمع الأنهر (2/ 342).
(3)
المدونة (6/ 159)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 304)، الشرح الكبير للدردير (3/ 421)، الخرشي (6/ 110)، منح الجليل (7/ 11)، مواهب الجليل (5/ 255).
(4)
التفريع (2/ 271).
القول الرابع:
أن الوديع إذا اتجر بالوديعة فباع واشترى بها، فهو غاصب، وأما حكم تصرفه:
فبيع الأعيان المودعة باطل مطلقًا، والبيع منقوض وإن تعددت، وهي مستردة ما دامت الأعيان قائمة، والأعيان المأخوذة في مقابلتها مردودة على ملاكها.
وإن اشترى الوديع بالوديعة، فإن كان الشراء بأعيانها فالشراء باطل كذلك.
وإن كان الوديع يشتري بذمته، ثم يؤدي الثمن من الوديعة، فالشراء ثابت له، فإذا ملك السلع، ثم ربح فيها، فله الربح، وما كان من خسارة فعليه، وعليه مثل الدراهم والدنانير التي غصبها، وهذا آخر قولي الشافعي، وعليه أكثر أصحابه
(1)
.
وهو رواية في مذهب الحنابلة في التعامل مع الغاصب
(2)
.
(3)
.
(1)
نهاية المطلب (7/ 497)، الإقناع لابن المنذر (2/ 405)، الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 337 - 339).
(2)
القواعد لابن رجب (ص: 442).
(3)
الإقناع (2/ 405).
° حجة هذا القول:
أن العقد إذا وقع على هذه الأعيان، كان باطلًا؛ لأن من شروط صحة العقد أن يكون العاقد مالكًا للمعقود عليه أو مأذونًا له فيه، وهذا الوديع لا يملك التصرف في الوديعة بدون إذن صاحبها، أما إذا وقع العقد في الذمة فالعقد صحيح؛ لأن الوديع يملك أهلية التعاقد، فذمته صالحة لتحمل الحقوق، فإذا أدى ما وجب عليه في ذمته من الوديعة، كان هذا تعديًا يوجب الضمان، ولا يبطل العقد.
القول الخامس:
أن الربح يكون للمالك، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
وامتلاك المالك للربح فرع عن صحة تصرف الوديع، فكيف صح تصرف الوديع، وهو بمنزلة الغاصب؟
اختلف الحنابلة في تخريج القول بالصحة على أربعة أقوال:
فقيل: بناء على القول بوقف تصرف الغاصب على الإجازة.
وقيل: إن هذا محمول على ما لو اشترى في ذمته ثم نقد الثمن من العين المغصوبة، وهي طريقة القاضي.
وقيل: إن القول بالصحة مخرج على رواية عدم تعيين النقود بالتعيين في العقد، فيبقى كالشراء في الذمة سواء.
وقيل: إن الصحة مختصة بالتصرف الكثير مما لا يدركه المالك، ولا يقدر على استرجاعه فيصح التصرف للضرورة.
(1)
الإنصاف (6/ 209)، كشاف القناع (4/ 101)، شرح منتهى الإرادات (2/ 322).
قال في الإنصاف: «لو اتجر في الوديعة فالربح للمالك على الصحيح من المذهب»
(1)
.
جاء في القواعد لابن رجب: «إذا غصب نقودًا واتجر فيها وربح فإن نصوص أحمد متفقة على أن الربح للمالك فمن الأصحاب من بناه على القول بوقف تصرف الغاصب على الإجازة كابن عقيل وصاحب المغني.
ومنهم من بناه على أن تصرفات الغاصب صحيحة بدون إجازة؛ لأنه مدة تطول فيشق استدراكها، وفي القضاء ببطلانها ضرر عليه وعلى المالك بتفويته الربح، وهي طريقة صاحب التلخيص، والصحة عنده مختصة بالتصرف الكثير وأشار إليه صاحب المغني، وأن ما لم يدركه المالك ولم يقدر على استرجاعه يصح التصرف فيه بدون إنكاره لهذا المعنى.
ومن الأصحاب من نزله على أن الغاصب اشترى في ذمته ثم نقد الثمن وهي طريقة القاضي في بعض كتبه وابن عقيل في موضع آخر ويشهد لهذا أن المروذي نقل عن أحمد التفرقة بين الشراء بعين الغصب والشراء في الذمة فتنزل نصوصه المطلقة على هذا المقيد، وإنما كان الربح للمالك مع أن الشراء وقع للغاصب؛ لأنه نتيجة ملك المغصوب منه وفائدته فهو كالمتولد من عينه. ويحتمل أن يخرج ذلك على رواية عدم تعيين النقود بالتعيين في العقد فيبقى كالشراء في الذمة سواء»
(2)
.
(1)
الإنصاف (6/ 209)، شرح منتهى الإرادات (2/ 322).
(2)
القواعد لابن رجب (ص: 442).
° الراجح:
أرى أن مذهب المالكية يتفق مع القواعد، وأن الخراج بالضمان، فمن ضمن مالًا كان له غنمه، وعليه غرمه، وكون الربح له لا يعني أنه لا يستحق الإثم بالغصب، فيحتاج منه توبة لتعديه، والله أعلم.