الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في عزل الوديع نفسه
الأمانات هل تنفسخ بالقول؟
[م-1976] هل تنفسخ الوديعة بعزل الوديع نفسه، أو يشترط الرد إلى المالك؟
القول الأول:
مذهب الحنفية للوديع عزل نفسه بشرط أن يكون ذلك بحضرة المالك
(1)
.
جاء في فتح القدير: «المودَع ينفرد بعزل نفسه بمحضر من المستودِع، كالوكيل يملك عزل نفسه بحضرة الموكل، وإذا ارتفع لا يعود إلا بالتجديد»
(2)
.
وفي الهداية: «لا يملك عزل نفسه بغير محضر منه ـ أي من المالك ـ أو طلبه»
(3)
.
القول الثاني: مذهب الشافعية.
قال النووي: «إذا فسخ المستودع الوديعة من غير حضور مالكها ففي صحة الفسخ وجهان حكاهما الروياني هنا:
أحدهما: لا يصح؛ لأن الأمانة لا تنفسخ بالقول، ولهذا لو قال: فسخت الأمانة كان على الأمانة ما لم يردها حتى لو هلكت قبل إمكان الرد لا ضمان
(1)
تبيين الحقائق (5/ 79)، العناية شرح الهداية (8/ 490)، البناية شرح الهداية (10/ 119).
(2)
فتح القدير (8/ 490)، وانظر الهداية شرح البداية (3/ 214).
(3)
الهداية شرح البداية (3/ 217).
والثاني: يصح، ويرتفع حكم عقد الوديعة، ويبقى حكم الأمانة كالثوب إذا ألقته الريح في دار إنسان يكون أمانة ولا يكون وديعة، فيلزمه أن يعلم صاحبه بذلك»
(1)
.
وفرق الزركشي بين أمين المالك، والذي هو أمين بحكم العقد، وبين الأمانات التي هي أمانة بحكم الشرع.
فأمين المالك إذا عزل نفسه، فهل ينعزل في مذهب الشافعية وجهان:
إن قلنا: إن الوديعة عقد فله عزل نفسه، وتبقى الوديعة أمانة شرعية في يده كالثوب يلقيه الريح في يده.
وإن قلنا: إن الوديعة إذن مجرد بالحفظ فلا ينعزل؛ لأن ابتداءه يكون بالفعل، فكذا رفعه لا يرتفع إلا بالرد.
أما الأمانات التي هي بحكم الشرع، فلا تنفسخ بالقول بالاتفاق عندهم، وإنما تنفسخ بالرد؛ لأنها ليست عقدًا.
قال الزركشي: «لو عزل المودع نفسه فوجهان، إن قلنا: الوديعة عقد ارتفعت، أو مجرد إذن فالعزل لغو، كما لو أذن في تناول طعامه للضيفان، فقال بعضهم عزلت نفسي فيلغو قوله.
قال الزركشي: وهذا الخلاف في أمين المالك، أما الأمانات الشرعية فلا تقبل الفسخ بالاتفاق، كما يقتضيه كلام الروياني، فلو قال: فسخت الأمانة كان على الأمانة، فمتى لم يرد حتى هلكت قبل القدرة على ردها لا ضمان»
(2)
.
(1)
المجموع (9/ 200).
(2)
المنثور في القواعد الفقهية (3/ 45).
وقال السبكي في الأشباه والنظائر: «ومنها: بانعزال المودع بعزلة نفسه في غيبة المودع وجهان:
إن قلنا: الوديعة عقد انعزل وتبقى أمانة، وإن قلنا: ليست بعقد فلا ينعزل؛ لأن ابتداءه بالفعل، فكذا رفعه»
(1)
.
القول الثالث: مذهب الحنابلة.
جاء في مجلة الأحكام الشرعية: «يبطل العقد بعزل الوديع نفسه والعين أمانة بيده يجب ردها حالا إلى مالكها كحكم ثوب أطارته الريح إلى داره»
(2)
.
وفرق ابن رجب بين المالك وبين الوديع، فالأول يملك فسخ العقد بالقول، والثاني: لا يملك الفسخ إلا بالرد.
قال ابن رجب: «ذكر القاضي في مواضع كثيرة من خلافه أن للمودِع فسخها بالقول في غيبة المودَع، وتنفسخ قبل علم المودَع بالفسخ، وتبقى في يده أمانة، كمن أطارت الريح إلى بيته ثوبا لغيره، ثم إنه ذكر في مسألة الوكالة أن الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول، وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودَع فيها، فلو قال المودَع بمحضر من رب الوديعة أو في غيبته: فسخت الوديعة، أو أزلت نفسها عنها لم تنفسخ قبل أن يصل إلى صاحبها، ولم يضمنها.
(1)
الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 361).
(2)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1329).
فإما أن يكون هذا تفريقًا بين فسخ المودِع والمودَع، أو يكون اختلافا منه في المسألة، والأول أشبه؛ لأن فسخ المودِع إخراج للمودَع عن الاستحفاظ، وهو يملكه، وأما المودَع فليس له فيها تصرف سوى الإمساك والحفظ، فلا يصح أن يرفعه مع وجوده»
(1)
.
* * *
(1)
القواعد لابن رجب (ص: 127).