الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع
في إتلاف المودع الوديعة
المسألة الأولى
في الحكم التكليفي
[م-1929] إذا فعل المودع بالوديعة ما يؤدي إلى إتلافها وذلك بتعريضها للضياع كأن يلقيها الوديع في مفازة، أو يحفظها في غير حرز مثلها، أو يقوم بإحراقها، أو باستهلاكها أو نحو ذلك، فما حكم هذا التصرف؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
أن ذلك الفعل محرم على المستودع في حال السعة والاختيار، وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم
(1)
.
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، والإجماع، والنظر.
أما الكتاب فلقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58].
وقوله تعالى: {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:283].
والأمر بأداء الأمانة أمر بالمحافظة عليها، وعدم إتلافها.
(1)
الفتاوى الهندية (4/ 338)، بدائع الصنائع (6/ 213)، شرح الزرقاني على خليل (6/ 114)، مواهب الجليل (5/ 251)، أسنى المطالب (3/ 82)، كشاف القناع (4/ 187)، المحلى، مسألة (1388).
وقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
وقد قام عقد الوديعة على التزام الوديع بالمحافظة على الوديعة بما يحفظ به ماله، فإتلافها خيانة للمودِع، وترك لما وجب عليه من القيام بحفظها.
(ح-1181) وأما من السنة، فالدليل على عصمة مال المودِع ما رواه الشيخان من حديث أبي بكرة، وفيه:
فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب
…
(1)
.
وقد نهى الشرع عن إضاعة المال، وإتلاف مال المودِع إضاعة له.
(ح-1182) فقد روى البخاري من طريق الشعبي، قال: حدثني كاتب المغيرة بن شعبة، قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إلي بشيء سمعته من النبي عليه السلام، فكتب إليه:
سمعت النبي عليه السلام يقول: إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال
(2)
.
فإطلاق النهي عن إضاعة المال يشمل الأمانات التي يجب حفظها إن لم يكن دخولها فيه دخولًا أوليًا؛ لأن إتلافه فيه مخالفتان، أحدهما: إتلاف مال معصوم، والثاني: ترك الحفظ الواجب بالعقد.
وأما الإجماع، فقد قال ابن المنذر:«أجمع أهل العلم على أن المودع ممنوع من استعمال الوديعة، ومن إتلافها»
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (67)، وصحيح مسلم (1679).
(2)
صحيح البخاري (1477)، صحيح مسلم (13 - 593).
(3)
الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 336).
ومن النظر: فإن المقصود من الإيداع هو حفظ العين لصاحبها، فإذا أتلفها المودِع كان هذا مناقضًا لمقصود العقد.
القول الثاني:
ذهب ابن عبد البر إلى أن التعدي على مال المودِع محرم إلا أن يكون له مال مأمون يرجع إليه إن تلفت الوديعة بتعديه، فله استهلاكه، وترك التعدي أفضل.
قال في الكافي: «ولا يجب لأحد أن يتعدى في وديعة عنده فيتلفها إلا أن يكون له مال مأمون يرجع إليه إن تلفت الوديعة بتعديه، وترك التعدي في الوديعة أفضل»
(1)
.
الراجح:
أرى أن القول الأول هو الراجح، ووجوب الضمان لا يعني إباحة التعدي، ولو قيل بقول ابن عبد البر يرحمه الله لكان ذلك يعني إباحة الاعتداء على أموال الناس إذا كان الإنسان قادرًا على ضمانها، ولا يقول بذلك أحد، والله أعلم.
(1)
الكافي لابن عبد البر (ص: 404).