المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز - المعاملات المالية أصالة ومعاصرة - جـ ١٩

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌عقد الوديعة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف الوديعة

- ‌المبحث الثانيتوصيف عقد الوديعة

- ‌الفرع الثانيالوديعة من عقود الأمانات

- ‌مسألةزوائد الوديعة أمانة كأصلها

- ‌الفرع الثالثالوديعة من العقود الجائزة

- ‌الفرع الرابعالوديعة من عقود التبرع

- ‌المبحث الثالثفي حكم الوديعة

- ‌الفرع الأولحكم الوديعة الوضعي

- ‌الفرع الثانيحكم الوديعة التكليفي

- ‌الباب الأولأركان الوديعة

- ‌الفصل الأولخلاف العلماء في أركان الوديعة

- ‌الفصل الثانيفي انعقاد الوديعة بالمعاطاة

- ‌الفصل الثالثفي انعقاد الإيداع بالإشارة

- ‌الفصل الرابعالاعتماد على الخط في الإيداع

- ‌الفصل الخامسفي تعليق الوديعة وإضافتها إلى المستقبل

- ‌الباب الثانيفي شروط الوديعة

- ‌الفصل الأولفي شروط ا لوديع والمودع

- ‌الشرط الأوليشترط توفر الأهلية فيهما

- ‌المبحث الأولفي إيداع الصبي غير المميز والمجنون

- ‌المبحث الثانيفي إيداع الصبي المميز

- ‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيأن يكون المودِع له ولاية في المال المودع

- ‌الشرط الثالثأن يكون المودَع ممن يصح قبضه للوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط أن يكون المستودَع معينًا

- ‌الشرط الخامسفي اشتراط ألا يكون المودِع محجورًا عليه لمصلحة غيره

- ‌الفصل الثانيفي شروط الأعيان المودعة

- ‌المبحث الأولفي اشتراط مالية العين المودعة

- ‌الشرط الثانيكون الوديعة قابلة لإثبات اليد عليها

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط العلم بالوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط كون الوديعة منقولة

- ‌الباب الثالثفي أحكام الوديعة

- ‌الفصل الأولفي آثار عقد الوديعة

- ‌المبحث الأولوجوب الحفظ على الوديع

- ‌الفرع الأولفي صفة حفظ الوديعة

- ‌المسألة الأولىألا يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثانيةأن يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثالثةفي دفع الوديعة لمن يحفظ ماله

- ‌المطلب الأولفي بيان الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم

- ‌المسألة الرابعةفي استعانة الوديع بغيره في حفظ الوديعة

- ‌المطلب الأولأن يستعين بالأجنبي بدون عذر

- ‌المطلب الثانيأن يودع الوديع الأجنبي لعذر

- ‌الأمر الأولأن يكون العذر حاجته إلى السفر

- ‌الأمر الثانيأن يودع مال غيره خوفًا من حريق أو غرق

- ‌المبحث الثانييجب رد الوديعة متى طلبها صاحبها

- ‌المبحث الثالثالوديعة أمانة في يد المودَع

- ‌الفرع الأولفي الإنفاق على الوديعة

- ‌الفرع الثانيفي صفة الإنفاق

- ‌الفرع الثالثالوديعة لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفرع الرابعفي إتلاف المودع الوديعة

- ‌المسألة الأولىفي الحكم التكليفي

- ‌المسألة الثانيةالحكم الوضعي لتعدي الوديع

- ‌المسألة الثالثةفي ارتفاع الضمان برجوعه عن التعدي

- ‌المسألة الرابعةفي ضمان الوديع إذا نوى التعدي ولم يفعل

- ‌الفرع الخامسفي اشتراط الضمان على الوديع

- ‌الفصل الثانيفي تصرفات الوديع بالوديعة

- ‌المبحث الأولفي خلط الوديعة بغيرها

- ‌الفرع الأولأن يكون الخلط بغير فعل الوديع

- ‌الفرع الثانيأن يكون الخلط بإذن صاحبها

- ‌الفرع الثالثأن يكون الخلط بدون إذن صاحبها

- ‌المسألة الأولىفي خلط الوديعة بمال آخر مع إمكان التمييز

- ‌المسألة الثانيةفي خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز

- ‌المسألة الثالثةإذا خلط الوديعة بمال لصاحبها

- ‌المبحث الثانيفي اقتراض المودع من الوديعة

- ‌الفرع الأولإذا اقترض من الوديعة ثم تراجع عن الاقتراض

- ‌الفرع الثانيإذا اقترض من الوديعة ثم رد بدله

- ‌المسألة الأولىأن يكون البدل متميزًا عن باقي الوديعة

- ‌المسألة الثانيةأن يكون البدل غير متميز عن باقي الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رهن المودِع للوديعة

- ‌المبحث الرابعفي الاتجار بالوديعة

- ‌الفرع الأولفي الاتجار بها دون إذن من المالك

- ‌المسألة الأولىالحكم التكليفي في اتجار الوديع بالوديعة

- ‌المسألة الثانيةفي استحقاق الربح إذا اتجر بالوديعة بدون تفويض

- ‌المبحث الخامسفي تأجير الوديعة

- ‌الفصل الثالثفي الاختلاف بين المالك والوديع

- ‌المبحث الثانيإذا اختلفا في الرد

- ‌المبحث الثالثإذا اختلفا في التعدي والتفريط

- ‌المبحث الرابعفي مطالبة الوديع باليمين إذا ادعى التلف

- ‌المبحث الخامسإذا اختلفا في الأمر بالتصرف في الوديعة

- ‌المبحث السادسإذا تنازع الوديعة رجلان

- ‌الفصل الرابعإذا جحد الوديعة معاملة بالمثل

- ‌الفصل الخامسفي تجهيل الوديعة

- ‌مبحثفي التصرف في الودائع المجهول أصحابها

- ‌الفصل السادسفي تعدد الوديع

- ‌الفصل السابعفي الوديع يكره على تسليم الوديعة

- ‌الفصل الأولفي تعريف الودائع المصرفية

- ‌الفصل الثانيخصائص الودائع النقدية المصرفية

- ‌الفصل الثالثفي توصيف الودائع المصرفية الجارية

- ‌الفصل الرابعإيجار الخزائن الحديدية للإيداع

- ‌المبحث الأولتعريف الخزائن الحديدية

- ‌المبحث الثانيفي التوصيف الفقهي لتأجير الخزائن الحديدية

- ‌الفصل الأولانتهاء عقد الوديعة بالرد

- ‌المبحث الأولفي مؤنة حمل الوديعة وردها

- ‌المبحث الثانيفي امتناع الوديع من رد الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رد الوديعة إلى عيال المالك

- ‌المبحث الرابعفي كيفية رد الوديعة المشتركة

- ‌الفصل الثانيانتهاء الوديعة بالفسخ

- ‌الفصل الثالثانتهاء عقد الوديعة بالموت

- ‌المبحث الأولفي الضمان بتأخير الرد إلى وارث المالك

- ‌المبحث الثانيفي الضمان بتأخير ورثة الوديع الرد إلى المالك

- ‌الفصل الرابعانتهاء عقد الوديعة بالعزل

- ‌المبحث الأولانتهاء عقد الوديعة بعزل المالك للوديع

- ‌المبحث الثانيفي عزل الوديع نفسه

- ‌الفصل الخامسانتهاء عقد الوديعة بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفصل السادسانتهاء عقد الوديعة بزوال الأهلية

- ‌الفصل السابعانتهاء عقد الوديعة بالجحود

- ‌عقد اللقطة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف اللقطة

- ‌المبحث الثانيالفرق بين اللقطة والضالة

- ‌المبحث الثالثفي أركان اللقطة

- ‌الباب الأولفي حكم الالتقاط

- ‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان

- ‌الفصل الثانيفي التقاط الحيوان

- ‌المبحث الأولفي التقاط ما يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء

- ‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

- ‌المبحث الثالثفي الالتقاط في طريق غير مسلوك

- ‌المبحث الرابعفي لقطة مكة

- ‌الباب الثانيفي أحكام اللقطة

- ‌الفصل الأولفي وجوب تعريف اللقطة

- ‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها

الفصل: ‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز

‌المبحث الثالث

في إيداع المال لدى الصبي المميز

الإيداع استنابة في الحفظ فاقتضى البلوغ والرشد.

من لم يباشر حفظ ماله لم يصح أن يباشر حفظ مال غيره.

كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط إلا الصبي المميز فإنه يضمنها بالإتلاف ولا يضمنها بالتفريط.

هل الإذن للصبي بالتجارة إذن في توابعها، ومنها الإيداع؟

[م-1901] إذا أودع الرجل ماله صبيًا مميزًا هل تصح الوديعة؟

اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

يصح أن يودع الرجل ماله عند صبي مميز بشرط أن يكون مأذونًا له في التجارة، أو يكون الولي قد أذن له في قبول الوديعة، فإن كان لم يؤذن له فلا يصح قبول الوديعة منه؛ لأنه محجور عليه، وهذا مذهب الحنفية

(1)

.

جاء في بدائع الصنائع: «يصح قبول الوديعة من الصبي المأذون؛ لأنه من أهل الحفظ، ألا ترى أنه أذن له الولي، ولو لم يكن من أهل الحفظ لكان الإذن له سفهًا»

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع (6/ 207)، حاشية ابن عابدين (8/ 333)، الفتاوى الهندية (4/ 345)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 264).

(2)

بدائع الصنائع (6/ 207).

ص: 95

هذا في صحة الوديعة، أما في ضمان الوديعة:

فإن قبل الصبي المحجور عليه الوديعة، فتلفت لم يضمنها، وإن استهلكها، فإن كانت عبدًا أو أمة ضمن بالاتفاق.

° وجه القول بالضمان:

أن هذا الضمان ليس من قبيل ضمان المال، وإنما هو من قبيل ضمان الدم، فالقتل يوجب الضمان مطلقًا.

وإن كانت الوديعة ليست آدميًا فلا ضمان عليه عند أبي حنيفة ومحمد بن الحسن.

° وجه القول بعدم الضمان:

أن إيداع الصبي المحجور عليه إهلاك للمال معنى، فلما وضع المال في يد المحجور عليه فقد وضعه في يد من لا يحفظه عادة، ولا يجب عليه الحفظ شرعًا؛ ولو كان من أهل حفظ المال لدفع إليه ماله، قال تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].

وقال أبو يوسف يجب عليه الضمان:

° وجه قول أبي يوسف:

كون الوديعة لا تصح للصبي المحجور عليه يجعلها كأن لم تكن، فصار الحال بعد الوديعة كالحال قبل الوديعة، واستهلاك الوديعة قبل الإيداع يوجب الضمان فكذلك بعد الإيداع.

وإن كان الصبي مأذونًا له، سواء كان إذنًا عامًا كما لو أذن له في التجارة،

ص: 96

أو كان إذنًا خاصًا كما لو أذن الولي له في قبول الوديعة، فإن تلفت الوديعة في يده لم يضمن؛ لأنها أمانة في يده.

وإن استهلك الوديعة فإنه يجب عليه الضمان؛ لأن الصبي المأذون له يحفظ المال عادة، ألا ترى أنه دفع إليه ماله، ولو لم يوجد منه الحفظ عادة لكان الدفع إليه سفهًا

(1)

.

جاء في حاشية ابن عابدين: «أودع صبيًا وديعة فهلكت منه لا ضمان عليه بالإجماع

(2)

. فإن استهلكها: إن كان مأذونا في التجارة ضمنها إجماعًا، وإن كان محجورًا عليه إن قبضها بإذن وليه ضمن أيضًا إجماعًا، وإن قبضها بغير إذن وليه لا ضمان عليه عندهما لا في الحال، ولا بعد الإدراك، وقال أبو يوسف يضمن في الحال»

(3)

.

القول الثاني:

يصح الإيداع لدى الصبي المميز، وبه قال ابن رشد من المالكية، وحكى عليه الاتفاق.

(1)

انظر بدائع الصنائع (6/ 207).

(2)

يقصد بالإجماع إجماع الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، وليس الإجماع الاصطلاحي عند أهل الأصول والذي هو حجة شرعية.

(3)

حاشية ابن عابدين (8/ 333)، وانظر الفتاوى الهندية (4/ 345)، الجوهرة النيرة (1/ 347).

أما قول الحنفية كما في الدر المختار (5/ 663) وغيره: «وكون المودع مكلفًا شرط لوجوب الحفظ عليه، فلو أودع صبيًا فاستهلكها لم يضمن، ولو عبدًا محجورًا ضمن بعد عتقه» . فالمقصود بالصبي هنا هو المحجور عليه فرقًا بينه وبين المأذون له، فإن المأذون له لو استهلك الوديعة ضمن، كما تقدم النقل في ذلك، والله أعلم.

ص: 97

جاء في حاشية الدسوقي: «كل من جاز له أن يوكل

جاز له أن يودع، ومن جاز له أن يتوكل جاز له أن يقبل الوديعة، والذي يجوز له أن يتوكل: هو المميز على ما قاله ابن رشد، وحكى عليه الاتفاق، وخالفه اللخمي وقال لا بد أن يكون بالغًا رشيدًا ووافقه القرافي وابن الحاجب وابن عبد السلام والمصنف في التوضيح قال ابن عرفة وعليه عمل أهل بلدنا»

(1)

.

القول الثالث:

لا يصح الإيداع، وإن أذن له وليه وبه قال أكثر المالكية، والأظهر في مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة

(2)

.

قال الغزالي: «أما المودِع والمودَع فلا يعتبر فيهما إلا ما يعتبر في الوكيل والموكل؛ لأن الإيداع استنابة في الحفظ، فلا يستدعي إلا التكليف من الجانبين»

(3)

.

وقال إمام الحرمين: «الصبي ليس من أهل أن يؤتمن، ويده لا تصلح لحفظ الودائع»

(4)

.

(1)

حاشية الدسوقي (3/ 419).

(2)

الشرح الكبير (3/ 419)، منح الجليل (6/ 93)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 850)، حاشية الدسوقي (3/ 296)، الذخيرة للقرافي (9/ 140، 141)، البيان للعمراني (6/ 474)، نهاية المطلب (11/ 438)، الوسيط (4/ 497)، روضة الطالبين (6/ 325)، المهذب (1/ 359)، تحفة المحتاج (7/ 104)، المغني (6/ 311)، الإنصاف (6/ 335)، الشرح الكبير على المقنع (7/ 312)، كشاف القناع (4/ 178)، مطالب أولي النهى (4/ 148)، المبدع (5/ 92)، تصحيح الفروع (4/ 311).

(3)

الوسيط (4/ 497).

(4)

نهاية المطلب (11/ 438).

ص: 98

وإذا أودع فأتلف الصبي فلا ضمان عليه عند أكثر المالكية، والصحيح من مذهب الحنابلة.

واستثنى المالكية من عدم الضمان ما لو صرفه الصبي أو السفيه فيما لابد لهما منه، ولهما مال فيرجع عليهما بالأقل مما أتلفاه أو مما صونا من مالهما

(1)

.

قال ابن شاس المالكي: «من أودع عند صبي شيئًا بإذن أهله أو بغير إذنهم، فأتلفه الصبي أو ضيعه لم يضمن؛ لأنه سلطه عليه، كما لو أقرضه أو باعه، وكذلك السفيه»

(2)

.

وفي التاج والإكليل أن هذا القول قول ابن القاسم

(3)

.

وفي الإنصاف: «وإن أودع الصبي وديعة، فتلفت بتفريطه لم يضمن، وكذلك المعتوه. وهذا هو الصحيح من المذهب»

(4)

.

وقال ابن قدامة: «فإن أودع رجل عند صبي أو معتوه وديعة، فتلفت، لم يضمنها، سواء حفظها أو فرط في حفظها»

(5)

.

وقسم الشافعية التلف إلى ثلاثة أقسام:

جاء في الحاوي الكبير: «وإذا دفع الرجل وديعة إلى صبي استودعه إياها كان

(1)

حاشية الدسوقي (3/ 296)، شرح ميارة (2/ 189).

(2)

عقد الجواهر الثمينة (2/ 850).

(3)

التاج والإكليل (5/ 267).

(4)

الإنصاف (6/ 335 - 336).

(5)

المغني (6/ 311).

ص: 99

مغررا بماله، لأن الصبي لا يباشر حفاظ ماله فكيف مال غيره، فإن تلفت في يد الصبي لم يخل تلفها من ثلاثة أقسام:

أحدها: أن تتلف بغير تفريط ولا جناية فلا ضمان عليه فيها، لأن البالغ لا يضمنها.

والثاني: أن تتلف بتفريط منه فلا ضمان عليه، وإن ضمنها البالغ، لأن حفظها لا يلزمه لأن صاحبها هو المفرط دونه.

والقسم الثالث: أن تتلف بجنايته، ففي وجوب ضمانها في ماله وجهان:

أحدهما: أنها غير مضمونة عليه، لأن مالكها هو الذي سلطه على استهلاكها فصار كما لو باعه شيئا فاستهلكه لم يضمنه.

والوجه الثاني: أنها مضمونة في ماله، لأن الائتمان عليها ليس بإذن في استهلاكها

»

(1)

.

وقد بين السيوطي القاعدة في ذلك، فقال:«كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط إلا الصبي المميز فإنه يضمنها بالإتلاف على الأظهر، ولا يضمنها بالتفريط قطعًا؛ لأن المفرط هو الذي أودعه»

(2)

.

° الراجح:

مسألة الإيداع والضمان ترجع إلى مسألتين:

الأولى: هل يدفع المال إلى الصبي للاختبار قبل البلوغ، حتى إذا بلغ كان

(1)

الحاوي الكبير (8/ 384).

(2)

الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 468).

ص: 100

الولي على معرفة بأهلية الصبي لدفع المال، أو لا يدفع المال إليه، وإنما يختبر عن طريق السوم، والمفاوضة، والقبول يترك للولي، والأول مذهب الجمهور، والثاني مذهب الشافعية، وقد بينت في عقد البيع أن الراجح أن بعض المال لا كله يدفع إلى الصبي إذا راهق البلوغ.

الثانية: هل الإذن له بالتجارة يستلزم الإذن له بالإيداع، والاستيداع، أو لا يستلزم ذلك.

فمن الفقهاء من قال: الإذن بالتجارة يعني الإذن في توابعها، ومنها الإيداع والاستيداع كالحنفية.

ومن الفقهاء من رأى أن دفع بعض المال للاختبار لا يجعل من يد الصبي كيد البالغ الرشيد في حفظ الأموال، وتقبل الأمانات، لأن ذلك ليس إلا للرجل المكلف الرشيد، واختباره لا يعني دفع جميع ماله له، وإنما يدفع جزء قليل من ماله لمصلحته، حتى لو نجح في الاختبار لم يدفع إليه ماله كله حتى يبلغ، وإذا كانت يده ليست صالحة لقبض جميع ماله فكيف تكون يده صالحة لأن تكون حافظة لمال غيره من الناس.

قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6].

وهذا ما عليه أكثر المالكية، والحنابلة، وهو الذي أميل إليه، والله أعلم.

* * *

ص: 101