الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
الوديعة أمانة في يد المودَع
[م-1923] ذهب الأئمة الأربعة الحنفية، والمالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة إلى أن الوديعة أمانة في يد الوديع
(1)
.
قال ابن نجيم الحنفي، وابن رشد المالكي، والشيرازي الشافعي، وابن قدامة الحنبلي:«الوديعة أمانة»
(2)
.
وإنما كانت الوديعة أمانة؛ لأن صاحبها ائتمن المودع على حفظها، فاطمأن له.
واستدل الفقهاء بأن الوديعة أمانة بالسنة، والإجماع، وأقوال الصحابة، ومن النظر.
(ح-1173) أما السنة، ما رواه ابن ماجه من طريق أيوب بن سويد، عن المثنى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، قال: قال رسول الله عليه السلام: من أودع وديعة فلا ضمان عليه
(3)
.
(1)
فتح القدير لابن الهمام (8/ 485)، تحفة الفقهاء (3/ 171)، بدائع الصنائع (6/ 210)، تبيين الحقائق (5/ 77)، المقدمات الممهدات (2/ 455)، شرح الخرشي (6/ 109)، الشرح الكبير (3/ 419)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 550)، المهذب (1/ 359)، البيان للعمراني (6/ 476)، المغني (6/ 300)، الكافي لابن قدامة (2/ 374).
(2)
الفوائد الزينية (ص: 157)، المقدمات الممهدات (2/ 455)، المهذب (1/ 359)، الكافي لابن قدامة (2/ 374).
(3)
سنن ابن ماجه (2401)، ومن طريق المثنى رواه الخطيب البغدادي في تلخيص المشتبه (1/ 550).
[ضعيف]
(1)
.
(1)
في إسناده أيوب بن سويد، وهو ضعيف، والمثنى بن الصباح أشد ضعفًا.
ورواه البيهقي معلقًا، قال في سننه (6/ 289):«وروى ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله عليه السلام قال: من استودع وديعة فلا ضمان عليه» .
وهذا فيه علتان: التعليق، وقد وقفت عليه موصولًا.
رواه الجصاص في أحكام القرآن (350) حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا إسماعيل بن الفضل، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب به. وهذا إسناد حسن إلى ابن لهيعة.
ورواه علي بن الحسن الخلعي في (العشرون من الخلعيات)، قال: أخبرنا أبو عبد الله شعيب بن عبد الله بن المنهال قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة الرازي، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج بن عبد الحميد القطان، قال: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب به.
وإسناده إلى ابن لهيعة إسناد حسن أيضًا، وهو يتقوى في الطريق السابق.
العلة الثانية: أن في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف أيضًا.
ونسبه الحافظ لابن حبان في الدراية (2/ 181): ولم أقف عليه.
وروى الدارقطني (3/ 41) ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 289) وابن الجوزي في التحقيق (1832) من طريق عبد الله بن شبيب، حدثني إسحاق بن محمد، أخبرنا يزيد بن عبد الملك، عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله عليه السلام قال: لا ضمان على مؤتمن.
وفي إسناده: عبد الله بن شبيب: متروك الحديث، ويزيد بن عبد الملك مثله، والحجبي ضعيف، وإسحاق بن محمد سيء الحفظ، فهو مسلسل بالضعفاء، إلا أن الجصاص رواه بإسناد أحسن من هذا، فقد رواه في أحكام القرآن (351) حدثنا عبد الباقي بن قانع، قال: حدثنا إبراهيم بن هشام، قال: حدثنا محمد بن عون، قال: حدثنا عبد الله بن نافع، عن محمد بن نبيه الحجبي، عن عمرو بن شعيب به.
وهذا إسناده حسن لولا محمد بن نبيه الحجبي، وهو كما سبق ضعيف.
وجه الاستدلال:
دل الحديث على نفي الضمان عن الوديع؛ فدل ذلك على أنها أمانة في يده، وهكذا سائر الأمانات لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط.
الدليل الثاني:
(ح-1174) ما رواه الدارقطني من طريق عمرو بن عبد الجبار، عن عبيدة بن حسان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده، عن النبي عليه السلام، قال: ليس على المستعير غير المغل ضمان، ولا على المستودع غير المغل ضمان.
قال الدارقطني: عمرو وعبيدة ضعيفان، إنما يروى عن شريح القاضي غير مرفوع
(1)
.
قلت: هو في مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح عن شريح من قوله
(2)
.
وجه الاستدلال:
وجه الاستدلال بهذا الحديث كالاستدلال بالحديث السابق، وأن نفي الضمان على الوديع دليل على أن الوديعة في يده أمانة، والله أعلم.
الدليل الثالث:
(ث-295) ما رواه البيهقي من طريق حجاج بن أرطأة، عن أبي الزبير،
عن
(1)
سنن الدارقطني (3/ 41)، وهذا ضعيف جدًا، في إسناده عبيدة بن حسان متروك الحديث، وعمرو بن عبد الجبار ضعيف.
(2)
رواه عبد الرزاق في المصنف (14782) قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن شريح، قال: سمعته يقول:
…
وذكره.
جابر، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قضى في وديعة كانت في جراب، فضاعت من خرق الجراب ألا ضمان فيها
(1)
.
[ضعيف، لضعف حجاج بن أرطاة].
الدليل الرابع:
(ث-296) روى البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد، ثنا سفيان، عن جابر، عن القاسم بن عبد الرحمن،
أن عليا وابن مسعود رضي الله عنهما قالا: ليس على مؤتمن ضمان
(2)
.
[ضعيف من أجل جابر الجعفي].
وجه الاستدلال من الأثرين السابقين أن نفي الضمان على الوديع دليل على أنها في يده أمانة، والأمانات غير مضمونة.
الدليل الخامس:
من الإجماع، قال أبو إسحاق الشيرازي:«الوديعة أمانة في يد المودَع، فإن تلفت من غير تفريط لم يضمن .... وهو إجماع فقهاء الأمصار»
(3)
.
وقال الوزير ابن هبيرة: «واتفقوا على أن الوديعة أمانة
…
وأن الضمان لا يجب على المودع إلا بالتعدي»
(4)
.
(1)
سنن البيهقي (6/ 289).
(2)
سنن البيهقي (6/ 289).
(3)
المهذب (1/ 359).
(4)
الإفصاح (2/ 23).
الدليل السادس:
من النظر، وهو أن الوديع قبض المال لمصلحة مالكها، وهو منه معروف وإحسان، فلا ضمان عليه، فلو ضمن مطلقًا لزهد الناس في قبولها.
القول الثاني:
أن الوديعة أمانة في يد المودع إلا أن تلفت وحدها من بين ماله فإنه يضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط، وبه قضى عمر بن الخطاب
(1)
، وهو رواية عن أحمد، وقال به إسحاق
(2)
.
قال الزركشي: ينبغي أن يكون محل الرواية إذا ادعى التلف، أما إن ثبت التلف ـ يعني بلا تعد ولا تفريط ـ فإنه ينبغي انتفاء الضمان رواية واحدة
(3)
.
وسوف يأتي إن شاء الله تعالى مناقشة هذا القول في ضمان الوديعة، وإنما البحث هنا مخصص لبيان أن الوديعة أمانة، والضمان أثر مرتب على هذا التوصيف، فإذا قيل بالضمان ولو لم يتعد أو يفرط خرج العقد في هذه الصورة من كونه أمانة. والله أعلم
* * *
(1)
سيأتينا إن شاء الله تعالى تخريج أثر عمر عند الكلام على أدلة المسألة.
(2)
الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (6/ 331).
(3)
الإنصاف (6/ 317).