المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها - المعاملات المالية أصالة ومعاصرة - جـ ١٩

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌عقد الوديعة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف الوديعة

- ‌المبحث الثانيتوصيف عقد الوديعة

- ‌الفرع الثانيالوديعة من عقود الأمانات

- ‌مسألةزوائد الوديعة أمانة كأصلها

- ‌الفرع الثالثالوديعة من العقود الجائزة

- ‌الفرع الرابعالوديعة من عقود التبرع

- ‌المبحث الثالثفي حكم الوديعة

- ‌الفرع الأولحكم الوديعة الوضعي

- ‌الفرع الثانيحكم الوديعة التكليفي

- ‌الباب الأولأركان الوديعة

- ‌الفصل الأولخلاف العلماء في أركان الوديعة

- ‌الفصل الثانيفي انعقاد الوديعة بالمعاطاة

- ‌الفصل الثالثفي انعقاد الإيداع بالإشارة

- ‌الفصل الرابعالاعتماد على الخط في الإيداع

- ‌الفصل الخامسفي تعليق الوديعة وإضافتها إلى المستقبل

- ‌الباب الثانيفي شروط الوديعة

- ‌الفصل الأولفي شروط ا لوديع والمودع

- ‌الشرط الأوليشترط توفر الأهلية فيهما

- ‌المبحث الأولفي إيداع الصبي غير المميز والمجنون

- ‌المبحث الثانيفي إيداع الصبي المميز

- ‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيأن يكون المودِع له ولاية في المال المودع

- ‌الشرط الثالثأن يكون المودَع ممن يصح قبضه للوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط أن يكون المستودَع معينًا

- ‌الشرط الخامسفي اشتراط ألا يكون المودِع محجورًا عليه لمصلحة غيره

- ‌الفصل الثانيفي شروط الأعيان المودعة

- ‌المبحث الأولفي اشتراط مالية العين المودعة

- ‌الشرط الثانيكون الوديعة قابلة لإثبات اليد عليها

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط العلم بالوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط كون الوديعة منقولة

- ‌الباب الثالثفي أحكام الوديعة

- ‌الفصل الأولفي آثار عقد الوديعة

- ‌المبحث الأولوجوب الحفظ على الوديع

- ‌الفرع الأولفي صفة حفظ الوديعة

- ‌المسألة الأولىألا يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثانيةأن يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثالثةفي دفع الوديعة لمن يحفظ ماله

- ‌المطلب الأولفي بيان الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم

- ‌المسألة الرابعةفي استعانة الوديع بغيره في حفظ الوديعة

- ‌المطلب الأولأن يستعين بالأجنبي بدون عذر

- ‌المطلب الثانيأن يودع الوديع الأجنبي لعذر

- ‌الأمر الأولأن يكون العذر حاجته إلى السفر

- ‌الأمر الثانيأن يودع مال غيره خوفًا من حريق أو غرق

- ‌المبحث الثانييجب رد الوديعة متى طلبها صاحبها

- ‌المبحث الثالثالوديعة أمانة في يد المودَع

- ‌الفرع الأولفي الإنفاق على الوديعة

- ‌الفرع الثانيفي صفة الإنفاق

- ‌الفرع الثالثالوديعة لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفرع الرابعفي إتلاف المودع الوديعة

- ‌المسألة الأولىفي الحكم التكليفي

- ‌المسألة الثانيةالحكم الوضعي لتعدي الوديع

- ‌المسألة الثالثةفي ارتفاع الضمان برجوعه عن التعدي

- ‌المسألة الرابعةفي ضمان الوديع إذا نوى التعدي ولم يفعل

- ‌الفرع الخامسفي اشتراط الضمان على الوديع

- ‌الفصل الثانيفي تصرفات الوديع بالوديعة

- ‌المبحث الأولفي خلط الوديعة بغيرها

- ‌الفرع الأولأن يكون الخلط بغير فعل الوديع

- ‌الفرع الثانيأن يكون الخلط بإذن صاحبها

- ‌الفرع الثالثأن يكون الخلط بدون إذن صاحبها

- ‌المسألة الأولىفي خلط الوديعة بمال آخر مع إمكان التمييز

- ‌المسألة الثانيةفي خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز

- ‌المسألة الثالثةإذا خلط الوديعة بمال لصاحبها

- ‌المبحث الثانيفي اقتراض المودع من الوديعة

- ‌الفرع الأولإذا اقترض من الوديعة ثم تراجع عن الاقتراض

- ‌الفرع الثانيإذا اقترض من الوديعة ثم رد بدله

- ‌المسألة الأولىأن يكون البدل متميزًا عن باقي الوديعة

- ‌المسألة الثانيةأن يكون البدل غير متميز عن باقي الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رهن المودِع للوديعة

- ‌المبحث الرابعفي الاتجار بالوديعة

- ‌الفرع الأولفي الاتجار بها دون إذن من المالك

- ‌المسألة الأولىالحكم التكليفي في اتجار الوديع بالوديعة

- ‌المسألة الثانيةفي استحقاق الربح إذا اتجر بالوديعة بدون تفويض

- ‌المبحث الخامسفي تأجير الوديعة

- ‌الفصل الثالثفي الاختلاف بين المالك والوديع

- ‌المبحث الثانيإذا اختلفا في الرد

- ‌المبحث الثالثإذا اختلفا في التعدي والتفريط

- ‌المبحث الرابعفي مطالبة الوديع باليمين إذا ادعى التلف

- ‌المبحث الخامسإذا اختلفا في الأمر بالتصرف في الوديعة

- ‌المبحث السادسإذا تنازع الوديعة رجلان

- ‌الفصل الرابعإذا جحد الوديعة معاملة بالمثل

- ‌الفصل الخامسفي تجهيل الوديعة

- ‌مبحثفي التصرف في الودائع المجهول أصحابها

- ‌الفصل السادسفي تعدد الوديع

- ‌الفصل السابعفي الوديع يكره على تسليم الوديعة

- ‌الفصل الأولفي تعريف الودائع المصرفية

- ‌الفصل الثانيخصائص الودائع النقدية المصرفية

- ‌الفصل الثالثفي توصيف الودائع المصرفية الجارية

- ‌الفصل الرابعإيجار الخزائن الحديدية للإيداع

- ‌المبحث الأولتعريف الخزائن الحديدية

- ‌المبحث الثانيفي التوصيف الفقهي لتأجير الخزائن الحديدية

- ‌الفصل الأولانتهاء عقد الوديعة بالرد

- ‌المبحث الأولفي مؤنة حمل الوديعة وردها

- ‌المبحث الثانيفي امتناع الوديع من رد الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رد الوديعة إلى عيال المالك

- ‌المبحث الرابعفي كيفية رد الوديعة المشتركة

- ‌الفصل الثانيانتهاء الوديعة بالفسخ

- ‌الفصل الثالثانتهاء عقد الوديعة بالموت

- ‌المبحث الأولفي الضمان بتأخير الرد إلى وارث المالك

- ‌المبحث الثانيفي الضمان بتأخير ورثة الوديع الرد إلى المالك

- ‌الفصل الرابعانتهاء عقد الوديعة بالعزل

- ‌المبحث الأولانتهاء عقد الوديعة بعزل المالك للوديع

- ‌المبحث الثانيفي عزل الوديع نفسه

- ‌الفصل الخامسانتهاء عقد الوديعة بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفصل السادسانتهاء عقد الوديعة بزوال الأهلية

- ‌الفصل السابعانتهاء عقد الوديعة بالجحود

- ‌عقد اللقطة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف اللقطة

- ‌المبحث الثانيالفرق بين اللقطة والضالة

- ‌المبحث الثالثفي أركان اللقطة

- ‌الباب الأولفي حكم الالتقاط

- ‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان

- ‌الفصل الثانيفي التقاط الحيوان

- ‌المبحث الأولفي التقاط ما يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء

- ‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

- ‌المبحث الثالثفي الالتقاط في طريق غير مسلوك

- ‌المبحث الرابعفي لقطة مكة

- ‌الباب الثانيفي أحكام اللقطة

- ‌الفصل الأولفي وجوب تعريف اللقطة

- ‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها

الفصل: ‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها

‌الباب الثاني

في أحكام اللقطة

‌الفصل الأول

في وجوب تعريف اللقطة

‌المبحث الأول

في صفة اللقطة التي يجب تعريفها

[م-1987] قسم العلماء اللقطة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

[م-1988] اليسير الذي لا يتمول، ولا قيمة له، ولا يطلبه صاحبه فهذا لا يجب تعريفه، وحكي إجماعًا.

[م-1989] القسم الثاني: الكثير الذي له قيمة يجب تعريفه قولًا واحدًا إن أخذ للتملك

(1)

.

جاء في القوانين الفقهية في أقسام اللقطة: «الأول اليسير جدًا كالتمرة فلا يعرف، ولواجده أن يأكله أو يتصدق به ....

(1)

تبيين الحقائق (3/ 304)، المقدمات الممهدات (2/ 480)، المهذب (1/ 430)، مغني المحتاج (2/ 414)، شرح الزركشي (2/ 214)، منار السبيل (1/ 426).

ص: 489

الثالث: الكثير الذي له بال فيجب تعريفه سنة باتفاق»

(1)

.

وقال الشيرازي: «وإن كانت اللقطة مما لا يطلب كالتمرة واللقمة لم تعرَّف»

(2)

.

وفي الشرح الكبير على المقنع: «ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في إباحة اليسير والانتفاع به

قال شيخنا وليس عن احمد تحديد اليسير الذي يباح»

(3)

.

(ح-1212) والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم من طريق منصور، عن طلحة،

عن أنس رضي الله عنه، قال: مر النبي عليه السلام، بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن تكون من صدقة لأكلتها

(4)

.

قال ابن بطال: «دل هذا الحديث على إباحة الشاء التافه الملتقط، وأنه معفو عنه، وخارج من حكم اللقطة؛ لأن صاحبه لا يطلبه، فلذلك استحل النبي عليه السلام أكل التمرة لولا شبهة الصدقة.

وقد روى عبد الرزاق أن على بن أبى طالب التقط حبة أو حبتين من رمان من الأرض فأكلها

(5)

.

(1)

القوانين الفقهية (ص: 224).

(2)

المهذب (1/ 430).

(3)

الشرح الكبير على المقنع (6/ 319).

(4)

صحيح البخاري (2055)، وصحيح مسلم (1071).

(5)

رواه عبد الرزاق في المصنف (18643) عن مالك بن مغول، قال: سمعت امرأة تقول: التقط علي حبات أو حبة من الرمان فأكلها. وهذا سند ضعيف لإبهام المرأة.

ص: 490

وعن ابن عمر أنه وجد تمرة في الطريق فأخذها فأكل نصفها، ثم لقيه مسكين فأعطاه النصف الآخر»

(1)

.

القسم الثالث:

[م-1990] القليل الذي له قيمة مما يطلبه صاحبه، وهذا فيه خلاف على قولين:

القول الأول:

يعرف القليل والكثير، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية واختاره الخرقي من الحنابلة، على خلاف بينهم في مدة تعريف المال القليل

(2)

.

جاء في الهداية: «فإن كانت أقل من عشرة دراهم عرفها أيامًا، وإن كانت عشرة فصاعدًا عرفها حولًا، قال العبد الضعيف: وهذه رواية عن أبي حنيفة.

(1)

شرح البخاري لابن بطال (6/ 555).

وأثر ابن عمر رواه عبد الرزاق في المصنف (18640) عن معمر، عن عبد الله بن مسلم أخي الزهري، قال: رأيت ابن عمر وجد تمرة .... وذكر بقية الأثر. وهذا إسناد صحيح.

(2)

تبيين الحقائق (3/ 303)، الهداية شرح البداية (2/ 175)، تحفة الفقهاء (3/ 355)، بدائع الصنائع (6/ 202)، فتح القدير لابن الهمام (6/ 121)، المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 437)، شرح البخاري لابن بطال (6/ 553)، المنتقى للباجي (6/ 134)، حاشية الدسوقي (4/ 120)، شرح الخرشي (7/ 124)، منح الجليل (8/ 231)، التاج والإكليل (6/ 72)، البيان والتحصيل (15/ 349)، المقدمات الممهدات (2/ 480)، الذخيرة (9/ 109)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 280)، مواهب الجليل (6/ 73)، بداية المجتهد (2/ 231)، شرح النووي لصحيح مسلم (12/ 22)، مختصر المزني (ص: 135)، الحاوي الكبير (8/ 16)، روضة الطالبين (5/ 410)، نهاية المحتاج (5/ 441)، مغني المحتاج (2/ 414)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 122).

ص: 491

وقوله أيامًا معناه على حسب ما يرى، وقدره محمد في الأصل بالحول من غير تفصيل بين القليل والكثير، وهو قول مالك والشافعي»

(1)

.

وقوله: (وهذه رواية عن أبي حنيفة) قال في العناية شرح الهداية: «يشير إلى أنها ليست ظاهر الرواية، فإن الطحاوي رحمه الله قال: وإذا التقط لقطة فإنه يعرفها سنة سواء كان الشيء نفيسا أو خسيسا في ظاهر الرواية»

(2)

.

فصار الخلاف عند الحنفية ليس في وجوب تعريف القليل، ولكن في مدة تعريفه، وظاهر الرواية أنه يعرف حولًا من غير فرق بين القليل والكثير

(3)

.

وجاء في الاستذكار: «روى مالك وابن القاسم أن اللقطة تعرف سنة ولم يفرق بين قليلها وكثيرها»

(4)

.

وقال ابن عبد البر: «ومن التقط شيئا غير الحيوان ذهبًا أو فضة أو ثوبًا أو غير ذلك من العروض كلها، والطعام الذي له بقاء، وسائر الأموال غير الحيوان ولو درهمًا واحدًا فإنه يلزمه تعريف ذلك سنة كاملة .... وقد قيل: إن الدرهم والدرهمين ونحو ذلك يعرف أياما ويعرف الدينار شهرًا ونحوه وهذا عندي لا وجه له؛ لأن السنة الواردة بتعريف اللقطة لم تفرق بين القليل والكثير»

(5)

.

(1)

الهداية شرح البداية (2/ 175).

(2)

العناية شرح الهداية (6/ 121).

(3)

العناية شرح الهداية (6/ 121)، البناية شرح الهداية (7/ 327)، البحر الرائق (5/ 164)، حاشية ابن عابدين (4/ 278).

(4)

الاستذكار (7/ 248).

(5)

الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 425).

ص: 492

جاء في القوانين الفقهية في أقسام اللقطة: «الأول اليسير جدًا كالتمرة فلا يعرف، ولواجده أن يأكله أو يتصدق به.

الثاني: اليسير الذي ينتفع به، ويمكن أن يطلبه صاحبه فيجب أن يعرف اتفاقًا»

(1)

.

وقال ابن رشد: «الثاني: أن يكون يسيرًا إلا أن له قدرًا ومنفعة وقد يشح به صاحبه ويطلبه، فإن هذا لا اختلاف في وجوب تعريفه؛ إلا أنه يختلف في حده: فقيل سنة كالذي له بال، وهو ظاهر ما حكى ابن القاسم عن مالك في المدونة، وروى عيسى عن ابن وهب في العتبية أنه يعرفه إياها وهو قول ابن القاسم من رأيه في المدونة.

والثالث: أن يكون كثيرًا له بال، فإن هذا لا اختلاف في وجوب تعريفه حولًا كاملًا»

(2)

.

وقال النووي: «وأما الشيء الحقير فيجب تعريفه زمنا يظن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان»

(3)

.

وجاء في مختصر المزني: «وسواء قليل اللقطة وكثيرها»

(4)

.

وفي شرح جلال الدين المحلي على منهاج الطالبين: «والأصح أن الحقير: أي القليل المتمول لا يعرف سنة، بل زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه غالبًا»

(5)

.

(1)

القوانين الفقهية (ص: 224).

(2)

المقدمات الممهدات (2/ 480).

(3)

شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 22).

(4)

مختصر المزني (ص: 135).

(5)

حاشية المحلي على المنهاج مع حاشيتي قليوبي وعميرة (3/ 122).

ص: 493

وقال النووي في الروضة: «إنما يجب تعريف اللقطة إذا جمعت وصفين:

أحدهما: كون الملتقط كثيرًا، فإن كان قليلا، نظر، إن انتهت قلته إلى حد يسقط تموله كحبة الحنطة، والزبيبة، فلا تعريف، ولواجده الاستبداد به، وإن كان متمولًا مع قلته، وجب تعريفه ......

الوصف الثاني: أن يكون شيئا لا يفسد. أما ما يفسد، فضربان:

أحدهما: ألا يمكن إبقاؤه كالهريسة، والرطب الذي لا يتتمر، والبقول. فإن وجده في برية، فهو بالخيار بين أن يبيعه ويأخذ ثمنه، وبين أن يتملكه في الحال فيأكله ويغرم قيمته. وإن وجده في بلدة، أو قرية، فطريقان:

أحدهما: على قولين. أحدهما: ليس له الأكل، بل يبيعه ويأخذ ثمنه لمالكه، لأن البيع متيسر في العمران. والثاني وهو المشهور: أنه كما لو وجد في برية»

(1)

.

قال ابن قدامة: «لم يفرق الخرقي بين يسير اللقطة وكثيرها. وهو ظاهر المذهب، إلا في اليسير الذي لا تتبعه النفس، كالتمرة والكسرة والخرقة، وما لا خطر له، فإنه لا بأس بأخذه والانتفاع به من غير تعريف»

(2)

.

وقال الزركشي: «وظاهر كلام الخرقي أنه يعرف القليل والكثير، وهو ظاهر إطلاق الحديث، ويستثنى من ذلك اليسير، الذي لا تتبعه النفس، كالتمرة،

(1)

روضة الطالبين (5/ 410).

(2)

المغني (6/ 5).

ص: 494

والكسرة، والسوط، ونحو ذلك، فإنه لا يجب تعريفه، ولواجده الانتفاع به»

(1)

.

القول الثاني:

ذهب الحنابلة في المشهور من المذهب إلى تقسيم اللقطة إلى قسمين:

أحدهما: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، ولو كثر، فهذا يملكه آخذه، ولا يجب عليه تعريفه. وهذا هو المذهب. وعليه جماهير الأصحاب.

وقد مثل ابن قدامة لهذا القسم في المقنع: بالسوط والشسع والرغيف

(2)

.

ومثل له في المغني بالعصا والحبل وما قيمته كقيمة ذلك

(3)

.

ومثل له أكثر الحنابلة بالتمرة والكسرة، وشسع النعل (أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين).

قال الحارثي: ما لا تتبعه الهمة نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله، وحنبل: أنه ما كان مثل التمرة، والكسرة، والخرقة، وما لا خطر له. فلا بأس. وقال في رواية ابن منصور: الذي يعرف من اللقطة: كل شيء، إلا ما لا قيمة له.

قال الحارثي: فكلام الإمام أحمد رحمه الله: لا يوافق ما قال في المغني. ولا شك أن الحبل، والسوط، والرغيف: يزيد على التمرة، والكسرة. قال: وسائر

(1)

شرح الزركشي (2/ 214).

(2)

انظر المقنع لابن قدامة، ومعه شرحه المبدع (5/ 273)، الإنصاف (6/ 399).

(3)

المغني (6/ 5).

ص: 495

الأصحاب، على ما قال الإمام أحمد رحمه الله في ذلك كله. ولا أعلم أحدا وافق المصنف، إلا أبا الخطاب في الشسع فقط

(1)

.

وممن رخص من السلف بالسوط والعصى عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم النخعي

(2)

، وروي ذلك عن عائشة

(3)

.

الثاني: كثير، فهذا يجوز أخذه لمن أمن نفسه، وقوي على تعريفها.

جاء في المبدع: «ليس عن أحمد تحديد اليسير الذي يباح، والمعروف في المذهب تقييده بما لا تتبعه همة أوساط الناس ولو كثر»

(4)

.

وفي الإقناع: «اللقطة: وهي اسم لما يلتقط

وينقسم ثلاثة أقسام:

أحدها: ما لا تتبعه همة أوساط الناس: كالسوط والشسع والرغيف والكسرة والثمرة والعصا ونحو ذلك، وما قيمته كقيمة ذلك، فيملك بأخذه وينتفع به آخذه

(1)

الإنصاف (6/ 399)، الإقناع (2/ 397)، المبدع (5/ 273)، شرح منتهى الإرادات (2/ 377)، كشاف القناع (4/ 209)، المغني (6/ 5).

(2)

روى ابن أبي شيبة في المصنف (22082)، قال: حدثنا حاتم بن وردان، عن أيوب، عن عطاء، قال: رخص للمسافر أن يلتقط السوط والعصي والنعلين.

وسنده صحيح.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف (22068) حدثنا وكيع، قال: حدثنا ربيعة بن عتبة الكناني، قال: سمعت عطاء قال: لا بأس أن يلتقط السير والعصا والسوط.

ورجاله ثقات إلا ربيعة بن عتبة، فإنه صدوق، وهي متابعة للإسناد الأول الصحيح.

وروى أيضًا في المصنف (22067)، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كانوا يرخصون من اللقطة في السير، والعصا والسوط.

وسنده صحيح.

(3)

سيأتي تخريج ذلك عنها في الأدلة إن شاء الله تعالى.

(4)

المبدع (5/ 274).

ص: 496

بلا تعريف، والأفضل أن يتصدق به، ولا يلزمه دفع بدله إن وجد ربه ولعل المراد إذا تلف فأما إن كان موجودا ووجد ربه فيلزمه دفعه إليه .....

الثالث: سائر الأموال: كالأثمان والمتاع .... فمن لا يأمن نفسه عليها لا يجوز له أخذها

ومن أمن نفسه عليها وقوى على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها»

(1)

.

° دليل من قال: يعرف القليل والكثير:

(ح-1213) ما رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،

عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه

الحديث

(2)

.

وجه الاستدلال:

قوله: (عرفها سنة) هذا مطلق، يشمل قليل اللقطة وكثيرها.

قال ابن المنذر كما في شرح صحيح البخاري لابن بطال: «ولا أعلم شيئًا استثنى من جملة هذا الخبر إلا التمرة التى منعه من أكلها خشية أن تكون من الصدقة، فما له بقاء مما زاد على التمرة وله قيمة يجب تعريفه»

(3)

.

(1)

الإقناع (2/ 397 - 399).

(2)

صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).

(3)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 554)، وانظر الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (6/ 370).

ص: 497

الدليل الثاني:

(ح-1214) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسرائيل بن يونس، حدثني عمر بن عبد الله بن يعلى، عن جدته حكيمة، عن أبيها يعلى قال يزيد: فيما يروي يعلى بن مرة قال:

قال رسول الله عليه السلام: من التقط لقطة يسيرة، درهما أو حبلا أو شبه ذلك، فليعرفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام

(1)

.

[ضعيف جدًا]

(2)

.

(1)

المسند (4/ 173).

(2)

تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى:

قال أبو زرعة: ليس بقوي. قيل له: وما حاله؟ قال: أسأل الله السلامة، وذكره في الضعفاء والكذابين والمتروكين.

وقال فيه البخاري: يتكلمون فيه.

وقال الدارقطني: متروك.

وقال جرير بن عبد الحميد وزائدة بن قدامة: يشرب الخمر.

وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وفي رواية: ليس بشيء.

وقال البيهقي في السنن (6/ 323): تفرد به عمر بن عبد الله بن يعلى، وقد ضعفه يحيى بن معين، ورماه جرير بن عبد الحميد وغيره بشرب الخمر

تخريج الحديث:

الحديث أخرجه أبو يعلى الموصلي كما في إتحاف الخيرة المهرة (4015)، وابن حبان في ثقاته (2/ 113)، والبيهقي في السنن (6/ 195) من طريق يزيد بن هارون، بهذا الإسناد.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مسنده كما في إتحاف الخيرة المهرة (4011)، والطبراني في الكبير (22/ 273) رقم 700 من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، به. وزاد في آخره: فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها، فإن جاء صاحبها فليخبره.

ص: 498

الدليل الثالث:

(ث-306) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عقبة بن عبيد الله، قال: حدثني ميسرة بن عميرة،

أنه لقي أبا هريرة، فقال: ما تقول في اللقطة؟: الحبل والزمام ونحو هذا، قال: تعرفه، فإن وجدت صاحبه رددته عليه، وإلا استمتعت به

(1)

.

[ضعيف، تفرد بذكر الحبل والزمام فيه عقبة بن عبيد الله، عن ميسرة بن عميرة، ولم أقف على ما يكشف حالهما، والمعروف من أثر أبي هريرة ما رواه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، وليس فيه ذكر الحبل والزمام]

(2)

.

(1)

المصنف (22075).

(2)

وقد روي عن أبي هريرة بإسناد أصح من هذا، وليس فيه ذكر الحبل والزمام.

رواه أبو صالح السمان، واختلف عليه فيه:

فرواه الطحاوي في مشكل الآثار (12/ 128) من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، في الرجل يجد اللقطة قال: يعرفها، فإن لم يجد صاحبها تصدق بها، فإن جاء صاحبها خيره، فإن شاء كان له الأجر، وإن شاء أعطاه الثمن، وكان له الأجر. وهذا إسناد حسن.

ورواه الطبراني في الأوسط (2208)، والصغير (72) والدارقطني في السنن (4/ 182) من طريق خالد بن يوسف بن خالد السمعي، حدثنا أبي، عن زياد بن سعد، عن سمي، عن أبي صالح،

عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام سئل عن اللقطة فقال: لا تحل اللقطة، من التقط شيئا فليعرفه فإن جاء صاحبها فليردها إليه فإن لم يأت فليتصدق بها فإن جاء فليخيره بين الأجر وبين الذي له.

قال الطبراني: لم يروه عن زياد بن سعد إلا يوسف بن خالد تفرد به ابنه عنه.

وهذا إسناد ضعيف جدًا، خالد بن يوسف ضعيف، وأبوه متروك متهم بالكذب والوضع، أسأل الله السلامة.

والمعروف من أثر أبي هريرة ما رواه سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، وليس فيه ذكر الحبل.

وروي بلفظ مختلف من طريق مطرف، عن أبي هريرة، وسوف نذكر الاختلاف فيه عند الكلام على الإشهاد على اللقطة إن شاء الله تعالى.

ص: 499

° دليل من فرق بين اليسير والكثير:

الدليل الأول:

(ح-1215) ما رواه أبو داود من طريق محمد بن شعيب، عن المغيرة بن زياد، عن أبي الزبير المكي، أنه حدثه،

عن جابر بن عبد الله، قال: رخص لنا رسول الله عليه السلام في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به.

قال أبو داود: رواه النعمان بن عبد السلام، عن المغيرة أبي سلمة، بإسناده.

ورواه شبابة، عن مغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كانوا لم يذكر النبي عليه السلام

(1)

.

[ضعيف، واختلف في وقفه ورفعه]

(2)

.

(1)

سنن أبي داود (1717).

(2)

في إسناده المغيرة بن زياد الموصلي، وهو مختلف فيه،

قال فيه أحمد بن حنبل: ضعيف الحديث، له أحاديث منكرة. العلل (1/ 266).

وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: المغيرة بن زياد الموصلي ضعيف الحديث، كل حديث رفعه مغيرة فهو منكر، ومغيرة بن زياد مضطرب الحديث. ضعفاء العقيلي (4/ 175)، سير أعلام النبلاء (7/ 198).

وقال البرقاني: سمعت الدارقطني يقول: مغيرة بن زياد موصلي يحدث عنه وكيع، يعتبر به. وفي سنن الدارقطني (2/ 189)، قال: ليس بالقوي. =

ص: 500

الدليل الثاني:

(ث-307) ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا شريك، عن زهير بن أبي ثابت،

عن سلمى، ولا أراها إلا ابنة كعب، قالت: وجدت خاتمًا في طريق مكة فسألت عائشة، فقالت: تمتعي به

(1)

.

[ضعيف]

(2)

.

= وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين.

وقال البيهقي: غير قوي، ومرة: ليس بالقوي.

وقال أبو زرعة: شيخ، ومرة في حديثه اضطراب، ومرة: شيخ لا يحتج بحديثه.

وقال البخاري: قال وكيع: ثقه، وقال غيره: في حديثه اضطراب.

وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، له حديث واحد منكر، وقال مرة: ثقة.

وقال النسائي: ليس به بأس، ومرة: ليس بالقوي.

وفي التقريب: صدوق له أوهام.

تخريج الحديث:

ورواه الطبراني في المعجم الأوسط (9262) من طريق محمد بن شعيب به.

ورواه مغيرة بن مسلم، وهو أمثل من المغيرة بن زياد إلا أنه قد اختلف عليه فيه:

فرواه النعمان بن عبد السلام كما في طبقات المحدثين بأصبهان (619) وأخبار أصبهان لأبي نعيم (2/ 100) عن مغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير به مرفوعًا.

ورواه شبابة عن مغيرة بن مسلم كما في سنن أبي داود، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كانوا لم يذكر النبي عليه السلام.

قال البيهقي في السنن (6/ 195): «قال الشيخ: في رفع هذا الحديث شك، وفي إسناده ضعف» .

(1)

المصنف (22080).

(2)

في إسناده شريك، وهو سيء الحفظ.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف (22071) من طريق جابر، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة أنها رخصت في اللقطة في درهم.

وإسناده ضعيف جدًا، فيه جابر بن يزيد الجعفي.

ص: 501

الدليل الثالث:

قال البخاري: باب إذا وجد خشبة في البحر أو سوطًا أو نحوه.

ثم ذكر البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله عليه السلام أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، وساق الحديث: فخرج ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا هو بالخشبة، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة

(1)

.

وجه الاستدلال:

قال ابن حجر في الفتح: «أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأت في شرعنا ما يخالفه، ولا سيما إذا ساقه الشارع مساق الثناء على فاعله فبهذا التقدير تم المراد من جواز أخذ الخشبة من البحر»

(2)

.

وألحق البخاري السوط بالخشبة، وإن لم يكن في الأثر دليل على السوط.

الدليل الرابع:

(ح-1216) ما رواه البخاري ومسلم من طريق منصور، عن طلحة، عن أنس رضي الله عنه، قال: مر النبي عليه السلام، بتمرة مسقوطة فقال: لولا أن تكون من صدقة لأكلتها

(3)

.

ويناقش:

بأن الفقهاء لم يختلفوا في مثل التمرة والكسرة يجدها في الطريق أنه يأخذها،

(1)

ذكره البخاري هنا معلقًا، وأسنده في البيوع، فهو على شرطه.

(2)

فتح الباري (5/ 85).

(3)

صحيح البخاري (2055)، وصحيح مسلم (1071).

ص: 502

وهذه الأشياء لا قيمة لها، ولا تتمول، قال الحارثي: لا شك أن الحبل، والسوط، والرغيف: يزيد على التمرة، والكسرة

(1)

.

وكان ابن عمر رضي الله عنه ممن يرى ترك اللقطة ومع ذلك كان يأخذ التمرة فيأكلها، وسبق تخريج كل ذلك عنه فيما سبق.

° الراجح:

أن ما لا قيمة له، أو كانت قيمته يسيرة يجوز التقاطه، ولا يجب تعريفه كالتمرة، والسوط ونحوهما، قولنا: لا يجب تعريفه لا يعني المنع من التعريف، وإنما يعني نفي الوجوب فقط، وعلى هذا إذا أراد الملتقط تعريفها فله ذلك، وأن ما له قيمة مقصودة يشح بها صاحبها، فهذا يجب تعريفه على من أخذه، والله أعلم.

* * *

(1)

الإنصاف (6/ 399)، الإقناع (2/ 397)، المبدع (5/ 273)، شرح منتهى الإرادات (2/ 377)، كشاف القناع (4/ 209)، المغني (6/ 5).

ص: 503