الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في التقاط الحيوان
المبحث الأول
في التقاط ما يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء
الالتقاط شرع لمصلحة المالك لهذا نهي عن التقاط ضالة الإبل.
[م-1983] اختلف العلماء في ضالة الإبل، وكذا كل حيوان يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء على قولين:
القول الأول:
يجوز التقاط الإبل وغيرها من الحيوانات، والأفضل أن يأخذها ويعرفها كغيرها، ولا يتركها تضيع، وهذا مذهب الحنفية، وقيده بعض المالكية فيما إذا خاف عليها من أخذ خائن كما لو كان في فساد من الزمان، وعليه حمل فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه
(1)
.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «ويجوز التقاط الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات»
(2)
.
(1)
المبسوط (11/ 10)، تحفة الفقهاء (3/ 356)، بدائع الصنائع (6/ 200)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 34)، البيان والتحصيل (15/ 360)، بداية المجتهد (2/ 231)، حاشية الدسوقي (4/ 122).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 34).
جاء في حاشية الدسوقي: «أما في الزمن الذي فسد فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لربها، فإذا أيس منه تصدق به كما فعل عثمان لما دخل الناس في زمنه الفساد وقد روي ذلك عن مالك»
(1)
.
القول الثاني:
ذهب المالكية إلى أن الاختيار في ضالة الإبل تركها، فإن أخذها وجب تعريفها، فإن لم تعرف ردت حيث وجدت
(2)
.
وهذا حكم ضالة الإبل في جميع الأزمنة في مشهور المذهب، وقيل: إنما هو في زمان العدل، وأن الأفضل في زمان غير العدل التقاطها
(3)
.
وروى ابن وهب، قال: سمعت مالكًا والليث يقولان في ضالة الإبل: من وجدها في القرى أخذها، وعرفها، ومن وجدها في الصحارى فلا يقربها
(4)
.
جاء في بداية المجتهد: «القسم الثالث: فهو كالإبل، أعني أن الاختيار عنده فيه الترك للنص الوارد في ذلك، فإن أخذها وجب تعريفها، والاختيار تركها.
وقيل في المذهب: هو عام في جميع الأزمنة. وقيل: إنما هو في زمان العدل، وأن الأفضل في زمان غير العدل التقاطها»
(5)
.
(1)
حاشية الدسوقي (4/ 122).
(2)
المقدمات الممهدات (2/ 481)، بداية المجتهد (2/ 231)، الذخيرة للقرافي (9/ 98)، الخرشي (7/ 127)، حاشية الدسوقي (4/ 122)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 176).
(3)
بداية المجتهد (2/ 231).
(4)
الاستذكار (7/ 245).
(5)
المرجع السابق.
وجاء في حاشية الدسوقي: «المعتمد من مذهب مالك تركها مطلقًا قال في المقدمات بعد أن ذكر عدم التقاط الإبل، قيل: إن ذلك في جميع الزمان، وهو ظاهر قول مالك في المدونة والعتبية.
وقيل: هو خاص بزمن العدل، وصلاح الناس، وأما في الزمن الذي فسد فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف، فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لربها فإذا أيس منه تصدق به كما فعل عثمان لما دخل الناس في زمنه الفساد وقد روي ذلك عن مالك أيضًا»
(1)
.
القول الثالث:
ذهب الشافعية إلى أن ضالة الإبل، وكذا كل حيوان يدفع عن نفسه صغار السباع إما بقوة جسمه كالخيل والبقر والحمير، وإما بعدوه كالغزال، والأرنب أو بجناحه كالطير، فهذا النوع إن وجد في الصحراء الآمنة فلا يجوز التقاطها للتملك.
هذا حكم التقاطها للتملك، وأما حكم التقاطها للحفظ؟
فإن كان الواجد هو السلطان جاز؛ لأن للسلطان ولاية في حفظ مال الغائب من المسلمين.
وإن كان الواجد لها من الرعية ففيه وجهان:
أصحهما يجوز؛ لأنه يأخذها للحفظ على صاحبها فجاز كالسلطان، وهو المنصوص لئلا يأخذها خائن فتضيع.
(1)
حاشية الدسوقي (4/ 122).
فإن أخذها للتملك ضمنها؛ لأنه تعدى بأخذها فضمنها كالغاصب، ولا يبرأ عن الضمان بالرد إلى ذلك الموضع.
وإن دفعها إلى السلطان ففيه وجهان أصحهما أنه يبرأ وهو المذهب؛ لأن للسلطان ولاية على الغائب في حفظ ما يخاف عليه من ماله، ولهذا لو وجدها السلطان جاز له أخذها للحفظ على مالكها، فإذا أخذها غيره وسلمها إليه برئ من الضمان.
وإن وجدها في صحراء غير آمنة بأن كان الزمن زمن نهب جاز التقاطه للحفظ والتملك.
وإن وجدها في بلدة أو قرية، أو في موضع قريب منها فوجهان، أو قولان:
أحدهما: لا يجوز التقاطها للتملك كالمفازة.
وأصحهما: جوازه؛ لأنها في العمارة تضيع بتسلط الخونة، هذا تفصيل مذهب الشافعية
(1)
.
وملخصه: جواز التقاطها للحفظ مطلقًا في الصحراء والمصر.
ولا يجوز التقاطها للتملك في الصحراء الآمنة، ويجوز للحفظ في الأصح.
ويجوز في الأصح التقاطها في المصر مطلقًا للتملك أو للحفظ، ومثله في الصحراء إذا لم تكن آمنة كما لو كان الزمن زمن نهب.
(1)
الحاوي الكبير (8/ 5 - 6، 26)، المهذب (1/ 431)، روضة الطالبين (5/ 403)، أسنى المطالب (2/ 489)، البيان للعمراني (7/ 539 - 540)، حاشية الجمل (3/ 605 - 606)، إعانة الطالبين (3/ 249)،.
جاء في روضة الطالبين: «ما يمتنع من صغار السباع بفضل قوته، كالإبل، والخيل، والبغال، والحمير، أو بشدة عدوه كالأرانب، والظباء المملوكة، أو بطيرانه كالحمام، فإن وجدها في مفازة، فللحاكم ونوابه أخذها للحفظ. وفي جواز أخذها للآحاد للحفظ وجهان:
أصحهما عند الشيخ أبي حامد، والمتولي، وغيرهما: جوازه، وهو المنصوص، لئلا يأخذها خائن فتضيع.
وأما أخذها للتملك، فلا يجوز لأحد، فمن أخذها للتملك ضمنها، ولا يبرأ عن الضمان بالرد إلى ذلك الموضع.
فإن دفعها إلى القاضي، برئ على الأصح.
وإن وجدها في بلدة أو قرية، أو في موضع قريب منها، فوجهان أو قولان. أحدهما: لا يجوز التقاطها للتملك كالمفازة. وأصحهما: جوازه، لأنها في العمارة تضيع بتسلط الخونة.
وقيل: يجوز قطعًا.
وقيل: لا يجوز قطعا. فإن منعنا، فالتقاطها بقصد التملك كما ذكرنا في التقاطها من الصحراء
…
هذا كله إذا كان زمان أمن. فأما في زمن النهب، والفساد، فيجوز التقاطها قطعًا، وسواء وجدت في الصحراء أو العمران»
(1)
.
القول الرابع:
ذهب الحنابلة إلى أن ما يمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال
(1)
روضة الطالبين (5/ 402 - 403).
لا يجوز التقاطه بلا نزاع، ويجوز للإمام أو نائبه أخذه وحفظه لربه، ولا يلزمه تعريفه، ولا يجوز لغيرهما أخذ شيء من ذلك لحفظه لربه على الصحيح من المذهب.
واختار ابن قدامة ومن تبعه جواز أخذها إذا خيف عليها كما لو كانت في أرض مسبعة، أو قريبًا من دار حرب، أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين، أو في صحراء لا ماء فيها ولا مرعى، ولا ضمان على آخذها؛ لأنه إنقاذ لها من الهلاك. قال المرداوي: ولو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه لكان له وجه
(1)
.
هذا تحرير المسألة في كل مذهب من المذاهب المشهورة، وملخص الأقوال:
القول الأول:
أن ضالة الإبل كغيرها يجوز التقاطها للتملك، وهذا مذهب الحنفية.
القول الثاني:
ضالة الإبل تترك مطلقًا في الصحراء والبنيان، سواء قلنا: إن الترك هو الأفضل كما في مذهب المالكية، أو قلنا: إن الترك واجب كما هو مذهب الحنابلة.
القول الثالث:
التفريق بين الصحراء الآمنة وبين المصر، وبين التقاطها للتملك وبين التقاطها للحفظ.
(1)
الإنصاف (6/ 402 - 403)، الكافي لابن قدامة (2/ 357)، المبدع (5/ 274)، المغني (6/ 31)، شرح منتهى الإرادات (2/ 377)، كشاف القناع (4/ 210).
فيجوز التقاطها للحفظ مطلقًا في الصحراء والمصر.
ويجوز في الأصح التقاطها في المصر مطلقًا للتملك والحفظ.
ولا يجوز التقاطها للتملك في الصحراء الآمنة، ويجوز للحفظ في الأصح. وهذا مذهب الشافعية.
وأجاز مالك في رواية، وهو قول الليث التقاطها للتعريف في المصر دون الصحراء.
القول الرابع:
يجوز للإمام أو نائبه أخذها وحفظها لربها، وبه قال الشافعية والحنابلة.
القول الخامس:
يجوز أخذها إذا خيف عليها، ولو كانت في الصحراء وهو مذهب الشافعية، واختاره ابن قدامة من الحنابلة. لأنه إنقاذ لها من الهلاك.
° دليل من قال: ضالة الإبل كغيرها يجوز التقاطها:
(ث-301) ما رواه مالك، يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار، أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرًا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات، فقال له ثابت: إنه قد شغلني عن ضيعتي، فقال له عمر: أرسله حيث وجدته
(1)
.
[صحيح]
(2)
.
(1)
الموطأ (2/ 759).
(2)
والأثر أخرجه مالك في الموطأ كما في إسناد الباب، وعبد الرزاق في المصنف (10/ 133)، وابن أبي شيبة في المصنف (21675)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 160)، وفي شرح معاني الآثار (4/ 138)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 191) عن يحيى بن سعيد، عن سليمان بن يسار به.
ورواه أيوب، عن سليمان بن يسار به، كما في مصنف عبد الرزاق (18609).
وجه الاستدلال:
(1)
.
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن هذا الحكم من عمر مخالف للمرفوع عن النبي عليه السلام، ولا حجة في قول الصحابي إذا كان مخالفًا للسنة المرفوعة.
الوجه الثاني:
لو كانت ضالة الإبل في حكم اللقطة لما قال عمر (أرسله حيث وجدته) لأن من أخذ لقطة فعرفها لم يطلب منه إرسالها إذا لم يجد صاحبها، فلما طلب عمر أن يرسلها حيث وجدها دل على اختلاف ضالة الإبل عن غيرها من أحكام اللقطة، نعم قد يكون حجة للمالكية على أن النهي عن أخذ ضالة الإبل للتعريف ليس للتحريم، ولكن إن أخذها لم يملكها بالتعريف بخلاف غيرها، فإن وجد
(1)
مشكل الآثار (12/ 160).
صاحبها وإلا أرسلها خلافًا للحنابلة الذين قالوا: إن النهي للتحريم، والله أعلم.
° دليل المالكية على أن المختار تركها، فإن أخذها عرفها ولم يملكها:
(ح-1202) استدلوا على أن المختار تركها بما رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،
عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله عليه السلام حتى احمرت وجنتاه - أو احمر وجهه - ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، حتى يلقاها ربها
(1)
.
فاشتمل الحديث على نوعين من اللقطة:
أحدها: المال من غير الحيوان، وحكمه أن يعرفه سنة، ثم يتصرف فيه.
الثاني: الحيوان، هو على نوعين:
أحدهما: ضالة الغنم، ومثله كل حيوان لا يمتنع بنفسه عن صغار السباع، فهذا النوع مأمور بتملكها في الحال، وعلل ذلك بأنه إن لم يأخذها أكلها الذئب، وفي هذا ضياع للمال بلا فائدة ترجع لصاحبها.
الثاني: ضالة الإبل، فنهى عن أخذها، وعلل ذلك بأن معها حذاءها وسقاءها، حتى يلقاها ربها، وهذا النهي ليس على سبيل التحريم لفهم عمر بن
(1)
صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).
الخطاب وعثمان بن عفان، وهما خليفتان راشدان، وقد أمرنا باتباع سنتهما، وليس تصرفهما مخالفًا للسنة المرفوعة، وإنما هو مبين لها.
فإن أخذها لم يتملكها بالحال كالغنم، ولا يملك التصرف فيها بعد التعريف كما يتملك لقطة المال من غير الحيوان.
(ث-302) فقد روى مالك في الموطأ من طريق سليمان بن يسار،
أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره، أنه وجد بعيرًا بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات، فقال له ثابت: إنه قد شغلني عن ضيعتي، فقال له عمر: أرسله حيث وجدته
(1)
.
فدل هذا الأثر على أنه يجوز أخذها وإحرازها لصاحبها، وحفظها لمالكها، فليست كالغنم يتملكها بمجرد أخذها، وليست كالذهب والفضة يتصرف فيها بعد القيام بتعريفها، فالنهي في الحديث محمول على من أخذها ليتملكها بالتعريف، فنهاه عن ذلك.
وقد باع عثمان ضوال الإبل وحبس أثمانها على أربابها، فدل على جواز أخذها لأربابها.
(ث-303) فقد روى مالك، أنه سمع ابن شهاب يقول:
كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلا مؤبلة تَنَاتَج، لا يمسها أحد، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان، أمر بتعريفها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها. أعطي ثمنها
(2)
.
(1)
الموطأ (2/ 759)، وسبق تخريجه في أدلة القول الأول.
(2)
الموطأ (2/ 759)، ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في السنن (6/ 191).
ورواه عبد الرزاق في المصنف (18607) عن معمر، عن ابن شهاب.
[منقطع، الزهري لم يدرك عمر ولا عثمان].
ويجاب عن ذلك بأكثر من وجه:
الوجه الأول: أن الأثر ضعيف.
الوجه الثاني: أن عثمان هو الإمام، والإمام نائب عن آحاد المسلمين في حفظ أموالهم، والقيام على مصالحهم، وما أقامه المسلمون إمامًا إلا من أجل مصالحهم في الدين والدنيا، ومنها حفظ المال الضال لصاحبه، فكان كيد الوكيل بالنسبة للموكل بخلاف آحاد الرعية فلا يأخذ ضالة الإبل.
الوجه الثالث: أن عثمان رأى أن الناس قد دبَّ إليهم فساد الأخلاق والذمم، وامتدت أيديهم إلى الحرام، فأخذ بالمقصود الشرعي من التفريق بين ضالة الإبل وبين ضالة الغنم، فالحديث واضح في أنَّ الفرق بين الغنم وبين الإبل عدم الأمن على الأولى، والأمن على الثانية، والحكم المُعلَّلُ بعلة يتغير إذا تغيرت تلك العلة، فكان معنى الحديث: لا تلتقط الإبل الضالة ما دمت آمنة، ومفهومه، التقطها إذا كانت غير آمنة أو غير مأمونة.
° دليل من قال: لا يجوز التقاط ضالة الإبل مطلقًا:
(ح-1203) استدلوا بحديث زيد بن خالد الجهني المتقدم: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن ضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله عليه السلام حتى احمرت وجنتاه - أو احمر وجهه - ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، حتى يلقاها ربها
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).
وجه الاستدلال:
أن غضب النبي عليه السلام واحمرار وجهه كل ذلك يدل على أن النهي للتحريم، وليس للكراهة.
° دليل من فرق بين الصحراء الآمنة وبين المصر:
استدلوا بحديث زيد بن خالد رضي الله عنه في الصحيح: أن أعرابيا سأل النبي عليه السلام عن اللقطة، والضالة، وفيه: وسأله عن ضالة الإبل؟ فتمعر وجهه، وقال: ما لك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء، وتأكل الشجر، دعها حتى يجدها ربها، وسأله عن ضالة الغنم؟ فقال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن قوله عليه السلام في ضوال الإبل معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر يختص بالبادية التي يكون فيها الماء والشجر دون المصر، وهي تمنع صغار السباع عن أنفسها في البادية ولا تقدر على منع الناس في المصر. والشاة تؤكل في البادية؛ لأن الذئب يأكلها، وهو لا يأكلها في المصر فاختلف معناهما في البادية والمصر فاختلف حكمهما
(2)
.
° دليل القائلين بأن أخذها للحفظ لا للتملك جائز مطلقًا:
أن أخذ مال الغير بنية إحرازه وحفظه لصاحبه من باب التعاون على البر والتقوى، وإنما فارقت ضالة الإبل غيرها كالغنم والدراهم، فإن الغنم له أن
(1)
صحيح البخاري (2438)، ومسلم (1722).
(2)
انظر الحاوي الكبير (8/ 26).
يتملكها، وكذا الدراهم إذا قام بتعريفها، بخلاف الإبل فإنه لما كان لا خوف عليها من السباع والعطش لم تلحق بالغنم والدراهم، ونهي عن أخذها بنية أكلها أو التصرف فيها.
° دليل من قال: إذا خاف على الإبل جاز التقاطها:
حديث زيد بن خالد الجهني المتقدم واضح في أنَّ الفرق بين الغنم وبين الإبل عدم الأمن على الأولى، والأمن على الثانية، والحكم المُعلَّلَ بعلة يتغير إذا تغيرت تلك العلة، فكان معنى الحديث: لا تلتقط الإبل الضالة ما دمت آمنة، ومفهومه، التقطها إذا كانت غير آمنة أو غير مأمونة، ولأن الشارع لما أمر بترك الإبل كان مقصوده وصولها إلى ربها، وقد كان في ترك الإبل في ذلك الوقت سبيل لرجوع المال إلى صاحبه، فإذا تغير الزمان، وصار تركها طريقًا لتلفها كان الالتقاط هو المتعين لتحقق مقصود الشارع به، وهو وصوله إلى ربه، وأقصى ما في حديث زيد بن خالد الجهني أن يكون عامًا في كل الأوقات خص منه بعض الوقت بضرورة العقل.
هذا ما وقفت عليه من الأقوال وأدلتها، والله أعلم.
° الراجح:
أخذ لقطة الإبل وغيرها من الحيوانات التي ترد الماء، ولا يخاف عليها من الجوع منهي عنه بالأحاديث الصحيحة، وإذا كان هناك عارض يدعو لأخذها خوفًا عليها من الهلاك أو السرقة جاز أخذها لمصلحة ربها، إلا أن ذلك لا يعني أنه يتملكها بالتعريف، والله أعلم.
* * *