الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
توصيف عقد الوديعة
الفرع الأول
الوديعة عقد وليس إذنًا في الحفظ
الأمانة إن قامت على الإيجاب والقبول كانت عقدًا كالوديعة، وإن قامت على تصرف منفرد كالالتقاط كانت إذنًا في الحفظ.
[م-1884] اختلف الفقهاء في الوديعة، هل هي عقد، أو مجرد إذن في الحفظ؟ على قولين:
القول الأول:
أن الوديعة عقد يقوم على حفظ المال فقط دون التصرف، فهو وكالة مقيدة، وهذا قول الجمهور
(1)
.
وعلى هذا يشترط في المودَع أهلية التوكل، وفي المودِع أهلية التوكيل،
قال في العناية: «الإيداع: عقد استحفاظ»
(2)
.
وقال الخرشي: «ظاهر كلام المؤلف أن من جاز له أن يوكل جاز له أن
(1)
تحفة الفقهاء (3/ 171)، بدائع الصنائع (6/ 207)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 25)، الذخيرة (9/ 140)، مختصر خليل (ص: 187)، الخرشي (6/ 108)، المهذب (1/ 359)، كشاف القناع (4/ 167)، الفروع (4/ 479).
(2)
العناية شرح الهداية (8/ 484).
يودع، ومن جاز له أن يتوكل جاز له أن يقبل الوديعة»
(1)
.
وقال الشيرازي في المهذب: «تنعقد الوديعة بما تنعقد به الوكالة
…
لأنه وكالة في الحفظ، فكان كالوكالة في العقد والفسخ»
(2)
.
وقال ابن مفلح: «وهي ـ يعني الوديعة ـ وكالة في الحفظ، فيعتبر أركانها، وينفسخ بموت وجنون وعزل كوكالة»
(3)
.
القول الثاني:
أن الوديعة ليست عقدًا، بل مجرد إذن في حفظ المال، فيضاهي إباحة الأكل للضيف، وهو ظاهر كلام ابن عرفة من المالكية، ووجه في مقابل الأصح في مذهب الشافعية
(4)
.
قال ابن عرفة في تعريف الوديعة: «نقل مجرد حفظ ملك ينقل»
(5)
.
وقال النووي: «الوديعة عقد برأسه أم إذن مجرد؟ .... والموافق لإطلاق الجمهور كون الوديعة عقدًا»
(6)
.
وقال الأنصاري: «الإيداع عقد وهو الأصح
…
وقيل: إذن مجرد في الحفظ»
(7)
.
(1)
شرح الخرشي (6/ 108).
(2)
المهذب (1/ 359).
(3)
الفروع (4/ 479).
(4)
الوسيط للغزالي (4/ 499)، روضة الطالبين (6/ 236)، الغرر البهية شرح البهجة الوردية (4/ 53)، أسنى المطالب (3/ 75)، تحفة المحتاج (7/ 103).
(5)
شرح حدود ابن عرفة (ص: 366).
(6)
روضة الطالبين (6/ 326).
(7)
شرح البهجة الوردية (4/ 53).
ثمرة الخلاف بين القولين:
أنكر إمام الحرمين أن يكون للخلاف أي أثر فقهي، فقال في نهاية المطلب: «وتردد فقهاؤنا في تسميته عقدًا ـ يعني الإيداع ـ وهذا الاختلاف سببه أن القبول ليس شرطا من المودع وفاقا
…
وليس للاختلاف في أن الإيداع عقد فائدة فقهية»
(1)
.
وخالفه غيره، فقالوا: تظهر ثمرة الخلاف في مسائل منها:
أحدها: إذا أودع ماله عند سفيه وصبي وعبد فتلف، فهل يضمن؟
قولان: إن قلنا عقد لم يضمنه هؤلاء ولم يتعلق برقبة العبد لنقصان الأهلية. وإن قلنا: إذن ضمنوه.
الثاني: نتاج البهيمة المودعة، إن قلنا: الوديعة عقد فالولد وديعة كالأم، وإلا فليس بوديعة، بل أمانة شرعية في يده يجب ردها في الحال حتى لو لم يؤد مع التمكن ضمن على الأصح.
الثالث: المودع إذا عزل نفسه، هل ينفسخ العقد؟ فيه وجهان:
أحدهما: نعم؛ لأنه عقد جائز، فيبقى المال في يده أمانة شرعية كالثوب إذا طرحته الريح إلى داره، ويلزمه الرد وإن لم يطلب منه، فإن أخر بلا عذر ضمن
(2)
.
(1)
نهاية المطلب (11/ 375).
(2)
وذهب بعض الفقهاء إلى أن الوديعة لا تنفسخ بالقول، وإنما تفسخ بالرد إلى صاحبها، وسوف نتكلم على هذه المسألة في مبحث مستقل إن شاء الله تعالى.
والثاني: لا؛ لأنه تسليط مجرد فيضاهي إباحة الأكل للضيف فلا معنى للفسخ فيه
(1)
.
الرابع: إذا أكره صاحب المال شخصًا على قبول الوديعة، فإن قلنا: عقد لم يثبت حكم الإيداع، وإن قلنا: مجرد إذن بالحفظ ثبت حكمها
(2)
.
* * *
(1)
روضة الطالبين (6/ 326)، الوسيط (4/ 499)، المنثور في القواعد الفقهية (3/ 356).
(2)
الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 361).