الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في حكم الوديعة
الفرع الأول
حكم الوديعة الوضعي
[م-1889] الوديعة مشروعة، والأصل فيها الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
أما الدليل من الكتاب:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58].
وقال تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} [البقرة:283].
ونوقش هذا الاستدلال:
هذا الاستدلال لا يستقل بمجرده؛ لأن قصارى ما فيه الأمر برد الوديعة، وردها غير قبولها، ويصح أن يؤمر برد ما قبوله حرامًا.
ورد هذا:
بأنه لو كان هناك نهي عن الإيداع لم يكن رد الوديعة دليلًا على صحة الإيداع، أما إذا لم يأت نهي من الشرع عن الإيداع فإن الرد دليل على صحة الإيداع؛ لأن الرد فرع عن الإيداع، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هناك دليلًا من القرآن على صحة الإيداع.
قال سبحانه: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} [آل عمران: 75].
وأما الدليل من السنة:
(ح-1164) فقد روى البخاري من طريق نافع بن مالك بن أبي عامر أبو سهيل، عن أبيه،
عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان
(1)
.
(ح-1165) وروى الإمام أحمد من طريق علي بن زيد، عن أبي حرة الرقاشي،
عن عمه، قال: كنت آخذًا بزمام ناقة رسول الله عليه السلام في أوسط أيام التشريق، أذود عنه الناس، فقال: .... وفيه: من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه، فقال: ألا هل بلغت؟ قالها ثلاثًا، ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب
…
(2)
.
[ضعيف]
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (33)، وصحيح مسلم (107).
(2)
مسند الإمام أحمد (5/ 72).
(3)
رواه أحمد (5/ 72) بتمامه، وأبو يعلى في مسنده (1570) روياه من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه.
ورواه ابن أبي شيبة (7/ 272) والدارمي (2534)، والطبراني في الكبير (4/ 53) رقم: 3609، وأبو يعلى (1569) بالإسناد نفسه مختصراً، وليس فيه موضع الشاهد. وهذا إسناد ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان.
وفي إسناده أيضًا أبو حرة، روى عنه علي بن زيد بن جدعان، وسلمة بن دينار، ويروي عن عمه عن النبي عليه السلام، وثقه أبو داود، وقال ابن معين: ضعيف، وليس له إلا هذا الحديث فلا يمكن تتبع مروياته حتى ينظر في ترجيح تعديل أبي داود أو تضعيف ابن معين، والاحتياط للرواية أن يقدم الجرح على التعديل، والله أعلم ..
وقد ذكر أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 324) أن عم أبي حرة ليس له إلا هذا الحديث. وقد تأكد لي هذا بالبحث ..
وقال الهيثمى في مجمع الزوائد (3/ 266): رواه أحمد. وأبو حرة الرقاشى وثقه أبو داود، وضعفه ابن معين، وفيه على بن زيد وفيه كلام.
(ح-1166) وروى الدينوري في المجالسة وجواهر العلم من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، أخبرنا أبي، أخبرنا رواد بن الجراح، أخبرنا محمد بن مسلم، عن عبد الله بن الحسن،
عن أم سلمة؛ أن النبي عليه السلام قال: من كانت فيه واحدة من ثلاث زوجه الله من الحور العين: من كانت عنده أمانة خفية شهية فأداها من مخافة الله عز وجل، أو رجل عفى عن قاتله، أو رجل قرأ: قل هو الله أحد الإخلاص دبر كل صلاة
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
(ح-1167) وروى الإمام أحمد من طريق حميد، عن رجل من أهل مكة،
(1)
المجالسة وجواهر العلم (1487).
(2)
في إسناده محمد بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، لم أقف له على ترجمة، وكذلك والده عبد الرحمن بن زياد، إلا أن ابن أبي عاصم أخرجه في الديات (114) والطبراني في المعجم الكبير (23/ 395) عن عمرو بن عثمان، عن رواد بن الجراح به، وعمرو ثقة، فخرجا من عهدته، والله أعلم.
وفي إسناد الطبراني قال في إسناده: عبد الله بن مسلم، وهو خطأ والصواب محمد بن مسلم كما في إسناد ابن أبي عاصم، والدينوري.
وفي إسناده أيضًا: رواد بن الجراح ضعيف، وقد تغير بآخرة.
وعبد الله بن الحسن ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يوثقه أحد غيره، وذكره ابن أبي حاتم والبخاري في التاريخ الكبير، وسكتا عليه.
وقال الهيثمي في الزوائد (6/ 302): رواه الطبراني، وفيه جماعة لم أعرفهم.
يقال له: يوسف، قال: كنت أنا ورجل من قريش نلي مال أيتام، قال: وكان رجل قد ذهب مني بألف درهم، قال: فوقعت له في يدي ألف درهم، قال: فقلت للقرشي إنه قد ذهب لي بألف درهم، وقد أصبت له ألف درهم، قال: فقال القرشي:
حدثني أبي، أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
[هذا إسناده ضعيف لإبهام ابن الصحابي الذي روى عنه يوسف وله شواهد ضعيفة، قال أحمد: لا أعرفه عن النبي عليه السلام من وجه صحيح]
(1)
.
(1)
رواه حميد الطويل، واختلف عليه فيه:
فرواه أحمد كما في إسناد الباب، وأبو أبو داود (3534)، ومن طريقه البيهقي (10/ 270)، والدولابي في الكنى والأسماء (359) من طريق يزيد بن زريع، كلاهما (أحمد ويزيد بن زريع) روياه عن حميد الطويل، عن يوسف بن ماهك، عن رجل من قريش، عن أبيه، عن رسول الله عليه السلام.
ورواه الدارقطني في السنن (3/ 35) ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية (975) عن إبراهيم بن محمد العمري، ثنا أبو كريب، أخبرنا محمد بن ميمون الزعفراني، أخبرنا حميد الطويل، عن يوسف بن يعقوب، عن رجل من قريش، عن أبي بن كعب.
وهذا إسناد ضعيف، شيخ الدارقطني ضعيف، والزعفراني مختلف فيه، ويوسف بن يعقوب لا يعرف.
قال ابن الجوزي: يوسف بن يعقوب مجهول، وفيه محمد بن ميمون، قال ابن حبان: منكر الحديث جدًا، لا يحل الاحتجاج به.
وله شواهد منها:
الشاهد الأول: حديث أبي هريرة.
رواه أبو داود (3535)، والترمذي (1264)، والدارمي (2597)، والطحاوي في مشكل الآثار (1831)، والطبراني في المعجم الأوسط (3595)، وتمام الرازي في فوائده (593)، والدارقطني (3/ 35)، والحاكم (2/ 46)، والبيهقي في السنن (10/ 269)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي الشعب (4996)، والشهاب القضاعي في مسنده (742) من طريق طلق بن غنام، حدثنا شريك وقيس بن الربيع، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه السلام: أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك.
قال ابن الملقن في البدر المنير (7/ 297): هذا الحديث مروي من طرق أحسنها طريق أبي هريرة. اهـ
وقال فيه الترمذي: حسن غريب. اهـ والحسن عند الترمذي هو الضعيف إذا روي من أكثر من وجه.
وشريك وقيس ضعيفان، وقد ضعفه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 534) وذكر أن المانع من تصحيحه كونه من رواية شريك وقيس بن الربيع.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (10/ 457): «حديث أبي حصين تفرد به عنه شريك القاضي وقيس بن الربيع وقيس ضعيف وشريك لم يحتج به أكثر أهل العلم بالحديث وإنما ذكره مسلم بن الحجاج في الشواهد» .
وقال الشافعي: إنه ليس بثابت عند أهله، وقال أحمد: هذا حديث باطل لا أعرفه عن النبي عليه السلام من وجه صحيح. انظر خلاصة البدر المنير (2/ 150).
وقال ابن أبي حاتم في علله (3/ 594) سمعت أبي يقول: طلق بن غنام
…
روى حديثًا منكرًا عن شريك وقيس، عن أبي حصين
…
اهـ
الشاهد الثاني: حديث أنس.
رواه الطبراني في مسند الشاميين (1284)، وفي المعجم الصغير (170)، والدارقطني (3/ 35)، والحاكم (2/ 46)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (8228)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 269)، وابن شاهين في الفوائد (11) من طريق أيوب بن سويد، حدثنا ابن شوذب، عن أبي التياح، عن أنس.
وهذا إسناد ضعيف من أجل أيوب بن سويد متفق على ضعفه، وقد توبع أيوب.
رواه الطبراني في المعجم الكبير (760) حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا أحمد بن زيد القزاز، ثنا ضمرة، عن ابن شوذب به.
وشيخ الطبراني يحيى بن عثمان بن صالح، قال فيه ابن أبي حاتم الرازي: تكلموا فيه: =
وأما الدليل من الإجماع:
قال العمراني في البيان: «الأمة أجمعت على جواز الإيداع»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «أجمع علماء كل عصر على جواز الإيداع والاستيداع»
(2)
.
وقال ابن هبيرة: «واتفقوا على أن الوديعة أمانة، وأنها من القرب المندوب إليها، وأن في حفظها ثوابًا
…
»
(3)
.
وأما الدليل من القياس:
فإنه يمكن قياس الوديعة على العارية، فالعارية: بذل لمنافع المال من غير
= وقال ابن حجر: لينه بعضهم لكونه حدث من غير أصله.
وقال أبو سعيد بن يونس المصري: كان عالمًا بأخبار مصر، وبموت علمائها، حافظا للحديث، وحدث بما لم يكن يوجد عند غيره.
وأحمد بن زيد القزاز: مجهول لم أقف له على ترجمة.
وضمرة بن ربيعة ثقة.
ورواه ابن حتلم (47) من طريق ابن عياش، قال: حدثني الأحوص بن حكيم، عن أنس بن مالك.
والأحوص ضعيف أيضًا.
الشاهد الثالث: حديث أبي أمامة.
رواه الطبراني في مسند الشاميين (3414)، وفي المعجم الكبير (7580)، والبيهقي معرفة السنن والآثار (14/ 380) من طريق إسحاق بن أسيد، عن أبي حفص الدمشقي، عن مكحول، عن أبي أمامة.
إسحاق بن أسيد، وأبو حفص الدمشقي ضعيفان.
(1)
البيان للعمراني (6/ 472).
(2)
المغني (6/ 300).
(3)
الإفصاح (2/ 23).
بدل، والوديعة: بذل لمنافع البدن من غير بدل، فلما استحق الرجل الثناء على بذل منافع ماله كأن أولى بالثناء إذا بذل منافع بدنه؛ إذ النفس أعز من المال
(1)
.
كما يمكن قياس الوديعة على عقد الوكالة، فإن عقد الوديعة توكيل في الحفظ، فهي وكالة مقيدة، كما أن المال في يد الوكيل يعتبر وديعة باعتباره أمينًا في الحفظ.
وأما الدليل من النظر:
فإن بالناس حاجة إلى الوديعة بل ضرورة إليها فإنه يتعذر على جميعهم حفظ أموالهم بأنفسهم، ويحتاجون إلى من يحفظ لهم مالهم
(2)
.
* * *
(1)
انظر محاسن الإسلام للفقيه الزاهد البخاري (ص: 75) نقلًا من كتاب عقد الوديعة لنزيه حماد (ص: 18).
(2)
انظر المغني (6/ 300)، مغني المحتاج (3/ 79).