الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
في رهن المودِع للوديعة
كل ارتباط عقدي ينشئه الوديع بالعين المودعة فإنه لا يجوز إلا بإذن صاحبها.
الوديع لا يملك ولاية التصرف في الوديعة إلا بإذن المالك.
[م-1945] إذا استدان المودَع، فأراد أن يدفع الوديعة رهنًا بدينه، فإن كان ذلك بإذن صاحبه جاز ذلك بلا خلاف.
جاء في مجلة الأحكام العدلية: «كما أنه يسوغ للمستودع استعمال الوديعة بإذن صاحبها فله أن يؤجرها أو يعيرها لآخر وأن يرهنها أيضًا .. »
(1)
.
وقياسًا على رهن العارية، فإنه يجوز رهنها بإذن صاحبها بلا خلاف.
وهكذا كل ارتباط عقدي ينشئه الوديع، ويكون محله الوديعة فإنه لا يجوز إلا بإذن صاحبها، كالبيع، والإجارة، والإعارة، والإقراض، والإيداع، هذا هو الحكم التكليفي.
أما الحكم الوضعي، فإذا تصرف الوديع مثل هذه التصرفات بدون إذن صاحبه، فهل يصح مثل هذا التصرف، في ذلك خلاف بين العلماء على قولين:
القول الأول:
أن الرهن باطل، وهذا مذهب الحنفية، والشافعية والحنابلة
(2)
.
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (792).
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 234)، غمز عيون البصائر (3/ 150)، النتف في الفتاوى للسغدي (2/ 578)، البحر الرائق (7/ 275)، حاشية ابن عابدين (6/ 526)، تبيين الحقائق (5/ 85)، الوسيط للغزالي (3/ 488)، المبدع (5/ 189).
جاء في مجمع الضمانات: «الوديعة لا تودع، ولا تعار، ولا تؤجر، ولا ترهن، فإن فعل شيئًا منها ضمن»
(1)
.
وصرح الحنابلة بأن رهن الوديعة كغصب
(2)
.
كما اشترط الشافعية والحنابلة وابن حزم من الظاهرية أن يكون الراهن له ولاية التصرف بأن يكون مالكًا للعين المرهونة أو مأذونًا له فيها، وعليه فلا يصح رهن الوديعة بلا إذن مالكها؛ لأن الوديع لا يملك ولاية التصرف في الوديعة
(3)
.
ولأن قبض المرتهن للعين المرهونة شرط، سواء أكان شرطًا للزومه أم شرطًا لصحته، وإذا اعتبرنا أن دفع الرهن للمرتهن يجري مجرى الإيداع، فالمودَع لا يملك الإيداع للغير؛ لأن إيداع الغير من غير ضرورة يعتبر اعتداء، مع أن المرتهن يقبض الرهن لمصلحته، وليس لمصلحة الوديع.
ولأن المقصود من الرهن: الاستيفاء من ماليته وذلك عن طريق بيعه إذا تعذر الوفاء، وليس للوديع أن يوفي دينه من مال غيره.
ولهذا قال المالكية والشافعية: ما صح بيعه صح رهنه، وما لا فلا
(4)
.
ولا يعترض على هذه القاعدة بالثمرة قبل بدو صلاحها، فإنه يصح رهنها،
(1)
مجمع الضمانات (ص: 69).
(2)
المبدع (5/ 189).
(3)
الأم (3/ 156)، الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/ 154)، الكافي لابن قدامة (2/ 139)، كشاف القناع (3/ 328)، المحلى، مسألة (1222) ..
(4)
الحاوي الكبير (6/ 12).
ولا يصح بيعها، فيقال: بل يصح بيعها بشرط قطعها في الحال، ولأنها تؤول إلى صحة البيع.
القول الثاني:
لو قيل: إن الرهن ينعقد موقوفًا على إجازة المالك تخريجًا على تصرفات الغاصب
(1)
.
جاء في المنثور في القواعد للزركشي: «لو غصب أموالًا وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى فطريقان:
أصحهما: أنه على القولين الآتيين في تصرف الفضولي. والثانية: القطع بالصحة»
(2)
.
وإذا كان الحنابلة يرون أن رهن الوديعة كغصب
(3)
.
(4)
.
(1)
انظر شرح الخرشي (5/ 17 - 18)، الشرح الكبير للدردير (3/ 12).
(2)
المنثور في القواعد (1/ 302).
(3)
المبدع (5/ 189).
(4)
المغني (5/ 159)، وانظر الإنصاف (6/ 207).
فإذا صحت هذه العقود في إحدى الروايتين من الغاصب صحت من المودَع قياسًا عليه؛ لأنه بمنزلته، والله أعلم.
وقد يقال: لا يصح تخريجها على تصرف الفضولي؛ لأن الفضولي يتصرف في مال غيره لا لمصلحته، وإنما لمصلحة المالك، فإذا باع ملك غيره لمصلحة مالكه كما لو رأى أن في هذا غبطة لمالكه، فباع ملكه بلا تفويض من المالك فهذا هو تصرف الفضولي، وأما الوديع فهو يتصرف لنفسه، وليس للمالك، فهو غاصب، وليس فضوليًا، وإنما يكون فضوليًا لو رهن الوديعة في دين على المالك بلا إذنه.
وعلى كل حال، فإذا اطلع المالك، وأجاز هذا التصرف برئ من الضمان بكل حال، ويبقى الكلام في صحة عقد الرهن، فإن قلنا: العقد صحيح بالإجازة فالحمد لله، وإلا جدد العقد، وزال المحذور، والله أعلم.
* * *