الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز
الخلط بما لا يتميز بمنزلة الإتلاف.
[م-1938] إذا خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز الخليطان، كما لو خلط النقود بمثلها، أو الزيت بمثله، أو خلطها بما يعسر معه التمييز، كما لو خلط القمح بالشعير، فهل يعتبر الخلط بمنزلة الاستهلاك فيضمن بالخلط، كما لو تلفت الوديعة، ويكون المخلوط ملكًا للمودَع، أو يكون شريكًا بقدر ملكه؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول:
أن الوديع يضمن إذا خلطها بما لا تتميز أو بما يعسر معه التمييز، سواء خلط الجنس بمثله، كالحنطة بمثلها، والدراهم بمثلها، والمائع بمثله، أو خلط الجنس بغيره كالحنطة بالشعير. وهذا قول أبي حنيفة، ومذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
جاء في المبسوط: «الخلط أنواع ثلاثة: خلط يتعذر التمييز بعده، كخلط
(1)
المبسوط (11/ 110)، تحفة الفقهاء (3/ 174)، بدائع الصنائع (6/ 213)، الهداية شرح البداية (3/ 213)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 26)، المهذب (1/ 361)، روضة الطالبين (6/ 336)، مغني المحتاج (3/ 89)، الحاوي الكبير (8/ 362)، تحفة المحتاج (7/ 258)، المغني (6/ 301)، الكافي لابن قدامة (2/ 378)، المبدع (5/ 240)، شرح منتهى الإرادات (2/ 357)، كشاف القناع (4/ 176)، الفروع (4/ 483)، المحرر (1/ 364)، الإنصاف (6/ 331)، القواعد لابن رجب (ص: 32)، مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية، مادة (1368).
الشيء بجنسه، فهذا موجب للضمان؛ لأنه يتعذر به على المالك الوصول إلى عين ملكه.
وخلط يتيسر معه التمييز كخلط السود بالبيض، والدراهم بالدنانير، فهذا لا يكون موجبًا للضمان؛ لتمكن المالك من الوصول إلى عين ملكه، فهذه مجاورة ليس بخلط.
وخلط يتعسر معه التمييز كخلط الحنطة بالشعير فهو موجب للضمان؛ لأنه يتعذر على المالك الوصول إلى عين ملكه، إلا بحرج، والمتعسر كالمتعذر»
(1)
.
° وجه القول بوجوب الضمان:
الوجه الأول:
أن المالك عاجز عن الوصول إلى عين حقه بسبب الخلط، فيكون الخلط بمنزلة الاستهلاك، والاستهلاك يوجب الضمان، فكذلك الخلط.
الوجه الثاني:
أن العقد قائم على حفظ العين، و الخلط تصرف من الوديع بالوديعة بما لم يؤذن له فيه، لذا وجب الضمان.
القول الثاني:
خلط المال المثلي بمثله لا يوجب الضمان إذا وقع ذلك على وجه الإحراز والرفق، كما لو خلط الدنانير بمثلها، أو خلط الذهب بمثله، أو الحنطة بمثلها.
(1)
المبسوط (11/ 110).
وإن خلط الجنس بغير جنسه، كما لو خلط الحنطة بالشعير ونحوه فإنه يضمن بالخلط. وهذا هو مذهب المالكية
(1)
.
جاء في تهذيب المدونة: «ومن أودعته دنانير ودراهم فخلطها بمثلها ثم ضاع المال كله، لم يضمن، وإن ضاع بعضه كان ما ضاع وما بقي بينكما؛ لأن دراهمك لا تعرف من دراهمه، ولو عرفت بعينها كانت مصيبة دراهم كل واحد منه، ولا يغيرها الخلط.
وإن أودعته حنطة فخلطها بحنطة، فإن كانت مثلها وفعل ذلك بها على الإحراز لها والرفع، فهلك الجميع لم يضمن، وإن كانت مختلفة ضمن، وكذلك إن خلط حنطتك بشعير ثم ضاع الجميع، فهو ضامن، لأنه قد أفاتها بالخلط قبل هلاكها»
(2)
.
° وجه قول المالكية:
إذا خلط الجنس بجنس آخر فقد يتعذر وصول المالك إلى عين ماله كما لو قام بخلط السمن بزيت، وقد يتعسر كما لو قام بخلط الحنطة بالشعير، والمتعسر كالمتعذر، لذا وجب عليه الضمان.
وأما إذا خلط المال المثلي بمثله، كما لو خلط الحنطة بمثلها، والدنانير بمثلها فإن المالك قادر للوصول إلى ماله، فلا يوجب هذا الخلط الضمان،
(1)
الشرح الكبير للدردير (3/ 420)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 552)، منح الجليل (7/ 7)، الذخيرة للقرافي (9/ 167)، الكافي لابن عبد البر (ص: 403)، القوانين الفقهية (ص: 246).
(2)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 294).
خاصة إذا كان الباعث على الخلط هو مصلحة الوديعة حيث يكون خلطها بماله أحرز لها وأرفق به مما لو أفردها.
القول الثالث:
إن خلط الجنس بجنس مختلف كما لو خلط القمح بالشعير فعليه الضمان، وهذا باتفاق الحنفية، وسبق ذكر الأدلة في القول الأول.
وإن خلط الجنس بمثله كالشعير بالشعير، والحنطة بمثلها، فقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن: يخير المالك إن شاء شاركه فيها، وإن شاء ضمنه.
وإن خلط مائعًا بجنسه، فقال محمد بن الحسن: يخير كما لو خلط الشعير بمثله.
وقال أبو يوسف: يجعل الأقل تبعًا للأكثر
(1)
.
وجه قولهما: إذا خلط الحنطة بمثلها، فإن الوصول إلى عين حقه وإن تعذر صورة، إلا أنه غير متعذر معنى، لإمكان قسمته على قدر أملاكهما؛ فهو استهلاك من وجه دون وجه، فإن شاء ضمنه لتعذر الوصول إلى عين ماله صورة، وإن شاء اقتسمه معه لإمكان الوصول إلى حقه معنى.
ولم يفرق محمد بن الحسن بين خلط الشعير بمثله، وبين خلط المائع بمثله؛ عملًا بالقاعدة عنده: وهو أن الجنس عنده لا يغلب الجنس.
وفرق بينهما أبو يوسف اعتبارًا بالغالب. والله أعلم.
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 26)، بدائع الصنائع (6/ 213).
القول الرابع:
لا يضمن بخلط النقود بمثلها، ويضمن بخلط غيرها. وهذا القول رواية عن الإمام أحمد
(1)
.
قال ابن رجب: لو خلط الوديعة وهي دراهم بماله، ولم تتميز فالمشهور الضمان لعدوانه حيث فوت تحصيلها.
وعنه رواية أخرى لا ضمان عليه؛ لأن النقود لا يتعلق الغرض بأعيانها بل بمقدارها، وربما كان خلطها مع ماله أحفظ لها»
(2)
.
إلا أن هذا التعليل يجب أن يجري في كل مال مثلي، فإن المال المثلي آحاده متساوية كالنقود فلا معنى لتخصيصه بالنقود، وهو ظاهرية من أصحاب الإمام أحمد عليهم رحمة الله.
° الراجح:
أرى أن مذهب المالكية أقرب الأقوال، والله أعلم.
(1)
الإنصاف (6/ 331)، القواعد لابن رجب (ص: 32).
(2)
القواعد لابن رجب (ص: 32).