الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
في شروط الوديعة
الفصل الأول
في شروط ا لوديع والمودع
الشرط الأول
يشترط توفر الأهلية فيهما
المبحث الأول
في إيداع الصبي غير المميز والمجنون
إذا انعدم العقل والتمييز انعدم القصد والرضا وهما شرطان في صحة العقود.
يصح قبول الوديعة من الصبي إذا كان بنية تخليص المال من الهلاك.
[م-1898] المودِع بالكسر: هو من يدفع ماله إلى الوديع ليحفظه له، ويشترط فيه أن يكون جائز التصرف، فلو أودع صبي أو مجنون مالًا لم يصح الإيداع، وهذا قول الأئمة الأربعة في الجملة
(1)
.
(1)
بدائع الصنائع (1/ 148)، فتح القدير (10/ 371)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (776)، حاشية العدوي على شرك كفاية الطالب الرباني (2/ 277)، روضة الطالبين (6/ 325)، أسنى المطالب (3/ 75)، تحفة المحتاج (7/ 103)، البيان للعمراني (6/ 474)، نهاية المحتاج (6/ 114)، الشرح الكبير على المقنع (7/ 311)، الإنصاف (6/ 335)، كشاف القناع (3/ 443).
وعللوا ذلك:
بأن عبارتهما ملغاة لا اعتداد بها شرعاً فلا تصح بها عبادة ولا ينعقد معها تصرف، حتى تلك العبادات التي تصح من الصبي غير المميز كالحج والعمرة، لا تصح منه النية، وإنما ينوي عنه وليه؛ لأن التمييز والعقل إذا فقدا انعدم أمران: القصد، والرضا، وهما شرطان في صحة التصرفات المالية، لهذا كانت الأهلية في الصبي غير المميز والمجنون معدومة بالكامل.
فإن دفع الصبي أو المجنون ماله لرجل وديعة فقبله فإنه يضمنه، ولا يبرأ إلا بتسليمه إلى وليه.
واستثنى المالكية، والشافعية في أحد الوجهين، والحنابلة في الأصح ما لو كان الدافع من قبول الوديعة من المحجور عليه الخوف من هلاك المال في يده، أو من تسلط الظلمة عليه، فإذا أخذ المال حسبة صونًا له عن الضياع، فتلف في يده فإنه لا يضمنه.
وفي وجه آخر للشافعية والحنابلة يضمن مطلقًا.
إذا علم ذلك فإليك توثيق هذه الأقوال من نصوص الفقهاء:
قال في بدائع الصنائع: «وأما شرائط الركن فأنواع منها: عقل المودع، فلا يصح الإيداع من المجنون والصبي الذي لا يعقل؛ لأن العقل شرط أهلية التصرف»
(1)
.
وجاء في الفوكه الدواني: «وأما الصبي والسفيه فلا يودعان، ولا يستودعان،
(1)
بدائع الصنائع (6/ 207).
لكن إن أودعاك شيئًا وجب عليك يا رشيد حفظه»
(1)
.
وجاء في مواهب الجليل: «قال ابن عرفة: المودِع: من له التصرف في الوديعة بملك أو تفويض أو ولاية كالقاضي في مال اليتيم والغائب والمجنون.
والمودَع: من يظن حفظه، والأظهر أن شرطها باعتبار جواز فعلها وقبولها حاجة الفاعل، وظن صونها من القابل، فتجوز من الصبي الخائف عليها إن بقيت بيده، وكذا العبد المحجور عليه.
ويجوز أن يودعا ما خيف تلفه بيد مودعه إن ظن صونه بيد أحدهما لاحترامهما وثقتهما كأولاد المحترمين، وعبيدهم عند نزول بعض الظلمة ببعض البلاد، ولقاء الأعراب القوافل، والأصل في هذه النصوص الرأفة على حفظ المال والنهي عن إضاعته قال اللخمي: في البخاري ومسلم نهى النبي عليه السلام عن إضاعة المال انتهى»
(2)
.
وجاء في الحاوي الكبير: «إذا أودع صبي رجلاً وديعة لم يكن للرجل أن يقبلها منه؛ لأن الصبي لا نظر له في مال نفسه، فإن قبلها الرجل منه ضمنها حتى يسلمها إلى وليه، أو الحاكم، فإن ردها على الصبي لم يسقط الضمان عنه، فلو كان عند أخذ الوديعة من الصبي خائفًا عليها من أن يستهلكها، فأخذها ليدفعها إلى وليه، أو إلى الحاكم، فهلكت في يده ففي ضمانه لها وجهان:
أحدهما: لا يضمنها؛ لأنه قصد خلاصها.
(1)
الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني (2/ 170)، وانظر حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (2/ 277).
(2)
مواهب الجليل (5/ 252).
والوجه الثاني: يضمنها؛ لأن يده عليها بغير حق، وهذان الوجهان من اختلاف قوليه في المحْرِم إذا خلص طائرًا من جارح، أو حية، فتلف، ففي ضمانه بالجزاء قولان، والله أعلم بالصواب»
(1)
.
وجاء في الإنصاف: «وإن أودعه صبي وديعة ضمنها، ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه
…
لو أخذ الوديعة من الصبي تخليصا لها من الهلاك، على وجه الحسبة. فقال في التلخيص: يحتمل أن لا يضمن كالملك الضائع إذا حفظه لصاحبه، وهو الأصح.
ويحتمل أن يضمن؛ لأنه لا ولاية له عليه. قال: وهكذا يخرج إذا أخذ المال من الغاصب تخليصا، ليرده إلى مالكه»
(2)
.
(3)
.
° الراجح:
يصح قبول الوديعة من المحجور عليه إذا كان ذلك بنية حفظ وتخليصه من الهلاك.
* * *
(1)
الحاوي الكبير (8/ 384)، وانظر البيان للعمراني (6/ 474)، وفتح الوهاب (2/ 26).
وقال النووي في الروضة (6/ 325): «لا يصح الإيداع إلا من جائز التصرف، فلو أودع صبي أو مجنون مالًا، لم يقبله، فإن قبله، ضمنه، ولا يزول الضمان إلا بالرد إلى الناظر في أمره. لكن لو خاف هلاكه في يده فأخذه على وجه الحسبة صونا له، لم يضمنه على الأصح» . وانظر فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب (2/ 26).
(2)
الإنصاف (6/ 335)، وانظر مجلة الأحكام الشرعية (ص: 415).
(3)
كشاف القناع (3/ 443).