الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في تعدد الوديع
[م-1960] إذا أودع الرجل وديعته عند رجلين، فمن يتولى الحفظ؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
القول الأول:
إن كانت الوديعة تقبل القسمة حفظ كل واحد منهما نصيبه، وإن كانت الوديعة لا تقبل القسمة حفظه أحدهما بأمر الآخر. وهذا قول أبي حنفية
(1)
.
جاء في الاختيار لتعليل المختار: «ولو أودع عند رجلين شيئا مما يقسم اقتسماه، وحفظ كل منهما نصفه، وإن كان لا يقسم حفظه أحدهما بأمر الآخر»
(2)
.
° وجه هذا القول:
أن الوديع يلتزم الحفظ بحسب إمكانه، ومعلوم أنهما لا يقدران على أن يتركا جميع أشغالهما، ويجتمعا في مكان واحد لحفظ الوديعة، والمالك لما أودعهما مع علمه بذلك فقد صار راضيًا بقسمة الوديعة بينهما مع إمكانه، فيحفظ كل واحد منهما للنصف دلالة، والثابت بالدلالة كالثابت بالنص، فإن دفع أحدهما
(1)
المبسوط (11/ 125)، الاختيار لتعليل المختار (3/ 28)، حاشية ابن عابدين (5/ 672)، تبيين الحقائق (5/ 80)، فتح القدير (8/ 494)، الهداية شرح البداية (3/ 215)، تبيين الحقائق (5/ 80)، العناية شرح الهداية (8/ 494)، البحرالرائق (7/ 278).
(2)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 28).
نصيبه إلى الآخر من غير رضا المالك ضمن الدافع، ولا يضمن القابض؛ لأن المالك إنما رضي بحفظهما، ولم يرض بحفظ أحدهما، وهذا لا يتحقق إلا بالقسمة، بخلاف ما لا يقسم فإنه يمكن أن يحفظه أحدهما بأمر الآخر؛ لأن المالك لما أودعهما مع علمه أنهما لا يجتمعان على حفظه آناء الليل والنهار فقد صار راضيًا بحفظ كل واحد منهما لجميعه، ألا ترى أنهما يتهايآن في الحفظ، وفي مدة المهايأة يتركه كل واحد منهما عند صاحبه في نوبته
(1)
.
القول الثاني:
يحفظ أحد الوديعين المال بإذن الآخر مطلقًا، أي سواء أكانت الوديعة تقبل القسمة أم لا، وهذا قول أبي يوسف ومحمد بن الحسن
(2)
.
° وجه قولهما:
أن الوديع قد رضي بأمانتهما، فكان لكل واحد منهما أن يسلم إلى الآخر ولا يضمنه كما فيما لا يقسم.
القول الثالث:
إذا أودع رجل اثنين جعلت الوديعة بيد الأعدل منهما، فإن كانوا في العدالة سواء، فإن كان ربها حاضرًا فالكلام له، وإن كان غائبًا، وتساويا في العدالة، فقيل: تقسم بينهما إن قبلت القسمة، وإلا فالقرعة
(3)
.
(1)
انظر المبسوط (11/ 125)، فتح القدير (8/ 494)، البحر الرائق (7/ 278).
(2)
انظر المراجع السابقة.
(3)
الشرح الكبير للدردير (3/ 432).
وقيل: ينظر السلطان في ذلك، فيدفع المال إلى أحرزهما، وأكفاهما كالقول في الوصيين
(1)
.
وقيل: تجعل في محل بقفلين، ويأخذ كل واحد مفتاحاً
(2)
.
وفي الذخيرة نقلًا من التنبيهات: «لو اقتسماها لم يضمناها في ظاهر قول ابن القاسم، والخلع عند عدم العدالة مختص بالوصيين؛ لأن الإيداع مشروع عند البر والفاجر، ولا يوصى الفاجر»
(3)
.
وقال ابن حبيب: يضمن كل وصي ما سلم بالتسليم؛ لأن الموصي لم يرضهما إلا جميعًا
(4)
.
والوديعان قياس على الوصيين.
القول الرابع:
يجوز أن يقتسماها، ويجوز أن تكون عند أحدهما، وهذا قول أشهب من المالكية.
جاء في الذخيرة: «قال أشهب من المالكية: إن اقتسماها، أ وكانت عند أدناهما عدالة ما لم يكن بيّن الفجور فلا ضمان على واحد منهما»
(5)
.
وإنما لم يشترط أعدلهما؛ لأن الإيداع كما سبق لا تشترط له العدالة عند المالكية.
(1)
المدونة (6/ 19، 156)، مواهب الجليل (5/ 267).
(2)
منح الجليل (7/ 47)، الخرشي (6/ 120).
(3)
الذخيرة (9/ 142 - 143).
(4)
المرجع السابق.
(5)
الذخيرة (9/ 143).
° الراجح:
أرى أن الوديعة إذا أودعت لاثنين، فإن كان المال ينقسم قسم بينهما، وإن كان المال لا ينقسم، فإن أمكن مراجعة المالك فالقول قوله فيمن تكون يده على الوديعة، فإن كان غائبًا فإنهما يتهايآن في الحفظ، وإن اضطر أحدهما للتصرف في الوديعة رجع إلى الآخر، ولا ينفرد بذلك، والله أعلم.
* * *