المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان - المعاملات المالية أصالة ومعاصرة - جـ ١٩

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌عقد الوديعة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف الوديعة

- ‌المبحث الثانيتوصيف عقد الوديعة

- ‌الفرع الثانيالوديعة من عقود الأمانات

- ‌مسألةزوائد الوديعة أمانة كأصلها

- ‌الفرع الثالثالوديعة من العقود الجائزة

- ‌الفرع الرابعالوديعة من عقود التبرع

- ‌المبحث الثالثفي حكم الوديعة

- ‌الفرع الأولحكم الوديعة الوضعي

- ‌الفرع الثانيحكم الوديعة التكليفي

- ‌الباب الأولأركان الوديعة

- ‌الفصل الأولخلاف العلماء في أركان الوديعة

- ‌الفصل الثانيفي انعقاد الوديعة بالمعاطاة

- ‌الفصل الثالثفي انعقاد الإيداع بالإشارة

- ‌الفصل الرابعالاعتماد على الخط في الإيداع

- ‌الفصل الخامسفي تعليق الوديعة وإضافتها إلى المستقبل

- ‌الباب الثانيفي شروط الوديعة

- ‌الفصل الأولفي شروط ا لوديع والمودع

- ‌الشرط الأوليشترط توفر الأهلية فيهما

- ‌المبحث الأولفي إيداع الصبي غير المميز والمجنون

- ‌المبحث الثانيفي إيداع الصبي المميز

- ‌المبحث الثالثفي إيداع المال لدى الصبي المميز

- ‌الشرط الثانيأن يكون المودِع له ولاية في المال المودع

- ‌الشرط الثالثأن يكون المودَع ممن يصح قبضه للوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط أن يكون المستودَع معينًا

- ‌الشرط الخامسفي اشتراط ألا يكون المودِع محجورًا عليه لمصلحة غيره

- ‌الفصل الثانيفي شروط الأعيان المودعة

- ‌المبحث الأولفي اشتراط مالية العين المودعة

- ‌الشرط الثانيكون الوديعة قابلة لإثبات اليد عليها

- ‌الشرط الثالثفي اشتراط العلم بالوديعة

- ‌الشرط الرابعفي اشتراط كون الوديعة منقولة

- ‌الباب الثالثفي أحكام الوديعة

- ‌الفصل الأولفي آثار عقد الوديعة

- ‌المبحث الأولوجوب الحفظ على الوديع

- ‌الفرع الأولفي صفة حفظ الوديعة

- ‌المسألة الأولىألا يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثانيةأن يعين المالك موضع الحفظ

- ‌المسألة الثالثةفي دفع الوديعة لمن يحفظ ماله

- ‌المطلب الأولفي بيان الأقارب الذين يحفظون مال قريبهم

- ‌المسألة الرابعةفي استعانة الوديع بغيره في حفظ الوديعة

- ‌المطلب الأولأن يستعين بالأجنبي بدون عذر

- ‌المطلب الثانيأن يودع الوديع الأجنبي لعذر

- ‌الأمر الأولأن يكون العذر حاجته إلى السفر

- ‌الأمر الثانيأن يودع مال غيره خوفًا من حريق أو غرق

- ‌المبحث الثانييجب رد الوديعة متى طلبها صاحبها

- ‌المبحث الثالثالوديعة أمانة في يد المودَع

- ‌الفرع الأولفي الإنفاق على الوديعة

- ‌الفرع الثانيفي صفة الإنفاق

- ‌الفرع الثالثالوديعة لا تضمن إلا بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفرع الرابعفي إتلاف المودع الوديعة

- ‌المسألة الأولىفي الحكم التكليفي

- ‌المسألة الثانيةالحكم الوضعي لتعدي الوديع

- ‌المسألة الثالثةفي ارتفاع الضمان برجوعه عن التعدي

- ‌المسألة الرابعةفي ضمان الوديع إذا نوى التعدي ولم يفعل

- ‌الفرع الخامسفي اشتراط الضمان على الوديع

- ‌الفصل الثانيفي تصرفات الوديع بالوديعة

- ‌المبحث الأولفي خلط الوديعة بغيرها

- ‌الفرع الأولأن يكون الخلط بغير فعل الوديع

- ‌الفرع الثانيأن يكون الخلط بإذن صاحبها

- ‌الفرع الثالثأن يكون الخلط بدون إذن صاحبها

- ‌المسألة الأولىفي خلط الوديعة بمال آخر مع إمكان التمييز

- ‌المسألة الثانيةفي خلط الوديع الوديعة بمال نفسه بما لا يتميز

- ‌المسألة الثالثةإذا خلط الوديعة بمال لصاحبها

- ‌المبحث الثانيفي اقتراض المودع من الوديعة

- ‌الفرع الأولإذا اقترض من الوديعة ثم تراجع عن الاقتراض

- ‌الفرع الثانيإذا اقترض من الوديعة ثم رد بدله

- ‌المسألة الأولىأن يكون البدل متميزًا عن باقي الوديعة

- ‌المسألة الثانيةأن يكون البدل غير متميز عن باقي الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رهن المودِع للوديعة

- ‌المبحث الرابعفي الاتجار بالوديعة

- ‌الفرع الأولفي الاتجار بها دون إذن من المالك

- ‌المسألة الأولىالحكم التكليفي في اتجار الوديع بالوديعة

- ‌المسألة الثانيةفي استحقاق الربح إذا اتجر بالوديعة بدون تفويض

- ‌المبحث الخامسفي تأجير الوديعة

- ‌الفصل الثالثفي الاختلاف بين المالك والوديع

- ‌المبحث الثانيإذا اختلفا في الرد

- ‌المبحث الثالثإذا اختلفا في التعدي والتفريط

- ‌المبحث الرابعفي مطالبة الوديع باليمين إذا ادعى التلف

- ‌المبحث الخامسإذا اختلفا في الأمر بالتصرف في الوديعة

- ‌المبحث السادسإذا تنازع الوديعة رجلان

- ‌الفصل الرابعإذا جحد الوديعة معاملة بالمثل

- ‌الفصل الخامسفي تجهيل الوديعة

- ‌مبحثفي التصرف في الودائع المجهول أصحابها

- ‌الفصل السادسفي تعدد الوديع

- ‌الفصل السابعفي الوديع يكره على تسليم الوديعة

- ‌الفصل الأولفي تعريف الودائع المصرفية

- ‌الفصل الثانيخصائص الودائع النقدية المصرفية

- ‌الفصل الثالثفي توصيف الودائع المصرفية الجارية

- ‌الفصل الرابعإيجار الخزائن الحديدية للإيداع

- ‌المبحث الأولتعريف الخزائن الحديدية

- ‌المبحث الثانيفي التوصيف الفقهي لتأجير الخزائن الحديدية

- ‌الفصل الأولانتهاء عقد الوديعة بالرد

- ‌المبحث الأولفي مؤنة حمل الوديعة وردها

- ‌المبحث الثانيفي امتناع الوديع من رد الوديعة

- ‌المبحث الثالثفي رد الوديعة إلى عيال المالك

- ‌المبحث الرابعفي كيفية رد الوديعة المشتركة

- ‌الفصل الثانيانتهاء الوديعة بالفسخ

- ‌الفصل الثالثانتهاء عقد الوديعة بالموت

- ‌المبحث الأولفي الضمان بتأخير الرد إلى وارث المالك

- ‌المبحث الثانيفي الضمان بتأخير ورثة الوديع الرد إلى المالك

- ‌الفصل الرابعانتهاء عقد الوديعة بالعزل

- ‌المبحث الأولانتهاء عقد الوديعة بعزل المالك للوديع

- ‌المبحث الثانيفي عزل الوديع نفسه

- ‌الفصل الخامسانتهاء عقد الوديعة بالتعدي أو بالتفريط

- ‌الفصل السادسانتهاء عقد الوديعة بزوال الأهلية

- ‌الفصل السابعانتهاء عقد الوديعة بالجحود

- ‌عقد اللقطة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولفي تعريف اللقطة

- ‌المبحث الثانيالفرق بين اللقطة والضالة

- ‌المبحث الثالثفي أركان اللقطة

- ‌الباب الأولفي حكم الالتقاط

- ‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان

- ‌الفصل الثانيفي التقاط الحيوان

- ‌المبحث الأولفي التقاط ما يمتنع من السباع ويقوى على ورود الماء

- ‌المبحث الثانيفي التقاط الغنم وما لا يمتنع من صغار السباع

- ‌المبحث الثالثفي الالتقاط في طريق غير مسلوك

- ‌المبحث الرابعفي لقطة مكة

- ‌الباب الثانيفي أحكام اللقطة

- ‌الفصل الأولفي وجوب تعريف اللقطة

- ‌المبحث الأولفي صفة اللقطة التي يجب تعريفها

الفصل: ‌الفصل الأولفي التقاط غير الحيوان

‌الباب الأول

في حكم الالتقاط

‌الفصل الأول

في التقاط غير الحيوان

الخيانة في الالتقاط بمنزلة الاغتصاب.

اللقطة أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة.

[م-1982] اختلف الفقهاء في حكم أخذ اللقطة على أقوال، ونظرًا لاختلاف الحكم باختلاف حال الملتقط ومكان اللقطة رأيت أن أحرر أقوال كل مذهب على حدة، ثم أجملها بعد ذلك مع ذكر الأدلة:

القول الأول:

ذهب الحنفية إلى أنه يحرم رفع اللقطة إن أخذها لنفسه، ويندب رفعها إن أمن الملتقط على نفسه، وإلا فالترك أولى من الرفع.

وإن خاف عليها من الضياع فرفعها واجب، وقال في البدائع: يستحب

(1)

.

(1)

الهداية شرح البداية (2/ 175)، الاختيار لتعليل المختار (2/ 175)، البحر الرائق (5/ 162)، العناية شرح الهداية (6/ 119)، تبيين الحقائق (3/ 301).

القول بالوجوب هو ما عليه عامة كتب الحنفية، واستحب الكاساني في بدائع الصنائع (6/ 200) الالتقاط إذا خاف عليها، وغفل عن ذكر القول بالوجوب، والذي عليه عامة كتب الحنفية، فهل يقال: للحنفية في المسألة قولان، أو يقال: هذا خطأ من الكاساني حيث لم يذكر الوجوب، مع أنه المنصوص، فيكون وهمًا منه، فيه تأمل، والله أعلم.

ص: 433

جاء في الاختيار لتعليل المختار: «وأخذها أفضل، وإن خاف ضياعها فواجب»

(1)

.

وقال الكاساني في بدائع الصنائع عن حكم أخذ اللقطة: «قد يكون مندوب الأخذ، وقد يكون مباح الأخذ، وقد يكون حرام الأخذ:

أما حالة الندب: فهو أن يخاف عليها الضيعة لو تركها فأخذها لصاحبها أفضل من تركها؛ لأنه إذا خاف عليها الضيعة كان أخذها لصاحبها إحياء لمال المسلم معنى فكان مستحبًا، والله تعالى أعلم.

وأما حالة الإباحة: فهو أن لا يخاف عليها الضيعة فيأخذها لصاحبها

وأما حالة الحرمة: فهو أن يأخذها لنفسه لا لصاحبها»

(2)

.

القول الثاني:

ذهب المالكية إلى أن المتلقط إما أن يعلم أمانة نفسه، أو خيانتها، أو يشك فيها، وفي كلٍ إما أن يخاف الخونة على اللقطة لو ترك الأخذ، أو لا.

فيجب الأخذ بشرطين: إن خاف الخونة على اللقطة، ولم يعلم خيانة نفسه بأن علم أمانتها أو شك فيها.

فإن علم خيانة نفسه حرم الأخذ خاف الخونة أم لا.

وإن لم يخف الخونة كره الالتقاط علم أمانة نفسه أو شك فيها. هذا هو تحرير مذهب المالكية.

(1)

الاختيار لتعليل المختار (3/ 32).

(2)

بدائع الصنائع (6/ 200).

ص: 434

واختار بعض المالكية: أن المتلقط إن وثق بأمانة نفسه، ولم يخف عليها ففيها ثلاثة أقوال:

الأول: الاستحباب مطلقًا.

الثاني: الاستحباب فيما له بال فقط.

الثالث: الكراهة

(1)

.

جاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: «حاصل هذا المبحث أن مريد الالتقاط إما أن يعلم أمانة نفسه أو خيانتها أو يشك فيها، وفي كل إما أن يخاف الخائن لو ترك الأخذ أو لا:

فيجب الأخذ بشرطين إن خاف الخائن ولم يعلم خيانة نفسه: بأن علم أمانتها أو شك فيها.

فإن علم خيانة نفسه حرم الأخذ خاف الخائن أم لا.

وإن لم يخف الخائن كره علم أمانة نفسه أو شك فيها .... هذا حاصل ما يؤخذ من الشارح وهو التحرير .... واعلم أنه إذا لم يخف خائنًا، وعلم أمانة نفسه، فثلاثة أقوال: الاستحباب، والكراهة، والتفصيل: يستحب فيما له بال، ويكره في غيره،

(1)

حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 169)، حاشية الدسوقي (4/ 119)، مواهب الجليل (6/ 71)، الذخيرة (9/ 89)، والفروق للقرافي (4/ 33)، البيان والتحصيل (15/ 354)، شرح الخرشي (7/ 123)، القوانين الفقهية (ص: 224)، المقدمات الممهدات (2/ 478)، الشرح الكبير (4/ 119)، الفواكه الدواني (2/ 172)، بداية المجتهد (2/ 228 - 229)، وانظر للاستزادة الاستذكار (7/ 245)، التمهيد (3/ 108)، المنتقى للباجي (6/ 134).

ص: 435

واختار التونسي من هذه الأقوال الكراهة مطلقًا، وأما إذا لم يخف خائنًا وشك في أمانة نفسه فالكراهة اتفاقًا»

(1)

.

وقال ابن شاس: «وليس بواجب ـ يعني الالتقاط ـ إلا أن يكون بين قوم غير مأمونين، والإمام غير عدل، لكن إن وثق بأمانة نفسه، فالأخذ مستحب له. وروي تخصيص الاستحباب بما له بال، فإن علم الخيانة من نفسه فالأخذ محرم عليه، وإن خافها كره الأخذ»

(2)

.

وجاء في منح الجليل: «وما أحسن قول ابن الحاجب تابعًا لابن شاس: والالتقاط حرام على من علم خيانة نفسه، ومكروه للخائف، وفي المأمون: الاستحباب، والكراهة، والاستحباب فيما له بال، والوجوب إن خاف عليها الخونة»

(3)

.

وقال الباجي: «فأما جواز أخذها فقد روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يمر باللقطة فلا يأخذها.

وفي العتبية من سماع ابن القاسم عن مالك أنه قال: لا أحب أن يأخذها من وجدها إلا أن يكون لها قدر.

وقال في موضع آخر أو لذي رحمه: وأما الشيء الذي له بال فأرى له أخذه.

وروى عنه أشهب: أما الدنانير وشيء له بال فأحب إلي أن يأخذه، وليس كالدرهم، وما لا بال له لا أحب له أن يأخذ الدرهم ومعنى ذلك أن الشيء

(1)

حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 169).

(2)

عقد الجواهر الثمينة (3/ 988).

(3)

منح الجليل (8/ 230).

ص: 436

الكثير الذي له بال يخاف عليه الضياع إن تركه فأخذه له على وجه التعريف به والحفظ له إلى أن يجده صاحبه من أعمال البر»

(1)

.

القول الثالث: مذهب الشافعية:

نقل عن الشافعي نصان في المسألة:

أحدهما: قال في مختصر المزني: «لا أحب لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان أمينًا عليها»

(2)

.

وقال في الأم: «لا يجوز لأحد ترك لقطة وجدها إذا كان من أهل الأمانة»

(3)

.

واختلف أصحابه لذلك، فمنهم من قال: فيه قولان:

أحدهما: يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه، ويكره تركها لئلا تقع في يد خائن، وإنما لم يجب الالتقاط لأنها أمانة أو كسب وكل منهما لا يجب ابتداء.

الثاني: يجب عليه الالتقاط صيانة للمال عن الضياع.

واختار أبو العباس وأبو إسحاق حمل النصين على حالين مختلفين:

فالموضع الذي قال: يستحب له أخذها إذا كان لا يخاف عليها من الضياع كما لو كانت في موضع يعلم أمانة أهلها.

والموضع الذي قال: يجب عليه أخذها إذا كانت في موضع يخاف عليها من الضياع، واختار هذا التفصيل السبكي.

(1)

المنتقى للباجي (6/ 134).

(2)

مختصر المزني (ص: 135).

(3)

الأم (4/ 66).

ص: 437

ولا يستحب الالتقاط لغير واثق بأمانة نفسه، ويكره لفاسق لئلا تدعوه نفسه إلى الخيانة

(1)

.

جاء في المهذب: «روى المزني أنه قال: لا أحب تركها. وقال في الأم: لا يجوز تركها، فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما لا يجب لأنها أمانة فلم يجب أخذها كالوديعة والثاني يجب .... وقال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما: إن كانت في موضع لا يخاف عليها لأمانة أهله لم يجب عليه؛ لأن غيره يقوم مقامه في حفظها، وإن كان في موضع يخاف عليها لقلة أمانة أهله وجب؛ لأن غيره لا يقوم مقامه، فتعين عليه، وحمل القولين على هذين الحالين، فإن تركها ولم يأخذها لم يضمن؛ لأن المال إنما يضمن باليد أو بالإتلاف ولم يوجد شيء من ذلك، ولهذا لا يضمن الوديعة إذا ترك أخذها فكذلك اللقطة»

(2)

.

القول الرابع:

ذهب الحنابلة إلى أن الملتقط إن أمن نفسه عليها، وقوي على تعريفها، فله أخذها، والأفضل تركها.

وقال أبو الخطاب: أخذها أفضل إذا وجدها بمضيعة، وأمن نفسه عليها

(3)

.

(1)

الحاوي الكبير (8/ 10)، المهذب (1/ 429)، أسنى المطالب (2/ 487)، مغني المحتاج (2/ 406)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (7/ 520)، روضة الطالبين (5/ 391)، نهاية المحتاج (5/ 427).

(2)

المهذب (1/ 429).

(3)

الكافي لابن قدامة (2/ 351)، المحرر (1/ 371)، الإقناع (2/ 399).

ص: 438

جاء في الإقناع: «ومن أمن نفسه عليها وقوى على تعريفها فله أخذها، والأفضل تركها، ولو وجدها بمضيعة، وإن عجز عن تعريفها فليس له آخذها»

(1)

.

إذا علمت تحرير حكم المسألة في كل مذهب من المذاهب الفقهية، نأتي إلى إجمالها مع ذكر الأدلة، فأقول اللقطة لها ثلاثة أحوال:

الحال الأول:

أن يعلم من نفسه الخيانة، فهنا يحرم عليه الالتقاط؛ لأنه بمنزلة الغاصب، ولأن في أخذها تضييعًا لمال غيره فيحرم كإتلافه، وكما لو نوى كتمانها، أو نوى تملكها في الحال.

(ح-1196 د روى مسلم من طريق عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن أبي سالم الجيشاني،

عن زيد بن خالد الجهني، عن رسول الله عليه السلام أنه قال: من آوى ضالة فهو ضال، ما لم يعرفها

(2)

.

[هذا الحديث بهذا اللفظ من أفراد مسلم، وحديث زيد بن خالد في الصحيحين بغير هذا اللفظ، وأبو سالم الجيشاني لم يوثقه إلا ابن حبان والعجلي، وقيل له صحبة]

(3)

.

(1)

الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/ 399).

(2)

صحيح مسلم (1725).

(3)

قال أبو نعيم في الحلية، لم يروه بهذا اللفظ إلا عمرو بن الحارث عن أبي سالم. اهـ وفيه إشارة إلى علة التفرد.

ص: 439

الحال الثانية:

أن يثق بأمانة نفسه، ولا يخشى على اللقطة، فهنا أخذها لا يحرم، والخلاف في الأفضل، وقد اختلفوا فيه على أقوال:

القول الأول:

يستحب أخذها، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، واختيار بعض المالكية.

° دليل من قال بالاستحباب:

الدليل الأول:

(ح-1197 رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،

عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله عليه السلام حتى احمرت وجنتاه - أو احمر وجهه - ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، حتى يلقاها ربها

(1)

.

فقد دل الحديث على استحباب الالتقاط من وجهين:

الوجه الأول:

أن الرسول عليه السلام أمر بأخذ الشاة، بقوله (خذها، فإنما هي لك أو لأخيك، أو

(1)

صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).

ص: 440

للذئب) ومعلوم أن اللقطة مثلها بجامع أن كلًا منهما لا يمتنع على من أراده بهلاك أو فساد.

الوجه الثاني:

أن الرسول عليه السلام أمره بتعريفها، ولم يقل له كما قال في الإبل: دعها حتى يلقاها فدل هذا على أن الأفضل أخذها وتعريفها.

ويناقش:

أما الأمر بأخذ الشاة فهو ليس للندب لأنه قاله جوابًا على سؤال السائل، فيحمل على الإرشاد، نعم يكون الأمر للوجوب أو للندب لو أن الرسول عليه السلام أمر بأخذها ابتداء دون أن يكون ذلك مرتبًا على سؤال السائل، والله أعلم.

أما كون النبي عليه السلام لم ينه السائل عن أخذها كما نهاه في ضالة الإبل فهو دليل على جواز الالتقاط، ولا يمكن أن يكون ترك النهي دليلًا على الاستحباب، بل يطلب الاستحباب من دليل آخر.

الدليل الثاني:

أن أخذ اللقطة إذا وثق بأمانة نفسه فيه صيانة لمال الغير من الضياع، وإنما لم يجب؛ لأنه في مكان لا يخاف عليها؛ لأن صاحبها سوف يفتش عنها في المحل الذي فقدها، ويجدها، ويظفر بماله.

القول الثاني:

يستحب أخذ اللقطة إن كان لها بال. وهو قول في مذهب المالكية.

واحتج أصحاب هذا القول:

بأن اللقطة إذا لم يكن لها بال لم يطلبها صاحبها، ولا تشح بها النفوس.

ص: 441

(ح-1198 د روى البخاري من طريق منصور، عن طلحة،

عن أنس رضي الله عنه، قال: مر النبي عليه السلام بتمرة في الطريق، قال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها

(1)

.

فلم يجعل النبي عليه السلام حكم التمرة حكم اللقطة؛ وهكذا سائر المحقرات من الأموال لا يكون لها حكم اللقطة، وسوف نناقش إن شاء الله تعالى حكم يسير اللقطة في مبحث مستقل.

القول الثالث:

يكره أخذها، وهو مذهب المالكية.

القول الرابع:

الأفضل تركها، وهو مذهب الحنابلة.

° وحجة هذين القولين:

الدليل الأول:

(ح-1199 رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا حميد يعني الطويل، حدثنا الحسن، عن مطرف،

عن أبيه، أن رجلا قال: يا رسول الله، هوام الإبل نصيبها؟ قال: ضالة المسلم حرق النار

(2)

.

[اختلف في إرساله ووصله، والراجح وصله، ورجاله ثقات]

(3)

.

(1)

صحيح البخاري (2431)، وصحيح مسلم (1071).

(2)

مسند أحمد (4/ 25).

(3)

سبق تخريجه.

ص: 442

ويناقش:

بأن الحديث في هوام الإبل، وقد ورد النهي عن أخذ ضالة الإبل لكونها تمتنع بنفسها عن السباع، وترد الماء، ولا يمكن أن يقال: إن العبرة بعموم اللفظ؛ لأنه قد ورد الأمر بأخذ ضالة الغنم، وعلل ذلك بأن تركها يعرضها للتلف بأن يأكلها الذئب، وأذن في أخذ اللقطة من غير الحيوان بشرط أن يعرفها.

الدليل الثاني:

(ث-299) ما رواه مالك، عن نافع، أن رجلا وجد لقطة فجاء إلى عبد الله بن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟

فقال له عبد الله بن عمر: عرفها، قال: قد فعلت؟ قال: زد، قال: قد فعلت، فقال عبد الله: لا آمرك أن تأكلها، ولو شئت لم تأخذها

(1)

.

وروى ابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبد الله بن دينار، قال: قلت لابن عمر: وجدت لقطة، قال: ولم أخذتها

(2)

.

[صحيح]

(3)

.

الدليل الثاني:

(ث-300) ما رواه عبد الرزاق، عن الثوري عن قابوس بن أبي ظبيان،

(1)

الموطأ (2/ 758).

(2)

المصنف (22091).

(3)

ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (22061)، من طريق أيوب، عن نافع به.

ص: 443

[عن أبيه]

(1)

،

عن ابن عباس كان يقول: لا ترفع اللقطة لست منها في شيء، وقال: تركها خير من أخذها

(2)

.

[ضعيف قابوس بن أبي ظبيان متكلم فيه].

قال ابن المنذر: «اختلف أهل العلم في أخذ اللقطة، فكرهت طائفة أخذها، روينا هذا القول عن ابن عمر، وابن عباس

»

(3)

.

وقال ابن قدامة: «الأفضل ترك الالتقاط روي معنى ذلك عن ابن عباس وابن عمر .... ولا نعرف لهما مخالفًا في الصحابة» .

الدليل الثالث:

أن في الالتقاط تعريضًا لنفسه للوقوع في الإثم، فقد يأكلها قبل أن يقوم بحقها، وقد يقصر بما يجب لها من تعريفها، وأداء الأمانة فيها، فكان تركه أولى وأسلم كولاية مال اليتيم.

° الراجح:

أن الأخذ مع الأمن على اللقطة يدور على معنين:

أحدهما: الوصول إلى صاحبها، عن طريق تعريفها، وفي هذا حفظ المال لصاحبه، وهو مطلوب.

(1)

سقط من إسناد عبد الرزاق لفظة (أبيه)، والتصويب من مصنف ابن أبي شيبة (22084) وسنن البيهقي (6/ 192)، ومحلى ابن حزم (7/ 114)، وقابوس لا يروي عن ابن عباس، وإنما يروي عن أبيه، عن ابن عباس.

(2)

عبد الرزاق (18624)، وهو في مصنف ابن أبي شيبة (22084).

(3)

الإشراف على مذاهب العلماء (6/ 368).

ص: 444

الثاني: اكتساب اللقطة عن طريق تعريفها، والاكتساب الأصل فيه الإباحة، لهذا نقول: إن أخذها بنية حفظها لصاحبها كان ذلك مستحبًا، وإن أخذها رغبة في تملكها بعد القيام بتعريفها كان ذلك مباحًا، والله أعلم.

الحال الثالثة:

أن يخاف على اللقطة من الخونة، فاختلفوا في وجوب أخذها:

فقيل: يجب أخذها، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، وأحد القولين في مذهب الشافعية، واختاره بعض الحنابلة.

وقيل: لا يجب أخذها، وهو مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره الكاساني من الحنفية.

واختلف الحنابلة في الأفضل:

فقيل: الأفضل تركها لأثر ابن عمر وابن عباس المتقدمين ولا مخالف لهما من الصحابة، وهذا هو المشهور من المذهب.

وقيل: الأفضل أخذها، اختاره بعضهم لما في ذلك من حفظ مال أخيك المسلم.

° دليل من قال بوجوب الالتقاط إذا خاف عليها:

الدليل الأول:

قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71].

فإذا كان وليه وجب عليه حفظ ماله.

ص: 445

ونوقش هذا:

بأن المراد بهذه الآية النصرة وولاية الدين بدلالة أنه قال: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [التوبة:71].

الدليل الثاني:

أن في تركها تضييعًا لها، وقد نهى النبي عليه السلام عن إضاعة المال.

(ح-1200) لما رواه مسلم من طريق الشعبي، عن وراد، مولى المغيرة بن شعبة،

عن المغيرة بن شعبة، عن رسول الله عليه السلام قال: إن الله عز وجل حرم عليكم: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعا وهات. وكره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال

(1)

.

ونوقش هذا:

بأن الترك لا يكون تضييعًا بل هو امتناع من حفظ مال لم يلزمه حفظه، ولم يلتزمه، والامتناع من ذلك لا يكون تضييعا كالامتناع عن قبول الوديعة.

الدليل الثالث:

القياس على ضالة الغنم، فإنها لما كان يخاف عليها من الذئب أمر الشارع الملتقط أن يأخذها.

(ح-1201) لما رواه البخاري من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن يزيد مولى المنبعث،

عن زيد بن خالد الجهني: أن رجلا سأل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن

(1)

صحيح مسلم (593)، ورواه البخاري بنحوه (1477).

ص: 446

جاء ربها فأدها إليه قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب. قال: يا رسول الله، فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله عليه السلام حتى احمرت وجنتاه - أو احمر وجهه - ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها، حتى يلقاها ربها

(1)

.

ففرق بين الضالة التي يخاف عليها وبين الضالة التي لا يخاف عليها، واللقطة مقيسة عليهما، فإن كان في مكان يخاف عليها من الفسقة كان مأمورًا بأخذها حفظًا لها، وإلا كان له تركها.

ويناقش:

بأن قوله: (خذها) جاء جوابًا على سؤال، فيكون للإرشاد والإباحة، وليس للوجوب، كما لو قلت: أين طريق مكة، فقال لك: اذهب من هنا، لم يكن أمره إلزامًا بالذهاب، والله أعلم.

الدليل الرابع:

القياس على حراسة نفس المسلم، فإذا وجب على المسلم حراسة نفس أخيه المسلم وجب عليه حراسة ماله، فإن حرمة المال كحرمة النفس.

° دليل من قال: لا يجب الالتقاط مطلقًا:

الأصل في حقيقة اللقطة أن فيها معنى الكسب من جهة أن الملتقط يتملكها إن أراد بشرط أن يقوم بما يجب لها، وفيها معنى الأمانة من جهة أنها لو تلفت في يد الملتقط في مدة التعريف أو قبل الاشتغال بها فإنها لا تكون مضمونة على الملتقط، وكلاهما (الكسب أو الأمانة) لا معنى لوجوبه.

(1)

صحيح البخاري (6112)، وهو في مسلم (1722).

ص: 447

° الراجح:

أن الالتقاط لا يجب، وإنما هو مباح، وقد يستحب بشروط، أن يعلم أمانة نفسه، وأن يقوى على تعريفها، والقدرة على حفظها، وأن يكون الباعث على أخذها حفظ حق صاحبها؛ لأنه إن أخذها رغبة في تملكها كان الاكتساب هو الباعث على أخذها، والاكتساب الأصل فيه الإباحة، والله أعلم.

* * *

ص: 448