الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في الضمان بتأخير الرد إلى وارث المالك
[م-1973] علمنا في المبحث السابق انتهاء عقد الوديعة بالموت، فإذا مات المالك انتقل ملكه إلى الورثة بما في ذلك مال الوديعة، ووجب على الوديع رد الوديعة إلى الورثة؛ لأنهم لم يأتمنوه على حفظها، فإذا أخر الوديع الرد حتى تلفت الوديعة فهل يضمن بهذا التأخير؟
في ذلك خلاف بين العلماء:
القول الأول:
إذا مات المالك، لم يلزمه ردها قبل الطلب، وإن كانت التركة مستغرقة بالدين لم يسلمها إلى الورثة، فإن سلمها إليهم ضمن
(1)
.
(2)
.
القول الثاني:
ذهب الشافعية إلى أن المالك إذا مات وجب على الوديع الرد على وارثه
(1)
النتف في الفتاوى (2/ 580)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (803)، مرشد الحيران، مادة (836).
(2)
مرشد الحيران مادة (836).
حالًا؛ لأن الوديعة بالموت صارت ملكًا للوارث، والوارث لم يأتمنه عليها.
فإن تلفت في يده قبل التمكن من الرد لم يضمن، وإن تلفت في يده بعده ضمن على الأصح.
فإن لم يجد الورثة رد إلى الحاكم حتى يأمره فيها بما يراه حظًا لمالكها من إحرازها في يده، أو نقلها إلى غيره، فإن لم يُعلم الحاكم بها ويستأذنه فيها ضمن.
وقيد بعض الشافعية وجوب الرد بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة، فأما إذا علموا فلا يجب الرد إليهم إلا بعد الطلب
(1)
.
وفسر إمام الحرمين أن المقصود بقول الأصحاب: إن تمكن من الرد: أي تمكن من الإعلام فلم يُعْلِم، ولم يرد الأصحاب أنه يلزمه تعاطي الرد بنفسه حتى إن كانت هناك مؤنة في الرد وجب عليه التزامها، فهذا ما لا قائل به من الأصحاب
(2)
.
جاء في الحاوي الكبير: «لو مات رب الوديعة بطل العقد، ولزم المستودع ردها على وارثه، لأنها صارت بالموت ملكا للوارث والوارث لم يأتمنه عليها، فإن لم يفعل ضمن إلا أن يستأنف الوارث إيداعها عنده فتصير وديعة مبتدأة»
(3)
.
وقال النووي في الروضة: «إذا مات المالك، لزم المودع الرد على ورثته
(1)
الحاوي الكبير (8/ 379)، روضة الطالبين (6/ 347)، البيان للعمراني (6/ 475).
(2)
انظر نهاية المطلب (11/ 426).
(3)
الحاوي الكبير (8/ 379).
حتى لو تلف في يده بعد التمكن من الرد، ضمن على الأصح، فإن لم يجد الورثة، رد إلى الحاكم، وقيد في العدة هذا الجواب بما إذا لم تعلم الورثة بالوديعة، أما إذ علموا، فلا يجب الرد إلا بعد طلبهم»
(1)
.
القول الثالث:
ذهب كثير من الحنابلة إلى أن المالك إذا مات وجبت المبادرة إلى رد المال إلى الوارث مع العلم به والتمكن منه.
وقال بعض الحنابلة الواجب الرد إليه أو إعلامه بذلك لزوال الائتمان؛ لأن مؤنة الرد واجبة على الوارث، فإن تلف المال قبل التمكن من الرد أو الإعلام فهدر، وإن تلفت بعده فوجهان
(2)
.
قال ابن رجب: «الأمانات الحاصلة في يده بدون رضا أصحابها فيجب المبادرة إلى ردها مع العلم بمستحقها، والتمكن منه، ولا يجوز التأخير مع القدرة
…
ثم إن كثيرًا من الأصحاب قالوا ههنا: الواجب الرد، وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين: إما الرد أو الإعلام، كما في المغني والمحرر والمستوعب ونحوه ذكره ابن عقيل، وهو مراد غيرهم؛ لأن مؤنة الرد لا تجب عليه، وإنما الواجب التمكين من الأخذ»
(3)
.
° وجه القول بوجوب الضمان بتأخير الرد:
أن الائتمان القائم بين المالك والوديع قد انتهى بموت المالك، وقد انتقل
(1)
روضة الطالبين (6/ 347).
(2)
المبدع (5/ 233)، الإنصاف (6/ 344)، كشاف القناع (4/ 168).
(3)
القواعد لابن رجب (ص: 60).
الملك إلى الورثة، والورثة لم يأتمنوه على حفظها، فتأخير الرد موجب للضمان؛ لكونه قد أمسك مال غيره بغير إذنه، فيكون متعديًا بترك التسليم.
° الراجح:
لا خلاف في أن عقد الإيداع ينتهي بموت المالك، ولكن بقاء المال أمانة في يد الوديع لا ينتهي؛ لأن الأمانة نوعان: أمانة بحكم العقد، وهذا ينتهي بالموت، وأمانة بحكم الشرع، وهذا لا ينتهي إلا برد المال، فيكون المطلوب أن يقوم الوديع بإخبار الورثة بوجود الوديعة، ولا يلزمه أكثر من ذلك، فإن طلب الورثة مالهم وجب تمكينهم من قبضه، فإن تأخر الوديع بلا عذر ضمنه، وإن طالب الوديع الورثة باستلام المال وجب على الورثة استلامه بدون تأخير، فإن تأخروا بلا عذر، ثم تلف المال لم يضمن الوديع، وكذا إذا لم يطلب الورثة المال، فتلف لم يضمن الوديع؛ لأن ترك المطالبة بالمال بعد علمهم به رضا ببقاء المال في يد الوديع، والله أعلم.
* * *