الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في امتناع الوديع من رد الوديعة
[م-1967] إذا طلب المالك رد الوديعة فامتنع الوديع من الرد، فإن امتنع من الرد بلا عذر ضمن، وهذا بالاتفاق؛ لأن الامتناع تعد؛ والأمانات تضمن بالتعدي،
ووجه التعدي: أنه بامتناعه قد فعل ما ليس له فعله. وهذا بالاتفاق
(1)
.
ولأن الوديعة حق لمالكها لم يتعلق بها حق لغيره فلزم أداؤها إليه كالمغصوب، والدين الحال. فإن امتنع من دفعها في هذه الحال فتلفت. ضمنها؛ لأنه صار غاصبًا لكونه أمسك مال غيره بغير إذنه بفعل محرم فأشبه الغاصب.
[م-1968] وإن كان الامتناع من الرد لعذر ففي ضمانه خلاف بين الفقهاء على قولين:
(1)
بدائع الصنائع (6/ 213)، العناية شرح الهداية (8/ 487)، تبيين الحقائق (5/ 77)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (794)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 245)، الخرشي (6/ 117 - 118)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 853)، التاج والإكليل (5/ 265)، الشرح الكبير (3/ 431)، منح الجليل (7/ 41)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 566)، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 276)، المنثور في القواعد الفقهية (3/ 204)، روضة الطالبين (6/ 343)، الفروع (4/ 490)، مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1336)، الإنصاف (6/ 352).
القول الأول:
لا يضمن، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة
(1)
.
جاء في الهداية: «فإن طلبها صاحبها، فمنعها، وهو يقدر على تسليمها ضمنها؛ لأنه متعد بالمنع؛ لأنه لما طالبه لم يكن راضيًا بإمساكه بعده، فيضمنه بحبسه عنه»
(2)
.
(3)
.
وقال النووي في الروضة: «فإذا كانت الوديعة باقية لزم المودع ردها إذا طلبها المالك، فإن أخر من غير عذر دخلت الوديعة في ضمانه»
(4)
.
وقال ابن مفلح: «ومن أخر ردها بعد طلبها بلا عذر ضمن، ويمهل لأكل، ونوم، وهضم طعام ونحوه بقدره
…
»
(5)
.
(1)
انظر المراجع السابقة.
(2)
الهداية شرح البداية (3/ 215).
(3)
عقد الجواهر الثمينة (2/ 853).
(4)
روضة الطالبين (6/ 343).
(5)
الفروع (4/ 490).
° وجه عدم القول بالضمان:
لم يجب الضمان إذا كان الامتناع من الرد لعذر استصحابًا ليد الأمانة، ولانتفاء موجب التضمين حيث إنه لا يعد بذلك متعديًا، والأمين إذا لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه.
القول الثاني:
إن كان التأخر لتعذر الوصول إلى الوديعة فلا ضمان، وإن كان التأخير لعسر يلحقه، أو غرض يفوته فعليه الضمان، وهذا اختيار الغزالي من الشافعية، وقول في مذهب الحنابلة
(1)
.
قال الغزالي في الوسيط: «وإن كان في جنح الليل، وتعذر عليه الوصول إليه لم يضمن، وإن كان في جماع، أو على طعام لم يعص بالتأخير في هذا القدر، ولكنه جائز بشرط سلامة العاقبة، فإن تلف بهذا التأخير ضمن»
(2)
.
وجاء في الإنصاف نقلًا من الترغيب والتلخيص: «إن أخر لكونه في حمام، أو على طعام إلى قضاء غرضه ضمن، وإن لم يأثم على وجه. واختاره الأزجي فقال: يجب الرد بحسب العادة، إلا أن يكون تأخيره لعذر ويكون سببًا للتلف فلم أر نصًا، ويقوى عندي أنه يضمن؛ لأن التأخير إنما جاز بشرط سلامة العاقبة. انتهى»
(3)
.
(1)
روضة الطالبين (6/ 344).
(2)
الوسيط (4/ 514)، الإنصاف (6/ 352).
(3)
الإنصاف (6/ 352).
° وجه القول بالضمان:
أن التأخير إنما جاز بشرط سلامة العاقبة، فلما كان التأخير سببًا في الإتلاف، وهو لا يملك التأخير ضمن.
° الراجح:
أن التأخير إذا كان لعذر فإنه لا يوجب الضمان، وإن كان بلا عذر، أو أخره لعذر ولكن زال العذر، ولم يشتغل بالرد فإنه يضمن.
والأعذار المعتبرة لا يمكن حصرها، وإن كان الفقهاء يضربون لها أمثلة فليس الغرض من ذلك الحصر، ويمكن تلمس الضابط لهذه الأمثلة:
أن تأخير الرد إن كان بسبب العجز أو الخوف، أو كان في مصلحة فخشي فواتها بالتسليم فأخر الرد لم يضمن
(1)
.
فالعجز يشمل العجز الحسي كما لو كانت الوديعة في مكان ناء.
ويشمل العجز الشرعي كما لو كان في صلاة.
والخوف يشمل خوفه على نفسه أو على ماله، أو خشي من ظلم المالك له أو لغيره، أو خشي بالتسليم ضياع حق من الحقوق.
أو كان في مصلحة فخشي فواتها بالتسليم: كما لو كان على طعام، أو في حمام، أو ملازمة غريم يخاف هربه.
إذا علم هذا نأتي على ذكر الأمثلة.
فذكر الحنفية من الأعذار الموجبة للتأخير:
(1)
انظر اللباب في شرح الكتاب (2/ 197).
أن تكون الوديعة سيفًا، فأراد المودع أن يأخذه من المودع ليضرب به رجلًا ظلمًا، فإنه لا يدفعه إليه.
ولو أودع الزوجة كتابًا وكان فيه إقرار منها للزوج بمال، أو بقبض مهرها من الزوج فللمودع ألا يدفع الكتاب إليها إذا خاف ذهاب حق الزوج
(1)
.
ومن الأعذار لو طلب ردها، وكان في موضع ناء لا يقدر في الحال على ردها فإنه لا يضمنها
(2)
.
ومثله لو طلب ردها وقت الفتنة، وخاف على نفسه أو على ماله بأن كانت الوديعة مدفونة مع ماله، وخشي عليه من الغصب أو السرقة.
ومن الأعذار عند الشافعية: جاء في كفاية الأخيار: «العذر مثل كونه بالليل، ولم يتأت فتح الحرز حينئذ، أو كان في صلاة، أو قضاء حاجة، أو طهارة، أو أكل، أو حمام، أو ملازمة غريم يخاف هربه، أو يخشى المطر والوديعة في موضع آخر، ونحو ذلك، فالتأخير جائز. قال الأصحاب: ولا يضمن وطردوه في كل يد أمانة والله أعلم»
(3)
.
ومن الأعذار ما لو كان يبيع ويشتري في السوق، فقال: حتى أرجع إلى البيت، أو كان مريضًا، فقال: لا أحب أن يتولى إخراجها غيري؛ لأني قد
(1)
البحر الرائق (7/ 275).
(2)
الجوهرة النيرة (1/ 348)، الفتاوى الهندية (4/ 352).
(3)
كفاية الأخيار (1/ 326)، وانظر روضة الطالبين (6/ 344)، الإقناع في حل لفظ أبي شجاع (2/ 379).
أحرزتها، أو كان المال في الصندوق، وقد ضاع مفتاحه، فإنه لا يجبر على كسر القفل، فيعطى مهلة لكي يحصل على المفتاح
(1)
.
ومن الأعذار عند الحنابلة، ما ذكره في مجلة الأحكام الشرعية:
(2)
.
* * *
(1)
انظر البيان في مذهب الإمام الشافعي (6/ 458).
(2)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1336).