الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في إيداع الصبي المميز
كل من جاز له أن يوكل جاز له أن يودِع ومن جاز له أن يتوكل جاز له أن يودَع.
[م-1899] إذا أودع الصبي المميز مالًا، فإن كان غير مأذون له لم يصح إيداعه؛ لأنه محجور عليه في ماله.
قال القرافي في الذخيرة: «ينبغي أن يكون ذلك متفقاً عليه»
(1)
.
قال تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما} [النساء:5].
وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6].
وجه الاستدلال:
أن الله سبحانه وتعالى نهى أن نؤتي السفيه أموالنا، ثم بين الله سبحانه وتعالى في الآية التي بعدها متى ندفع الأموال إليهم {حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] ففهم من الآية أن أموالهم لا تدفع إليهم قبل تحقق الشرطين: البلوغ، والرشد، فإذا كنا ممنوعين من دفع المال إليهم كان المنع من تصرفهم في هذا المال من باب أولى.
[م-1900] أما إذا كان الصبي المميز مأذونًا له في التصرف فاختلف العلماء في صحة إيداعه على قولين:
(1)
الذخيرة (9/ 139).
القول الأول:
يصح إيداع الصبي بشرطين أن يكون مميزًا، وأن يكون مأذونًا له، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة
(1)
.
قال الكاساني: «وأما شرائط الركن فأنواع منها عقل المودِع
…
وأما بلوغه فليس بشرط عندنا، حتى يصح الإيداع من الصبي المأذون؛ لأن ذلك مما يحتاج إليه التاجر؛ فكان من توابع التجارة، فيملكه الصبي المأذون، كما يملك التجارة»
(2)
.
وقال ابن قدامة: «فإن كان الصبي مميزًا صح إيداعه لما أذن له في التصرف فيه؛ لأنه كالبالغ بالنسبة إلى ذلك»
(3)
.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية: «يشترط في صحة عقد الوديعة أن يكون المودع والمستودع مميزين ولا يشترط كونهما بالغين
…
»
(4)
.
° حجة هذا القول:
قال تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم} [النساء: 2].
وقال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6].
(1)
بدائع الصنائع (6/ 207)، البحر الرائق (8/ 445)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (776)، المغني (6/ 311)، الإنصاف (6/ 335)، مجلة الأحكام الشرعية الحنبلية، مادة (1322).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 207).
(3)
المغني (6/ 311).
(4)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (776).
وجه الاستدلال:
في الآية الأولى أمر الله بدفع أموال اليتامى إليهم، فلولا أن تصرفه معتبر شرعاً لما كان للأمر بدفع الأموال فائدة؛ لأن دفع المال إليهم يمكنهم من التصرف فيه، وذلك إنما يكون عند الاختبار.
وسماهم يتامى، واليتيم: اسم للصغير الذي لم يبلغ.
وفي الآية الثانية: أمرنا بابتلائهم وهم أيتام، ومعنى الآية: اختبروهم لتعلموا رشدهم، وإنما يتحقق ذلك بتفويض التصرف إليهم في البيع والشراء، ولوازمهما، ولما أمر الله باختبارهم مد هذا إلى غاية، وهي البلوغ، قال تعالى:{وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح} [النساء: 6] فدل على أن الاختبار إنما هو قبل البلوغ، وهذا الاختبار إنما يحصل إذا أذن لهم في التصرف بيعًا وشراء، وإذا أذن لهم بالتجارة كان ذلك إذنًا في توابع التجارة، ومنها الإيداع.
القول الثاني:
ذهب المالكية والشافعية إلى أن الإيداع توكيل، ولا يصح إلا من البالغ العاقل
(1)
.
جاء في حاشية الدسوقي: «كل من جاز له أن يوكل: وهو البالغ العاقل الرشيد جاز له أن يودع»
(2)
.
(1)
حاشية الدسوقي (3/ 419)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 549)، كفاية الطالب الرباني مع حاشية العدوي (2/ 276)، حاشية العدوي على الخرشي، (6/ 108)، الحاوي الكبير (8/ 384)، تحفة المحتاج (7/ 103)، روضة الطالبين (6/ 325)، المهذب (1/ 366).
(2)
حاشية الدسوقي (3/ 419).
وقال في كفاية الطالب: «من صح منه أن يوكل غيره صح منه أن يودع غيره
…
قال العدوي في حاشيته عليه: والذي يصح منه أن يوكل العاقل البالغ الرشيد إلا الصغيرة في لوازم العصمة»
(1)
.
وجاء في الحاوي الكبير: «وإذا أودع صبي رجلًا وديعة لم يكن للرجل أن يقبلها منه؛ لأن الصبي لا نظر له في مال نفسه، فإن قبلها الرجل منه ضمنها حتى يسلمها إلى وليه أو الحاكم، فإن ردها على الصبي لم يسقط الضمان عنه
…
»
(2)
.
بل إن الشافعية وحدهم خلافًا للجمهور أبطلوا جميع تصرفات الصبي المالية حتى منعوا بيع الصبي مطلقاً، سواء كان الصبي مميزاً أو غير مميز، باشر بإذن الولي أو بغير إذنه، حتى بيع الاختبار لا يجوز أن يتولى الصبي فيه البيع، وإنما يفوض إليه الاستيام، وتدبير العقل، فإذا انتهى الأمر إلى اللفظ أتى به الولي
(3)
.
وقد ذكرت حجتهم في بيع الصبي وناقشتها، وبينت أن قول الجمهور أولى بالصواب فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
° الراجح:
أن أهلية التصرف تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أهلية كاملة: هي في حق البالغ الحر الرشيد غير المحجور عليه، فمن اتصف
(1)
حاشية العدوي على كفاية الطالب 2/ 276).
(2)
الحاوي الكبير (8/ 384).
(3)
روضة الطالبين (3/ 344)، المجموع (9/ 185)، الوسيط (3/ 12)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (5/ 12)، نهاية المحتاج (3/ 386)، حاشيتا قليبوبي وعميرة (2/ 195).
بهذه الصفات تحققت له أهلية الأداء الكاملة، ويكون حراً طليقاً في تصرفاته إلا بما نهى عنه الشرع أو قيده.
أهلية معدومة: وهي في حق الصبي غير المميز، والمجنون ونحوهما، فهذا لا تصح تصرفاته مطلقًا أذن له وليه أو لم يأذن.
وأهلية ناقصة: وهي في حق الصبي المميز، والنقص في أهليته تنجبر بالإذن له من وليه، فمن قارب البلوغ، وكان مأذونًا له بالتصرف فإنه تصرفه صحيح، فإذا صح بيعه على الصحيح، وهو ينقل الملك في المال فالإيداع من باب أولى أن يصح؛ لأنه مجرد حفظ للمال، ولا ينقل الملك.
* * *