الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
في تجهيل الوديعة
تجهيل الوديعة موجب للضمان لتعريضها للتلف.
[م-1958] إذا مات الوديع ولم يبين ما عنده من وديعة، فإن كانت الوديعة معروفة بعينها فهي أمانة في يد الورثة، ويجب عليهم ردها لمالكها بلا خلاف بين الفقهاء.
(ح-1194) لما رواه البخاري من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن عمر بن عبد العزيز، أخبره أن أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبره،
أنه، سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله عليه السلام: من أدرك ماله بعينه عند رجل أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره
(1)
.
فالحديث نص أن لصاحب المتاع الرجوع بعين ماله إذا وجده عند رجل قد أفلس، وإن كان المفلس قد ملكه عن طريق المعاوضة، فالمودع أولى بهذا الحكم من غيره؛ لأن الوديعة هي على ملك صاحبها لم تنتقل إلى ملك الوديع.
وأما إن مات الوديع مجهلًا حال الوديعة فلم يبين حالها ولم يوص بها فإنه يضمنها بالتجهيل؛ وتصير دينًا واجب الأداء من تركته كباقي الديون ويشارك المودِع سائر غرماء الوديع فيها، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة في الجملة على خلاف بينهم بالتفصيل
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (2402)، ومسلم (1559).
(2)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط (11/ 129)، بدائع الصنائع (6/ 213)، مرشد الحيران، مادة (834)، مجلة الأحكام العدلية، المادة (801).
واستثنى الحنفية من الأمانات ثلاثًا لا تضمن بالتجهيل:
أحدها: الناظر إذا مات مجهلًا غلات الوقف.
والثانية: السلطان إذا خرج إلى الغزو، وغنموا، وأودع بعض الغنيمة عند بعض الغانمين، ومات ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه.
والثالثة: القاضي إذا أودع مال اليتيم غيره، ثم مات، ولم يبين عند من أودع لا ضمان عليه، أما لو وضعه في بيته، ثم مات القاضي، ولم يبين، فذكر هشام عن محمد أنه يضمن.
وزاد بعض الحنفية رابعة: وهو أحد المتفاوضين إذا مات ولم يبين حال المال الذي في يده لم يضمن نصيب شريكه. انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 233)، البحر الرائق (7/ 275).
وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (6/ 306)، مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1362).
واشترط الحنفية للضمان عدم معرفة الوارث بالوديعة
(1)
.
واشترط المالكية ألا تتقادم كعشر سنين من يوم الإيداع؛ إذ لا ضمان عليه حينئذ؛ لأنه يحمل على أنه ردها لربها إلا أن تكون الوديعة ثابتة بإشهاد قصد به التوثيق فلا يسقط الضمان بطول الزمان، فإن أوصى بها ثم لم توجد فإنه لا يضمنها كما لو تلفت بلا تعد ولا تفريط
(2)
.
(1)
انظر البحر الرائق (7/ 275) الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 233).
(2)
المدونة (6/ 149)، الخرشي (6/ 113)، منح الجليل (7/ 23)، التاج والإكليل (5/ 258)، الشرح الكبير (3/ 425 - 426).
وانظر في مذهب الحنابلة: المغني (6/ 306)، الإقناع (2/ 382)، كشاف القناع (4/ 178)، مطالب أولي النهى (4/ 163).
وقال الشافعية: من كانت عنده وديعة، وهو في حال الصحة واستمرار السلامة، فلو مات فجأة، أو قتل غيلة، ولم يتمكن من الإيصاء، فلا ضمان؛ لأنه لا ينسب إلى التقصير، وإن كان أدب الدين يقضي ألا يبيت المسلم ليلة إلا ووصيته مكتوبة عنده، ولكن ترك الأولى لا يوجب الضمان.
ولو مرض الرجل مرضًا مخوفًا، أو حبس ليقتل، وتمكن من الإيصاء، ثم تركه، فإن ذلك موجب للضمان؛ لأنه بإعراضه وتركه الدلالة على الوديعة مع ظهور شواهد الموت يعد مضيعًا للوديعة، والتضييع من أسباب الضمان.
ويشترط الإشهاد على ما فعله من ذلك صونًا له عن الإنكار، ولا بد في الإيصاء أن يعين الوصية بإشارة إليها، أو يصفها بما تتميز به، فلو لم يبين الجنس، بل قال: عندي وديعة، فهو كما لو لم يوص
(1)
.
هذا ما يخص الأقوال، وأما النصوص الدالة على ذلك، فاخترت منها:
جاء في مجلة الأحكام العدلية: «إذا مات المستودع بدون أن يبين حال الوديعة يكون مجهلًا فتؤخذ الوديعة من تركته كسائر ديونه»
(2)
.
وجاء في التاج والإكليل: «من هلك وقِبَله قراض وودائع لم توجد، ولم
(1)
روضة الطالبين (6/ 329)، مغني المحتاج (3/ 83)، أسنى المطالب (3/ 77)، نهاية المطلب (11/ 397).
(2)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (801).
يوص بها فذلك في ماله، ويحاص بذلك غرماؤه
…
وهذا صحيح لا أعلم فيه خلافًا»
(1)
.
(2)
.
وقال أيضًا: «أن يبين الوديعة ويميزها عن غيرها بإشارة إليها، أو ببيان جنسها وصفتها، فلو لم يبين الجنس، بل قال: عندي وديعة، فهو كما لو لم يوص
…
لو ذكر الجنس فقال: عندي ثوب لفلان، نظر إن لم يوجد في تركته ثوب، فهل يضمن؟ وجهان، أصحهما عند جماهير الأصحاب: يضمن؛ لتقصيره في البيان .... وإن وجد في تركته أثواب، ضمن قطعًا؛ لأنه إذا لم يميز، فكأنه خلط الوديعة ....
قال الإمام: إذا لم يوص أصلًا، فادعى صاحب الوديعة أنه قصر، وقال الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير، فالظاهر براءة الذمة .... جميع ما ذكرناه إذا تمكن من الإيداع، أو الوصية، فإن لم يتمكن، بأن قتل غيلة، أو مات فجأة، فلا ضمان»
(3)
.
وجاء في مجلة الأحكام الشرعية: «يضمن الوديع إذا مات مجهلا للوديعة فلم
(1)
التاج والإكليل (7/ 281).
(2)
روضة الطالبين (6/ 329).
(3)
المرجع السابق.
يعلم حالها ولم توجد في تركته وتغرمها التركة كسائر الديون من غير تفصيل»
(1)
.
° وجه القول بالضمان بالتجهيل:
الوجه الأول:
أن الوديع بالتجهيل عرض الوديعة للفوات على صاحبها، وهذا موجب للضمان.
الوجه الثاني:
أن في تركه بيان الوديعة قد أدى ذلك إلى اختلاط الوديعة بماله خلطًا لا تتميز، والخلط موجب للضمان كما سبق بحثه.
الوجه الثالث:
أنه بتجهيل الوديعة صار ممتلكًا لها، حيث سلط غرماءه وورثته على أخذها والوديع بالتملك يصير ضامنًا.
* * *
(1)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1362).