الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
في تعليق الوديعة وإضافتها إلى المستقبل
المعلق بالشرط عند وجود الشرط كالمنجز
(1)
.
تكلمنا فيما سبق عن كلام الفقهاء في تعليق العقود، فمنع الجمهور التعليق في عقود التمليك، سواء كان التمليك بعوض كالبيع والإجارة، ونحوهما، أو كان التمليك في عقود التبرع كالهبة، والصدقة، ورجحت صحة التعليق فيها.
وأما ما كان من قبيل الإسقاط كالعتق، والتدبير، والطلاق والظهار، والخلع فهذا يقبل التعليق.
وأما عقد الوديعة فهو ليس من عقود التمليك، بل فيه شبه بعقد الوكالة؛ لأنه توكيل بالحفظ دون التصرف، فهو توكيل مقيد، فهل يجوز تعليق الإيداع كأن يقول: إذا قدم زيد فمالي وديعة عندك.
[م-1897] وهل يصح إضافة عقد الوديعة إلى المستقبل، كأن يقول: أودعك هذا المال بعد شهر؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول:
يصح تعليق الوديعة، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والحنابلة وقطع به الروياني من الشافعية
(2)
.
(1)
أصول السرخسي (1/ 22)، شرح أصول البزدوي (2/ 275).
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 318)، الذخيرة (8/ 95)، الفوائد في اختصار المقاصد (ص: 98)، تحفة المحتاج (7/ 103)، الإنصاف (6/ 353)، شرح منتهى الإرادات (2/ 357)، كشاف القناع (4/ 184)، مطالب أولي النهى (4/ 160)، منار السبيل (1/ 450).
قال القرافي في الذخيرة: «لو قال:
…
إن جاء متاعي غدًا فاقبضه صح إجماعًا مع التعليق على أمر مستقبل اتفاقًا، فيجوز هاهنا»
(1)
.
(2)
.
وجاء في قواعد ابن رجب: «لو صرح بالتعليق فقال كلما خنت ثم عدت فأنت أمين فإنه يصح لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة صرح به القاضي»
(3)
.
° دليل من قال بالصحة:
الدليل الأول:
لا يوجد دليل يمنع من صحة الوديعة إذا علقت على الشرط، أو أضيفت إلى المستقبل، والأصل في المعاملات الصحة والجواز.
الدليل الثاني:
أن الوديعة توكيل بالحفظ، والوكالة تقبل التعليق
(4)
.
(1)
الذخيرة (8/ 95).
(2)
روضة الطالبين (6/ 325).
(3)
القواعد (ص: 71).
(4)
تبيين الحقائق (4/ 134).
(ح-1168) فقد روى البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن سعيد، عن نافع،
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله عليه السلام في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله عليه السلام: إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة
(1)
.
القول الثاني:
لا يصح تعليق الوديعة، وهو الأظهر في مذهب الشافعية
(2)
.
جاء في تحفة المحتاج: «ولو علقها كأن قال إذا جاء رأس الشهر فقد أودعتك هذا لم يصح كالوكالة كما بحثه في أصل الروضة وجرى عليه ابن المقري»
(3)
.
° حجة من قال: لا يصح تعليق الوديعة:
قياس الوديعة على الوكالة، وتعليق الوكالة على شرط مستقبل لا يصح عندهم؛ لأنه عقد تؤثر الجهالة في إبطاله، فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع، والإجارة.
ويجاب:
قد ناقشت حكم تعليق البيع والإجارة، وبينت صحة تعليق العقود وإضافتها إلى المستقبل في مبحث مستقل، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد.
(1)
صحيح البخاري (4261).
(2)
الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 361)، تحفة المحتاج (7/ 103).
(3)
تحفة المحتاج (7/ 103).
القول الثالث:
لا يصح التعليق، وتصح إضافة الوديعة إلى المستقبل، وهو قول في مذهب الشافعية
(1)
.
° الراجح:
أرى أن القول الراجح صحة تعليق الوديعة على شرط وكذا إضافتها إلى المستقبل، وإذا كان الأصح في عقود التمليك أنه يصح تعليقها كما جاءت الآثار في ذلك:
(ث-294) فقد روى البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم.
قال البخاري: عامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر فله الشطر، وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا.
[منقطع، وقد جاء من طريق آخر مرسلاً، قال الحافظ: فيتقوى أحدهما بالآخر]
(2)
.
(1)
الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 361).
(2)
صحيح البخاري (2/ 820) وصله ابن أبي شيبة في مصنفه (7/ 426) حدثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، أن عمر أجلى أهل نجران اليهود والنصارى، واشترى بياض أرضهم وكرومهم، فعامل عمر الناس: إن هم جاؤوا بالبقر والحديد من عندهم فلهم الثلثان، ولعمر الثلث، وإن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر .. وذكر الأثر.
ويحيى بن سعيد لم يدرك عمر رضي الله عنه. قال الحافظ في الفتح (5/ 12): «هذا مرسل» .
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 135) من طريق إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم، لا يبقين دينان بأرض العرب، فلما استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى أهل فدك، وتيماء، وأهل خيبر، واستعمل يعلى بن أمية، فأعطى البياض على إن كان البذر والبقر والحديد من عمر، فلعمر الثلثان، ولهم الثلث، وإن كان منهم، فلهم الشطر. قال البيهقي: .... وهو مرسل.
قال الحافظ في الفتح (6/ 135): «فيتقوى أحدهما بالآخر .. » .
وإذا جاز التعليق في عقود المعاوضات فيجوز التعليق في عقود التبرع من باب أولى.
(ح-1169) وروى البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله لا أجدني إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود
(1)
.
وإذا صح تعليق العبادات صح تعليق المعاملات، والله أعلم.
(1)
صحيح البخاري (5089)، ومسلم (1207).