الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
إذا اقترض من الوديعة ثم رد بدله
المسألة الأولى
أن يكون البدل متميزًا عن باقي الوديعة
[م-1943] إذا اقترض الوديع من الوديعة كان ضامنًا ما أخذه بالاتفاق، فإذا استهلكه، ورد بدل ما اقترضه، فإن كان هذا البدل متميزًا عن باقي الوديعة، ولم يختلط بالوديعة خلطًا لا يتميز عنها، ثم تلفت الوديعة، فهل يضمن الجميع، أو يضمن مقدار ما تعدى به، وهو مقدار ما اقترضه؟
في ذلك خلاف بين أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إذا اقترض من الوديعة فلم يرد ما أخذ، ثم تلفت الوديعة بغير تعد منه ولا تفريط لم يضمن إلا ما أخذ.
فإن رد بدل ما أخذ، وخلطه بالوديعة، وكان الذي رده متميزًا عن باقي الوديعة لم يضمن إلا مقدار ما اقترضه، وهذا هو مذهب الحنفية، وبه قال الشافعية والحنابلة بشرط أن يكون قد أخذ الدراهم من كيس غير مشدود ولا مختوم؛ لأنه إذا كان الكيس مختومًا أو مشدودًا فهتك الحرز ضمن عند الشافعية والحنابلة حتى ولو لم يأخذ من الكيس شيئًا
(1)
.
(1)
مجمع الضمانات (ص: 83)، بدائع الصنائع (6/ 213)، العناية شرح الهداية (8/ 489)، الأم (4/ 137)، المهذب (1/ 361)، الحاوي الكبير (8/ 364)، نهاية المطلب (11/ 417)، الكافي لابن قدامة (2/ 379)، المغني (6/ 310)، المبدع (5/ 241)، الإنصاف (6/ 332)، المحرر (1/ 364) ..
جاء في مجمع الضمانات: «الوديعة إذا كانت دراهم أو دنانير أو شيئًا مما يكال أو يوزن، فأنفق المودِع طائفة منها ضمن ما أنفق، ولا يضمن الباقي إن هلك، فإن جاء المودع بمثل ما أنفق فخلطه بالباقي كان ضامنا للكل؛ لأن ما جاء به ماله، فصار خالطًا ماله بالوديعة اهـ
قال في الفصولين: هذا إذا لم يتميز ما خلط، أما لو تميز بعلامة أو شده بخرقة لم يضمن إلا ما أنفق»
(1)
.
وعليه فلو لم يرد البدل حتى تلفت الوديعة فلا يضمن إلا ما أنفق؛ لأن الضمان يجب بقدر الخيانة، وقد خان في البعض دون البعض، وإن رد بدل ما أخذ، فإن كان لا يتميز ضمن الجميع بسبب الخلط؛ وليس بسبب الأخذ؛ لأنه خلط ماله بالوديعة، وإن كان متميزًا لم يضمن إلا ما أخذ حيث لم يوجد خلط.
(2)
.
وقال الشيرازي في المهذب: «وإن أودعه دراهم في كيس مشدودة، فحله، أو خرق ما تحت الشد ضمن ما فيه؛ لأنه هتك الحرز من غير عذر»
(3)
.
(1)
مجمع الضمانات (ص: 83).
(2)
الأم (4/ 137).
(3)
المهذب (1/ 361).
° وجه القول بأنه لا يضمن إلا ما اقترض:
أما المقدار الذي اقترضه فقد تعدى فيه فيجب عليه ضمانه، ولا يبرأ من الضمان برد البدل؛ لأن الضمان متعلق بالذمة، والبدل يكون ملكًا للوديع، وإنما يبرأ برد البدل إلى المودِع وهذا ما لم يحصل، لهذا استقر عليه ضمان ما أخذه.
وأما باقي الوديعة فلا ضمان عليه فيها حيث إن التعدي لم يتطرق إليها، ورد ماله إلى الوديعة لم يوجب ضمان الباقي؛ لأن المال المردود كان متميزًا عن باقي الوديعة، فلم يتعد الضمان إلى باقي الوديعة، أما لو خلط بدل القرض خلطًا لا يتميز، فقد خلط ماله بمال الوديعة، وخلط ماله بمال الوديعة بدون إذن المالك يوجب الضمان إذا لم يتميز.
القول الثاني:
الاقتراض من الوديعة عند المالكية له حالان: التحريم وعدمه.
فالتحريم، كما لو كانت الوديعة قيمية، أو كان المودع معسرًا.
وعدم التحريم كما لو كانت الوديعة مثلية يكثر توفر مثلها في السوق، وكان الوديع موسرًا. وسبق التفصيل في مذهب المالكية في المبحث السابق.
فإذا تسلف ما لا يحرم تسلفه، ثم رد بدله قبل تلف الوديعة لم يضمن
(1)
.
(1)
الخرشي (6/ 110)، مواهب الجليل (5/ 255)، الشرح الكبير (3/ 422)، منح الجليل (7/ 9)، التهذيب في اختصار المدونة (4/ 295).
(1)
.
° دليل المالكية على عدم الضمان:
أن الاقتراض يوجب ضمان البدل إذا لم يكن الاقتراض محرمًا، فإذا رد بدله فقد قام بالضمان الذي عليه، ولا يجب عليه ضمان آخر؛ لأنه لم يتعد بالاقتراض.
وقد ذكرت أدلتهم في عدم تحريم الاقتراض، وناقشته في المسألة السابقة، وهو قول مرجوح، وما بني على قول مرجوح فهو مرجوح مثله، والله أعلم.
القول الثالث:
أنه يضمن الجميع، سواء رده أو لم يرده، وسواء اختلط أو لم يختلط. وهذا رواية في مذهب الحنابلة
(2)
.
° وجه القول بالضمان:
بأن هذه الوديعة قد تعدى فيها، فضمنها كما لو أخذ الجميع.
(1)
التهذيب في اختصار المدونة (4/ 295).
(2)
المبدع (5/ 241).
° الراجح:
لو قيل: إذا كان ما أخذه من الوديعة مالًا مثليًا، فيحرم عليه الاقتراض، فإذا أخذه ثم رد بدله، كما لو أخذ درهمًا، فرد بدله درهمًا فإنه يبرأ بالرد، فلو تلفت الوديعة بعد ذلك لم يضمن، سواء كان الخلط متميزًا أو غير متميز؛ لأنه قد رجع وتاب عن الاعتداء قبل التلف، وصحح ذلك، والمال المثلي آحاده متساوية، وقد انتقل ما وجب في ذمته إلى التعيين بالرد.
وإن كان ما أخذه من الوديعة قيميًا، فقد وجبت قيمته، فإذا رد بدله لم يبرأ حتى يرده إلى صاحبه، ويرضى بقيمة ما رده؛ لأن المال القيمي يختلف الناس بتقييمه، والمودَع غاصب فوجب أن يعامل معاملة الأشد، فلا يرضى بتقييمه هو، بل لا بد من رضا المالك بقيمة ما أخذ، لهذا كان الواجب رده على صاحبه، فلم يبرأ بالرد إلى الوديعة، والله أعلم.
* * *