الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
في ارتفاع الضمان برجوعه عن التعدي
الأمانة المحضة تبطل بالتعدي.
[م-1931] إذا تعدى الوديع أو فرط، ثم رد بدلها فهل تعود له الأمانة، أو يبقى ضامنًا حتى يدفع الوديعة إلى صاحبها؟
في ذلك خلاف بين العلماء:
القول الأول:
إذا زال التعدي زال الضمان، وهذا مذهب الحنفية
(1)
.
(2)
.
وقال سبط ابن الجوزي: «المودع إذا خالف في الوديعة، ثم عاد الى الوفاق برئ من الضمان، وهو قول مالك.
(1)
البحر الرائق (7/ 277)، إيثار الإنصاف في آثار الخلاف (ص: 263).
(2)
البحر الرائق (7/ 277).
وقال زفر: لا يبرأ، وهو قول الشافعي وأحمد»
(1)
.
القول الثاني:
إذا تعدى ثم أزال التعدي فإنه ضامن حتى يردها إلى صاحبها، وهو مذهب الشافعية والمشهور من مذهب الحنابلة
(2)
.
(3)
.
° وجه هذا القول:
أن الوديعة تضمن بالتعدي تارة، وبالجحود أخرى، فلما كان لو ضمنها بالجحود، ثم اعترف لم يسقط عنه الضمان، وجب إذا ضمنها بالتعدي، ثم كف أن لا يسقط عنه الضمان، ولأن الوديعة مال وجب ضمانه بهتك الحرز، فوجب ألا يسقط ضمانه بعوده إلى الحرز
(4)
.
القول الثالث:
ذهب المالكية إلى التفريق بين الوديعة المثلية، وبين الوديعة القيمية:
فإن تعدى على وديعة مثلية كالدراهم والدنانير، أو كانت الوديعة طعامًا مكيلًا
(1)
إيثار الإنصاف في آثار الخلاف (ص: 263).
(2)
المهذب (1/ 362)، روضة الطالبين (6/ 335)، أسنى المطالب (2/ 156)، الحاوي الكبير (8/ 361)، المبدع (5/ 234)، القواعد لابن رجب (ص: 70) ..
(3)
القواعد (ص: 70).
(4)
الحاوي الكبير (7/ 125).
أو موزونًا، فتعدى فيه، فرد مثله مكانه فلا شيء عليه بعد ذلك إن تلف بدون تعديه أو تفريطه.
وإن كانت الوديعة عروضًا قيمية فهو ضامن لها من ساعة إتلافها، سواء رد بدلها إلى مكانها أم لا، ولا يبرأ من تلك القيمة إلا إذا أشهد على ردها لربها
(1)
.
° وجه القول بالتفريق:
أن المال المثلي يجب على المودِع أن يرد مثله، فإذا رد مثله فقد برئ من الضمان، ورجعت إليه الأمانة.
وأما المال القيمي فإنه يجب عليه قيمته، فإذا استهلك ثياباً وجب عليه قيمتها؛ فإذا أخرج ثيابًا مكان القيمة لم يبرأ بذلك.
فقول المالكية يتفق مع الحنفية أن التعدي إذا أمكن إزالته رجع إلى الأمانة، لكن إزالة التعدي لا يكون إلا برد ما وجب بالإتلاف، فإن أتلف مالًا مثليًا وجب عليه مال مثلي، وإن أتلف مال قيميًا لم يرتفع التعدي برد مثل ما أتلف بل برد القيمة. والله أعلم.
وللخروج من الخلاف على المودِع أن يرد الوديعة، ثم يعقد عليها عقدًا جديدًا فترجع إليه الأمانة باتفاقهم، والله أعلم.
* * *
(1)
المدونة (6/ 147، 159)، الكافي لابن عبد البر (ص: 404)، القوانين الفقهية (ص: 246).