الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول
في صفة حفظ الوديعة
المسألة الأولى
ألا يعين المالك موضع الحفظ
الشيء إذا لم يكن محدودًا في الشرع كان الرجوع فيه إلى العادة.
الإيداع يقتضي الحفظ، فإذا أطلق حمل على المتعارف، وهو حرز المثل.
الضابط في الحرز: ما لا يعد الواضع فيه مضيعًا لماله.
[م-1910] ذكرنا في المبحث السابق وجوب حفظ الوديعة على المودَع، ونريد أن نبين في هذا المبحث صفة الحفظ، فنقول: إذا أودعه وديعة، ولم يعين المالك موضع الحرز فإن الأئمة الأربعة يرون أنه يلزمه حفظها في حرز مثلها.
° وجه القول بذلك:
أن الإيداع يقتضي الحفظ، فإذا أطلق حمل على المتعارف، وهو حرز المثل.
والحرز: هو ما نصب عادة لحفظ أموال الناس كالدار، والحانوت، وهو يختلف بحسب نفاسة الأموال وحقارتها، وكثرتها وقلتها، كما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأقاليم والحواضر والبوادي، فالنقود والجواهر تحفظ في خزائن خاصة، وفي مكان خاص، لا في فناء الدار. والدواب تحفظ في اصطبل الدواب، وهكذا
(1)
.
(1)
الاختيار لتعليل المختار (3/ 25 - 26)، حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 77)، مجلة الأحكام العدلية، مادة (782)، المقدمات الممهدات (2/ 466)، تحفة اللبيب في شرح التقريب لابن دقيق العيد (ص: 295)، البيان للعمراني (6/ 477)، روضة الطالبين (6/ 341)، فتاوى الرملي (3/ 134)، المبدع (5/ 234)، كشاف القناع (4/ 187).
والمرجع في تحديد الحرز إلى العرف والعادة.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية: «يلزم حفظ الوديعة في حرز مثلها، بناء عليه: وضْعُ مثل النقود والمجوهرات في اصطبل الدواب أو التبن تقصير في الحفظ وبهذه الحال إذا ضاعت الوديعة أو هلكت لزم الضمان»
(1)
.
(2)
.
وقال العمراني في البيان: «وإذا أودعه وديعة فلا يخلو: إما أن يطلق المودع الحرز، أو يعين له الحرز. فإن أطلق المودع الحرز فعلى المودع أن يحفظها في حرز مثلها، كداره، ودكانه؛ لأن الإطلاق يقتضي حرز المثل»
(3)
.
وفي مجلة الأحكام الحنبلية: «يلزم الوديع حفظ الوديعة في حرز مثلها والحرز في كل حالة بحسبها»
(4)
.
(1)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (782).
(2)
الأم (4/ 137).
(3)
البيان للعمراني (6/ 477).
(4)
مجلة الأحكام الشرعية، مادة (1348).
وللعلماء في الضابط في الحرز قولان:
أحدهما: أن الضابط في الحرز: ما لا يعد الواضع فيه مضيعًا لماله.
جاء في نهاية المحتاج: «ما لا ينسب المودع بوضع الوديعة فيه إلى تقصير»
(1)
.
الثاني: ذكر بعض الشافعية وبعض الحنابلة أن الضابط في الحرز هو الضابط في باب القطع في السرقة.
جاء في تحفة المحتاج: «ضابط الحرز هنا كما فصلوه في السرقة بالنسبة لأنواع المال والمحال، ذكره في الأنوار. قال غيره: وهو مقتضى كلامهم»
(2)
.
وقال ابن قدامة: «إذا لم يحفظها كما يحفظ ماله، وهو أن يحرزها بحرز مثلها، فإنه يضمنها. وحرز مثلها يذكر في باب القطع في السرقة»
(3)
.
ونوقش هذا:
انتقد ابن عابدين أن يكون الضابط في الحرز في باب الوديعة هو الضابط في باب السرقة، وبين أن هناك اختلافًا بين مفهوم الحرز في الوديعة وبين مفهوم الحرز في السرقة.
قال ابن عابدين: «المعتبر في قطع السارق هتك الحرز، وذلك يتفاوت باعتبار المحرزات. والمعتبر في ضمان المودع التعدي والتقصير في الحفظ، ألا ترى أنه لو وضعها في داره الحصينة فخرج، وكانت زوجته غير أمينة يضمن،
(1)
نهاية المحتاج (7/ 448).
(2)
تحفة المحتاج (7/ 120)، وانظر نهاية المحتاج (6/ 126).
(3)
المغني (6/ 301).
مع أنه لو سرقها سارق يقطع؛ لأن الدار حرز وإنما ضمنها لتقصيره في الحفظ، ولو وضعها في الدار وخرج، والباب مفتوح، ولم يكن في الدار أحد من عياله، أو في الحمام أو المسجد أو الطريق أو نحو ذلك، وغاب عنها يضمن، مع أنه لا يقطع سارقها، فلو اعتبرنا في الوديعة الحرز المعتبر في السرقة لزم أن لا يضمن في هذه المسائل ونحوها، فيلزم مخالفة ما أطبقوا عليه في هذا الباب من أن المدار على التقصير في الحفظ، ومعلوم أن وضع الوديعة فيما لا يوضع فيه أمثالها تقصير في الحفظ ..... فالمراد بالحرز هنا حرز كل شيء بحسبه، وإن كان المراد به في السرقة خلافه، ولا يقاس أحد البابين على الآخر بلا نقل، مع أن النقل الصريح يخالفه كما علمت»
(1)
.
(1)
تنقيح الفتاوى الحامدية (2/ 75 - 76).