الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
كون الوديعة قابلة لإثبات اليد عليها
[م-1907] اختلف الفقهاء في اشتراط القبض للوديعة:
القول الأول: مذهب الحنفية.
اشترط الحنفية قبض الوديعة لوجوب حفظها، وعللوا ذلك: بأن الإيداع عقد استحفاظ، وحفظ الشيء بدون إثبات اليد عليه محال، فإيداع الطير في الهواء، والمال الضال، والساقط في البحر غير صحيح
(1)
.
جاء في البحر الرائق: «وشرطها: كون المال قابلًا لإثبات اليد عليه حتى لو أودع الآبق، أو الطير الذي في الهواء، والمال الساقط في البحر لا يصح»
(2)
.
وجاء في شرح مجلة الأحكام: «يشترط أن تكون الوديعة وقت الإيداع قابلة؛ لأن يضع المستودع يده عليها وأن تكون صالحة وقابلة للقبض؛ لأن الوديعة عقد استحفاظ فلا يمكن حفظها قبل أن يثبت المستودع يده عليها يعني قبل أن يقبضها وعبارة (صالحة للقبض) عطف تفسيري لعبارة (قابلة لوضع اليد)
(3)
.
بناء عليه إيداع الطير في الهواء والمال المستحيل إخراجه من البحر والحيوان
(1)
الفتاوى الهندية (4/ 338)، حاشية ابن عابدين (5/ 663)، المحيط البرهاني (5/ 527)، العناية شرح الهداية (8/ 484)، البناية للعيني (10/ 106)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 337).
(2)
البحر الرائق (7/ 273).
(3)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 263).
الآبق غير صحيح؛ لأن هذه غير قابلة لوضع اليد وقت الإيداع. فلذلك إذا فقد الطير لا يحكم على المستودع بالضمان بحجة أنه لم يحافظ عليه.
وهل الشرط وضع اليد فعلًا، أو القابلية لوضع اليد فقط؟
قولان في مذهب الحنفية:
القول الأول: اختار الزيلعي وبعض الحنفية إلى أن وضع اليد فعلًا شرط.
قال الزيلعي: «ثم شرط الوديعة إثبات اليد عليها عند الاستحفاظ»
(1)
.
وقال في درر الحكام شرح غرر الحكام: «قوله: (وشرطها: كون المال قابلًا لإثبات اليد عليه) أقول فيه تسامح، المراد إثبات اليد بالفعل، ولا يكفي قبول الإثبات، كما أشار إليه بعد بقوله: وحفظ شيء بدون إثبات اليد عليه محال»
(2)
.
القول الثاني: ذهب البعض الآخر إلى أن القابلية لوضع اليد كافية وليس وضع اليد فعلًا شرطًا، وهذا ما اختارته مجلة الأحكام العدلية
(3)
.
جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «هل الشرط وضع اليد فعلًا، أو القابلية لوضع اليد فقط؟
إن البعض من الفقهاء، والزيلعي من جملتهم، قالوا بأن وضع اليد فعلًا شرط.
(1)
تبيين الحقائق (5/ 76).
(2)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 245)، وانظر قرة عين الأخيار لتكملة رد المحتار (8/ 468 - 469).
(3)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 263)، وانظر البحر الرائق (7/ 273)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 337).
وذهب البعض الآخر إلى أن القابلية لوضع اليد كافية وليس وضع اليد فعلًا شرطًا.
ويفهم من المثال الثاني، والثالث في المادة (773) من المجلة، ومن ظاهر عبارة هذه المادة أيضا أن المجلة اختارت القول الثاني»
(1)
.
القول الثاني: مذهب المالكية.
ذهب المالكية إلى أنه يجب على الوديع حفظ الوديعة بمجرد قبولها.
قال ابن رشد في المقدمات: «فإذا قبلها وجب عليه حفظها وصيانتها»
(2)
.
وفي الشرح الكبير: «من وضع مالًا عند شخص، ولم يقل له: احفظه، أو نحوه، ففرط فيه، كأن تركه، وذهب فضاع المال ضمن؛ لأن سكوته حين وضعه يدل على قبول حفظه»
(3)
.
القول الثالث:
اختلف الشافعية في اشتراط القبض في الوديعة:
فاختار المسعودي والمتولي أنها لا تكون وديعة حتى يقبضها خلافًا لأكثر الشافعية.
جاء في البيان في مذهب الإمام الشافعي نقلًا عن المسعودي: «ولا يلزم المودع حفظ الوديعة حتى يقبضها»
(4)
.
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 263).
(2)
المقدمات الممهدات (2/ 466).
(3)
الشرح الكبير (3/ 419).
(4)
البيان للعمراني (6/ 475).
(1)
.
وقال الخطيب في مغني المحتاج: «لو قال: هذا وديعتي عندك أو احفظه، فقال: قبلت أو ضعه موضعه كان إيداعا كما لو قبضه بيده.
وصححه الرافعي في الشرح الصغير، ونقل الأذرعي عن فتاوى القفال ما يوافقه، وهذا هو الظاهر، وإن قال المتولي: لا حتى يقبضه»
(2)
.
فخلصنا من هذا أن المسألة فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يشترط قبض الوديعة لوجوب الحفظ، وهذا اختاره بعض الحنفية، والمسعودي والمتولي من الشافعية.
القول الثاني:
يشترط قابلية العين لإثبات اليد عليها، وإن لم يقبضها فعلًا، اختاره بعض الحنفية، وهو ما رجحته مجلة الأحكام العدلية.
القول الثالث:
يكفي قبول الوديعة لوجوب الحفظ، ولو لم يقبضها، وهذا القول اختاره ابن رشد من المالكية، وعليه أكثر الشافعية.
(1)
روضة الطالبين (6/ 325)، أسنى المطالب (3/ 75).
(2)
مغني المحتاج (3/ 80).
° الراجح:
أن عقد الوديعة ينعقد بالإيجاب والقبول، ولزوم الحفظ يجب بالقبض، وذلك أن عقد الوديعة يقوم على الحفظ، فلابد من القبض، سواء كان القبض حقيقة بأن استلمها بيده، أو يكون القبض حكمًا بأن وضعها أمامه وبين يديه بعد قبوله للوديعة، فالذين قالوا: إنه يجب الحفظ بالقبول هذا القول إشارة إلى أن عقد الإيداع ينعقد بالإيجاب والقبول، والذين قالوا: يجب الحفظ بالقبض، هذا بالنسبة للزوم الحفظ، وليس لانعقاد الوديعة، ولذلك فرق المالكية بين البصير والأعمى، فقالوا: إذا وضع شخص متاعه عند جالس رشيد، بصير، ساكت، وذهب الواضع لحاجته فإنه يجب على الموضوع عنده المتاع حفظه بحيث يضمنه إن فرط في حفظه حتى ضاع؛ لأن سكوته رضا منه بالإيداع عنده، وأما الأعمى فلا بد أن يضع يده عليها حتى يضمن، والله أعلم»
(1)
.
(2)
.
* * *
(1)
الفواكه الدواني (2/ 170).
(2)
مرشد الحيران (812).