الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقَوْله تَعَالَى: {بَل الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (1) أَيْ شَاهِدٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا، فَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَالْمَال أَوْلَى أَنْ يَجِبَ.
وَأَمَّا الإِْجْمَاعُ: فَلأَِنَّ الأُْمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الإِْقْرَارَ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ، حَتَّى أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِإِقْرَارِهِ، وَالْمَال أَوْلَى.
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَلأَِنَّ الْعَاقِل لَا يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا بِمَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ، فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الصِّدْقِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، لِعَدَمِ التُّهْمَةِ، وَكَمَال الْوِلَايَةِ. (2)
أَثَرُ الإِْقْرَارِ:
8 -
أَثَرُ الإِْقْرَارِ ظُهُورُ مَا أَقَرَّ بِهِ، أَيْ ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي الْمَاضِي، لَا إِنْشَاءُ الْحَقِّ ابْتِدَاءً، فَلَوْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ كَاذِبٌ فِي إِقْرَارِهِ، لَا يَحِل لَهُ أَخْذُ الْمَال عَنْ كُرْهٍ مِنْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَاّ أَنْ يُسَلِّمَهُ إِيَّاهُ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَيَكُونَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً عَلَى سَبِيل الْهِبَةِ.
وَقَال صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَمَنْ يَحْذُو حَذْوَهُ: حُكْمُهُ لُزُومُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى الْمُقِرِّ (3) .
(1) سورة القيامة / 14.
(2)
تبيين الحقائق 5 / 3 وحاشية الطحطاوي 3 / 326 والمغني 5 / 149، وكشاف القناع 6 / 453، وانظر تفسير القرطبي 3 / 385
(3)
تكملة فتح القدير 6 / 280 - 282.
حُجِّيَّةُ الإِْقْرَارِ:
9 -
الإِْقْرَارُ خَبَرٌ، فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ، وَلَكِنَّهُ جُعِل حُجَّةً لِظُهُورِ رُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِيهِ، إِذِ الْمُقِرُّ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: الْحُكْمُ بِالإِْقْرَارِ يَلْزَمُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ. (1)
وَالأَْصْل أَنَّ الإِْقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِهِ إِلَى الْقَضَاءِ، فَهُوَ أَقْوَى مَا يُحْكَمُ بِهِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ. (2) وَلِهَذَا يَبْدَأُ الْحَاكِمُ بِالسُّؤَال عَنْهُ قَبْل السُّؤَال عَنِ الشَّهَادَةِ. قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكِمَ بِالإِْقْرَارِ وَبَطَلَتِ الشَّهَادَةُ. (3) وَلِذَا قِيل: إِنَّهُ سَيِّدُ الْحُجَجِ.
عَلَى أَنَّ حُجِّيَّتَهُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَحْدَهُ لِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ. (4) فَلَا يَصِحُّ إِلْزَامُ أَحَدٍ بِعُقُوبَةٍ نَتِيجَةَ إِقْرَارِ آخَرَ بِأَنَّهُ شَارَكَهُ فِي جَرِيمَتِهِ. وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي عَهْدِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنَّهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَةٍ - سَمَّاهَا - فَأَرْسَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَرْأَةِ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا عَمَّا قَال، فَأَنْكَرَتْ فَحَدَّهُ وَتَرَكَهَا (5) .
(1) الطرق الحكمية ص 194 وبداية المجتهد 2 / 393 ط الخانجي.
(2)
الطرق الحكمية ص 196.
(3)
حاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب 2 / 288.
(4)
الهداية وتكملة الفتح 1 / 282، وتبيين الحقائق 5 / 3
(5)
سبل السلام 4 / 6 الطبعة الثانية سنة 1950، والهداية وتكملة الفتح 6 / 282. وحديث:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: إنه قد زنا بامرأة. . . " أخرجه أبو داود (4 / 611 - ط عزت عبيد دعاس) وذكره الشوكاني في النيل (7 / 106 - ط العثمانية) وذكر أن النسائى استنكره، وذكر أن فيه من يتكلم فيه.