الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعُمَّال وَلأَِنَّهُ رَأْسُ الْعُمَّال.
وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأَْكْبَرِ وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّال وَجُبَاةِ الأَْمْوَال. وَهَذَا قَوْل مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَل الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيل لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَال: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ، لأَِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لَا لِوِلَايَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلَايَتِنَا (1) .
هَدَايَا الْكُفَّارِ لِلإِْمَامِ
.
29 -
لَا يَجُوزُ لِلإِْمَامِ قَبُول هَدِيَّةٍ مِنْ كُفَّارٍ أَشْرَفَتْ حُصُونُهُمْ عَلَى السُّقُوطِ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوْهِينِ الْمُسْلِمِينَ وَتَثْبِيطِ هِمَّتِهِمْ. أَمَّا إِذَا كَانُوا بِقُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ جَازَ لَهُ قَبُول هَدِيَّتِهِمْ. وَهِيَ لِلإِْمَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ قَرِيبٍ لَهُ، أَوْ كَانَتْ مُكَافَأَةً، أَوْ رَجَاءَ ثَوَابٍ (أَيْ مُقَابِلٍ) . وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَرِيبٍ، وَأَهْدَى بَعْدَ دُخُول الإِْمَامِ بَلَدَهُمْ فَهِيَ غَنِيمَةٌ. وَهُمْ فَيْءٌ قَبْل الدُّخُول فِي بَلَدِهِمْ. (2)
هَذَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الأَْفْرَادِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مِنَ الطَّاغِيَةِ أَيْ رَئِيسِهِمْ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ إِنْ أُهْدِيَ قَبْل دُخُول الْمُسْلِمِينَ فِي بَلَدِهِمْ، وَغَنِيمَةٌ بَعْدَ الدُّخُول فِيهِ، وَهَذَا التَّفْصِيل لِلْمَالِكِيَّةِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ قَبُول الْهَدِيَّةِ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِل هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ مِصْرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَال الْغَزْوِ فَمَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لأَِمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ
(1) تبصرة الحكام على هامش فتح العلي 1 / 30، والبجيرمي على الخطيب 4 / 330، والمغني 9 / 78
(2)
جواهر الإكليل 1 / 256
لِبَعْضِ قُوَّادِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، لأَِنَّهُ لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَاّ خَوْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ قَهْرًا.
وَأَمَّا إِنْ أَهْدَى مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ لِمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الإِْمَامَ أَوْ غَيْرَهُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِل الْهَدِيَّةَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ. (1) وَعَزَا ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا إِلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَنَقَل عَنِ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا لِلْمُهْدَى لَهُ بِكُل حَالٍ، لأَِنَّهُ خَصَّهُ بِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُهْدِيَ لَهُ مِنْ دَارِ الإِْسْلَامِ، وَحَكَى فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (2) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى مُشْرِكٌ إِلَى الأَْمِيرِ أَوْ إِلَى الإِْمَامِ هَدِيَّةً، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهِيَ غَنِيمَةٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَهْدَى قَبْل أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْ دَارِ الإِْسْلَامِ، فَإِنَّهُ لِلْمُهْدَى إِلَيْهِ. (3)
وَقَال عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ: قَال الْمَاوَرْدِيُّ: فَنَزَاهَتُهُ عَنْهَا أَوْلَى مِنْ قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا جَازَ وَلَمْ يُمْنَعْ، وَهَذَا حُكْمُ الْهَدَايَا لِلْقُضَاةِ، أَمَّا الْهَدَايَا لِلأَْئِمَّةِ فَقَدْ قَال فِي الْحَاوِي: إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ هَدَايَا دَارِ الإِْسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى حَقٍّ يَسْتَوْفِيهِ، أَوْ عَلَى ظُلْمٍ يَدْفَعُهُ عَنْهُ، أَوْ عَلَى بَاطِلٍ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ.
الثَّانِي: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْل الْوِلَايَةِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا كَانَ قَبْل الْوِلَايَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَرَضَتْ فَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا، وَإِنِ اقْتَرَنَ بِهَا حَاجَةٌ عَرَضَتْ إِلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنَ الْقَبُول عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ الْحَاجَةِ. وَإِنْ زَادَ فِي هَدِيَّتِهِ
(1) المغني 8 / 495
(2)
المصدر السابق
(3)
روضة الطالبين 10 / 294، وحاشية قليوبي 3 / 188