الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ بِدُونِ شَرْطٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ، لأَِنَّهُ مِنْ حُسْنِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِل الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُل بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَال: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَاّ خِيَارًا رُبَاعِيًّا فَقَال: أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً (1) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ " كَانَ يَسْتَقْرِضُ بِالْمَدِينَةِ وَيَرُدُّ بِالْكُوفَةِ " وَذَلِكَ بِدُونِ شَرْطٍ (2) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَوْ بِشَرْطٍ، لأَِنَّهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُقْرِضِ وَالْمُقْتَرِضِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالشَّرْعُ لَا يَرِدُ بِتَحْرِيمِ الْمَصَالِحِ الَّتِي لَا مَضَرَّةَ فِيهَا بَل بِمَشْرُوعِيَّتِهَا، وَلأَِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَلَى الإِْبَاحَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ لِلْوَصِيِّ قَرْضَ مَال الْيَتِيمِ فِي بَلَدٍ أُخْرَى لِيَرْبَحَ خَطَرَ الطَّرِيقِ. وَقَال عَطَاءٌ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما يَأْخُذُ مِنْ قَوْمٍ بِمَكَّةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ يَكْتُبُ لَهُمْ بِهَا إِلَى أَخِيهِ مُصْعَبٍ بِالْعِرَاقِ، فَيَأْخُذُونَهَا مِنْهُ، فَسُئِل عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَلَمْ يَرَ بِهِ
(1) حديث: " إن خيار الناس أحسنهم قضاء ". أخرجه مسلم (3 / 1224 ط عيسى الحلبي) .
(2)
الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما يدل عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي من أن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما كانا لا يريان بأسا أن يؤخذ المال بأرض الحجاز ويعطى بأرض العراق، أو يؤخذ بأرض العراق ويعطى بأرض الحجاز. (مصنف ابن أبي شيبة 6 / ومصنف عبد الرزاق 8 / 40 نشر المجلس العلمي، والسنن الكبرى للبيهقي 5 / 352 ط دائرة المعارف العثمانية)
بَأْسًا، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِل عَنْ مِثْل هَذَا فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا (1) .
تَحَقُّقُ الأَْمْنِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُحْرِمِ
17 -
كَانَ الْحَرَمُ مَوْضِعَ أَمْنٍ لأَِهْلِهِ وَمَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ، وَكَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَمَرَّ فِي الإِْسْلَامِ. قَال اللَّهُ تَعَالَى:{وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَل هَذَا بَلَدًا آمِنًا} (2)، وَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: {
إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ يُحَرِّمُهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِل الْقِتَال فِيهِ لأَِحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِل لِي إِلَاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يُلْتَقَطُ لُقَطَتُهُ إِلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ، فَقَال الْعَبَّاسُ: يَا رَسُول اللَّهِ إِلَاّ الإِْذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقِينِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ، فَقَال صلى الله عليه وسلم: إِلَاّ الإِْذْخِرَ (3)
وَلاِسْتِيفَاءِ بَاقِي أَحْكَامِ الْحَرَمِ، وَتَفَاصِيلِهِ (ر: حَرَم) .
تَحَقُّقُ الأَْمْنِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:
18 -
مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ حُكْمَ الإِْسْلَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا هُوَ عِصْمَةُ النَّفْسِ وَالْمَال، لِقَوْل
(1) البدائع 7 / 395، ومنح الجليل 3 / 50، والمهذب 1 / 311، والمغني 4 / 354، 356
(2)
سورة البقرة / 35
(3)
حديث: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام. . . " أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 6 / 283 ط السلفية، وصحيح مسلم 2 / 986 - 987 ط عيسى الحلبي)