الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وُجُوهُ الاِنْتِفَاعِ
الاِنْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ أَوْ بِبَقَائِهَا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِمَّا أَنْ يَنْتَفِعَ الشَّخْصُ مِنَ الْعَيْنِ بِالاِسْتِعْمَال أَوْ بِالاِسْتِغْلَال. فَالْحَالَاتُ ثَلَاثٌ:
(الْحَالَةُ الأُْولَى) الاِسْتِعْمَال:
22 -
يَحْصُل الاِنْتِفَاعُ غَالِبًا بِاسْتِعْمَال الشَّيْءِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَذَلِكَ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَنْتَفِعُ بِالْمُسْتَعَارِ بِاسْتِعْمَالِهِ وَالاِسْتِفَادَةِ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاسْتِغْلَالِهِ (تَحْصِيل غَلَّتِهِ) أَوِ اسْتِهْلَاكِهِ؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْعَارِيَّةِ إِمْكَانَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا. وَالْمُسْتَعِيرُ يَمْلِكُ الْمَنَافِعَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَغِلَّهَا وَيَمْلِكَهَا غَيْرُهُ بِعِوَضٍ. (1)
هَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَالِكَ الْمَنْفَعَةِ بِالاِسْتِعَارَةِ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا خِلَال مُدَّةِ الإِْعَارَةِ. (2)
وَكَذَلِكَ الإِْجَارَةُ فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِل أَوْ إِذَا اشْتَرَطَ الْمَالِكُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الاِنْتِفَاعَ بِنَفْسِهِ. فَالاِنْتِفَاعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَاصِرٌ عَلَى شَخْصِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَهْلِكَ الْمَأْجُورَ أَوْ يَسْتَغِلَّهُ بِإِجَارَتِهِ لِلْغَيْرِ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الإِْجَارَةِ يَقْتَضِي الاِنْتِفَاعَ بِالْمَأْجُورِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ. وَلَيْسَ لَهُ إِيجَارُهَا فِيمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِل. (3)
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) الاِسْتِغْلَال:
23 -
قَدْ يَحْصُل الاِنْتِفَاعُ بِاسْتِغْلَال الشَّيْءِ وَأَخْذِ
(1) الزيلعي 5 / 88، ونهاية المحتاج 5 / 118، والمغني 5 / 359.
(2)
الدسوقي 3 / 433 - 434.
(3)
البدائع 4 / 175، وابن عابدين 5 / 18، ونهاية المحتاج 5 / 284، والمغني 6 / 13.
الْعِوَضِ عَنْهُ، كَمَا فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ إِذَا نَصَّ عِنْدَ إِنْشَائِهِمَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ كَيْفَ شَاءَ، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ وَالْمُوصَى لَهُ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يُؤَجِّرَا الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ وَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا لِلْغَيْرِ إِذَا أَجَازَهُمَا الْوَاقِفُ وَالْمُوصِي مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. (1)
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) الاِسْتِهْلَاكُ:
24 -
قَدْ يَحْصُل الاِنْتِفَاعُ بِاسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَالاِنْتِفَاعِ بِأَكْل الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْوَلَائِمِ وَالضِّيَافَاتِ، وَالاِنْتِفَاعُ بِاللُّقْطَةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّا يَتَسَارَعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ. وَكَذَلِكَ عَارِيَّةُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالأَْشْيَاءِ الْمِثْلِيَّةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا إِلَاّ بِاسْتِهْلَاكِهَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ (الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَالْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ قَرْضٌ، لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا إِلَاّ بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَرَدِّ مِثْلِهَا. (2)
حُدُودُ الاِنْتِفَاعِ
الاِنْتِفَاعُ بِالشَّيْءِ لَهُ حُدُودٌ يَجِبُ عَلَى الْمُنْتَفِعِ مُرَاعَاتُهَا وَإِلَاّ كَانَ ضَامِنًا. وَمِنَ الْحُدُودِ الْمُقَرَّرَةِ الَّتِي بَحَثَهَا الْفُقَهَاءُ فِي الاِنْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ مَا يَأْتِي:
25 -
أَوَّلاً:
يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الاِنْتِفَاعُ مُوَافِقًا لِلشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يُبْطِل حَقَّ الْغَيْرِ.
وَلِهَذَا اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي جَمِيعِ عُقُودِ الاِنْتِفَاعِ (الإِْجَارَةِ وَالإِْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ) أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ مُنْتَفَعًا بِهَا انْتِفَاعًا مُبَاحًا. كَمَا اشْتَرَطُوا
(1) فتح القدير 5 / 436، ونهاية المحتاج 5 / 385، والمغني 6 / 193، والفروق للقرافي فرق (30) .
(2)
الزيلعي 5 / 87، والمغني 5 / 359.