الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: قَوْلُهُمُ الْوَعْدُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ مُشْكِلٌ، لِمُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ الآْيَاتِ وَالسُّنَّةِ، وَلأَِنَّ خُلْفَهُ كَذِبٌ، وَهُوَ مِنْ خِصَال الْمُنَافِقِينَ. (1)
(3) الْتِزَامَاتٌ يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَجِبُ:
44 -
أ - الاِلْتِزَامَاتُ الَّتِي تَنْشَأُ نَتِيجَةَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ، فَهَذِهِ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَسْخُهَا وَعَدَمُ الاِلْتِزَامِ بِمُقْتَضَاهَا، هَذَا مَعَ مُرَاعَاةِ مَا يَشْتَرِطُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ حِينَ الْفَسْخِ مِنْ نَضُوضِ رَأْسِ الْمَال فِي الْمُضَارَبَةِ، وَكَتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْوَكَالَةِ. (2)
ب - نَذْرُ الْمُبَاحِ: يَقُول الْقُرْطُبِيُّ: نَذْرُ الْمُبَاحِ لَا يَلْزَمُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الأُْمَّةِ، وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: نَذْرُ الْمُبَاحِ، كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ، فَهَذَا يَتَخَيَّرُ فِيهِ النَّاذِرُ بَيْنَ فِعْلِهِ فَيَبَرُّ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (3) .
الْتِزَامَاتٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهَا:
45 -
الاِلْتِزَامُ بِمَا لَا يَلْزَمُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْوَفَاءُ، بَل قَدْ يَكُونُ الْوَفَاءُ حَرَامًا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْتِزَامًا بِمَعْصِيَةٍ. وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ، فَمَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 120، 121، وفتح العلي المالك 1 / 254، 255، 256، وقليوبي 2 / 260، 330.
(2)
الأشباه لابن نجيم 1 / 336، والهداية 3 / 153، ومنح الجليل 3 / 342، وجواهر الإكليل 2 / 177، والمهذب 1 / 313، 355، ومنتهى الإرادات 2 / 305.
(3)
القرطبي 6 / 32، 33، والمغني 9 / 5، والبدائع 5 / 82.
أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَقْتُل فُلَانًا، فَإِنَّ هَذَا الاِلْتِزَامَ حَرَامٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَيْضًا يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ (1) وَفِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ (ر: نَذْر - كَفَّارَة) .
ب - وَكَذَلِكَ الْيَمِينُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ، فَمَنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْل حَرَامٍ، فَقَدْ عَصَى بِيَمِينِهِ. وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ. (2) (ر: كَفَّارَة - أَيْمَان) .
ج - الاِلْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ، كَقَوْلِهِ: إِنْ قَتَلْتُ فُلَانًا أَوْ شَرِبْتُ الْخَمْرَ فَلَكَ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ يَحْرُمُ الْوَفَاءُ بِهِ. (3)
د - مَا كَانَ الاِلْتِزَامُ فِيهِ بِإِسْقَاطِ حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ غَيْرِ الْمُلْتَزَمِ، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ كَدَعْوَى حَدٍّ، وَلَا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَادَّعَتْ عَلَيْهِ صَبِيًّا فِي يَدِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْهَا وَجَحَدَ الرَّجُل، فَصَالَحَتْ عَنِ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، لأَِنَّ النَّسَبَ حَقُّ الصَّبِيِّ. (4)
وَلَوْ بَاعَ ذَهَبًا بِفِضَّةٍ مُؤَجَّلاً لَمْ يَصِحَّ، لأَِنَّ الْقَبْضَ فِي الصَّرْفِ لِحَقِّ اللَّهِ.
هـ - الشُّرُوطُ الْبَاطِلَةُ لَا يَجُوزُ الاِلْتِزَامُ بِهَا وَمِنْ ذَلِكَ:
(1) حديث: " من نذر. . . . "، أخرجه البخاري بلفظ " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه "(فتح الباري 11 / 585 ط السلفية) .
(2)
البدائع 5 / 82، والاختيار 4 / 47، 77، وبداية المجتهد 1 / 423، ومنح الجليل 1 / 621، والمنثور في القواعد 3 / 107، والمغني 8 / 682 و 9 / 453.
(3)
فتح العلي المالك 1 / 272.
(4)
البدائع 6 / 42 - 49، وبداية المجتهد 2 / 293، والمهذب 9 / 340، 341، والمغني 4 / 527.
46 -
مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تَتَحَمَّل بِالْوَلَدِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَشَرَطَ عَلَيْهَا أَلَاّ تَتَزَوَّجَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ (مُدَّةَ الرَّضَاعِ) أَيْ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهَا تَرْكَ النِّكَاحِ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهَا الْوَفَاءُ بِهِ، لأَِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِيهِ تَحْرِيمُ مَا أَحَل اللَّهُ. (1) وَالْخُلْعُ صَحِيحٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَقُولُهُ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَنْ بَاعَ حَائِطَهُ (حَدِيقَتَهُ) وَشَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّ الْجَائِحَةَ لَا تُوضَعُ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلَا يَلْتَزِمُ بِهِ الْمُشْتَرِي. (2)
وَفِي الْبَدَائِعِ لِلْكَاسَانِيِّ: لَوْ وَهَبَ دَارًا عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا لِفُلَانٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَتِ الْهِبَةُ وَبَطَل الشَّرْطُ. وَهِيَ شُرُوطٌ تُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَتَبْطُل وَيَبْقَى الْعَقْدُ عَلَى الصِّحَّةِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (3)
وَفِي الْمُهَذَّبِ: لَوْ شَرَطَ فِي الْقَرْضِ شَرْطًا فَاسِدًا بَطَل الشَّرْطُ، وَفِي الْقَرْضِ وَجْهَانِ. (4) وَالأَْمْثِلَةُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرَةٌ. (ر: بَيْع - اشْتِرَاط) .
وَفِي حَالَةِ عَقْدِ الْهُدْنَةِ يُسْتَثْنَى حَالَةُ الضَّرُورَةِ أَوِ الْحَاجَةِ. جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل: يَجُوزُ لِلإِْمَامِ مُهَادَنَةُ الْحَرْبِيِّينَ لِمَصْلَحَةٍ، إِنْ خَلَتِ الْمُهَادَنَةُ عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ، كَأَنْ كَانَتْ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَْعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (5) إِلَاّ لِضَرُورَةِ التَّخَلُّصِ
(1) فتح العلي المالك 1 / 233.
(2)
جواهر الإكليل 2 / 60.
(3)
البدائع 6 / 117.
(4)
المهذب 1 / 311.
(5)
سورة آل عمران / 139.
مِنْهُمْ خَوْفَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ دَفْعُ الْمَال لَهُمْ، وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ فِي مِثْل ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الإِْعْطَاءُ جَائِزًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَا شَاوَرَ فِيهِ. (1)
وَفِي الأَْشْبَاهِ لاِبْنِ نُجَيْمٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ: مَا حَرُمَ أَخْذُهُ حَرُمَ إِعْطَاؤُهُ، كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَالرِّشْوَةِ لِلْحَاكِمِ إِذَا بَذَلَهَا لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، إِلَاّ فِي مَسَائِل فِي الرِّشْوَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ لِفَكِّ أَسِيرٍ أَوْ لِمَنْ يَخَافُ
(1) جواهر الإكليل 1 / 269، ومنح الجليل 1 / 766. ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مهادنة الحربيين لقاء مال يدفعه لهم، يدل عليها ما أخرجه ابن إسحاق بإسناده عن الزهري عند الكلام عن غزوة الخندق أنه " لما اشتد على الناس البلاء بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المر