الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَلِكَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِنْتِحَارُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ) لأَِنَّ الْعُقُوبَةَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَلأَِنَّ عَامِرَ بْنَ الأَْكْوَعِ بَارَزَ مَرْحَبًا يَوْمَ خَيْبَرَ، فَرَجَعَ سَيْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَمَاتَ (1) وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِيهِ بِدِيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلأَِنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ غَيْرُهُ، وَلأَِنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ إِنَّمَا كَانَ مُوَاسَاةً لِلْجَانِي وَتَخْفِيفًا عَنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْجَانِي هَاهُنَا شَيْءٌ يَحْتَاجُ إِلَى الإِْعَانَةِ وَالْمُوَاسَاةِ، فَلَا وَجْهَ لإِِيجَابِهِ (2)
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُنْتَحِرِ خَطَأً دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ، وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ، لأَِنَّهَا جِنَايَةُ خَطَأٍ، فَكَانَ عَقْلُهَا (دِيَتُهَا) عَلَى عَاقِلَتِهِ كَمَا لَوْ قَتَل غَيْرَهُ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ كَانَتِ الْعَاقِلَةُ الْوَرَثَةَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، لأَِنَّهُ لَا يَجِبُ لِلإِْنْسَانِ شَيْءٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ وَارِثًا سَقَطَ عَنْهُ مَا يُقَابِل نَصِيبَهُ، وَعَلَيْهِ مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِهِ، وَلَهُ مَا بَقِيَ إِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنَ الدَّيْنِ أَكْثَرَ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (3)
27 -
اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، فَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ - وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَابِلَةِ فِي قَتْل الْخَطَأِ - تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ مِنْ سِوَى الْحَرْبِيِّ مُمَيِّزًا كَانَ أَمْ لَا، بِقَتْل كُل آدَمِيٍّ مِنْ مُسْلِمٍ - وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ - وَذِمِّيٍّ وَجَنِينٍ وَعَبْدٍ
(1) الأثر: (أن عامر بن الأكوع بارز. . . . " أخرجه مسلم (3 / 1440 - ط الحلبي) .
(2)
ابن عابدين 5 / 350، وجواهر الإكليل 2 / 272، ونهاية المحتاج 7 / 366، والمغني 9 / 509، والخرشي 8 / 50.
(3)
المغني مع الشرح الكبير 9 / 509.
وَنَفْسِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً. (1)
هَكَذَا عَمَّمُوا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَتَخْرُجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمُنْتَحِرِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (2) وَلأَِنَّهُ آدَمِيٌّ مَقْتُولٌ خَطَأً، فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ. (3)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَا كَفَّارَةَ عَلَى قَاتِل نَفْسِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا. وَهَذَا هُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي الْعَمْدِ، لِسُقُوطِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْخِطَابِ بِمَوْتِهِ، كَمَا تَسْقُطُ دِيَتُهُ عَنِ الْعَاقِلَةِ لِوَرَثَتِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ عَامِرَ بْنَ الأَْكْوَعِ قَتَل نَفْسَهُ خَطَأً وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِكَفَّارَةٍ. وقَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً} إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ إِذَا قَتَل غَيْرَهُ، بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} وَقَاتِل نَفْسِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ. كَذَلِكَ رَدَّ الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ بِدَلِيل أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (4) مُخْرِجٌ قَاتِل نَفْسِهِ، لاِمْتِنَاعِ تَصَوُّرِ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْكَفَّارَةِ، وَإِذَا بَطَل الْجُزْءُ بَطَل الْكُل. (5)
ثَالِثًا: غُسْل الْمُنْتَحِرِ:
28 -
مَنْ قَتَل نَفْسَهُ خَطَأً، كَأَنْ صَوَّبَ سَيْفَهُ إِلَى
(1) أسنى المطالب 4 / 95، ونهاية المحتاج 7 / 366، والمغني 5 / 39.
(2)
سورة النساء / 92.
(3)
أسنى المطالب 4 / 95، ونهاية المحتاج 7 / 366، والمغني 5 / 39.
(4)
سورة النساء / 92.
(5)
المغني 10 / 39، وجواهر الإكليل 2 / 72، ومواهب الجليل 6 / 268، وأيضا البدائع 7 / 252.