الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي إِقْرَارِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ، وَإِنْ خَالَفَهُ لَمْ يَثْبُتْ. (1) وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِمَنْ يَحْجُبُهُ كَأَخٍ أَقَرَّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ وَوَرِثَ وَسَقَطَ الْمُقِرُّ. . . وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَقَوْل أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ. لأَِنَّهُ ابْنٌ ثَابِتُ النَّسَبِ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِ أَحَدُ مَوَانِعِ الإِْرْثِ فَيَرِثُهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَلأَِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ سَبَبٌ لِلْمِيرَاثِ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ حُكْمِهِ عَنْهُ، وَلَا يُورَثُ مَحْجُوبٌ بِهِ مَعَ وُجُودِهِ وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْمَوَانِعِ. (2)
وَقَال أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ: يَثْبُتُ نَسَبُ الْمُقَرِّ بِهِ وَلَا يَرِثُ، لأَِنَّ تَوْرِيثَهُ يُفْضِي إِلَى إِسْقَاطِ تَوْرِيثِ الْمُقِرِّ، فَيُبْطِل إِقْرَارُهُ، فَأَثْبَتْنَا النَّسَبَ دُونَ الإِْقْرَارِ. يَقُول الشِّيرَازِيُّ: إِنْ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يَحْجُبُ الْمُقِرَّ، مِثْل أَنْ يَمُوتَ الرَّجُل وَيُخَلِّفَ أَخًا فَيُقِرَّ الأَْخُ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ يَثْبُتُ لَهُ النَّسَبُ وَلَا يَرِثُ، لأَِنَّا لَوْ أَثْبَتْنَا لَهُ الإِْرْثَ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِسْقَاطِ إِرْثِهِ، لأَِنَّ تَوْرِيثَهُ يُخْرِجُ الْمُقِرَّ عَنْ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا فَيَبْطُل إِقْرَارُهُ، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْ غَيْرِ وَارِثٍ. (3)
66 -
وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلَانِ عَدْلَانِ ابْنَانِ أَوْ أَخَوَانِ أَوْ عَمَّانِ بِثَالِثٍ ثَبَتَ النَّسَبُ لِلْمُقَرِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ فَلِلْمُقَرِّ بِهِ مَا نَقَصَهُ إِقْرَارُهُمَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ. إِذِ الْمُرَادُ بِالإِْقْرَارِ هُنَا الشَّهَادَةُ، لأَِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِالإِْقْرَارِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِالظَّنِّ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَالَةٌ. وَإِنْ أَقَرَّ عَدْلٌ بِآخَرَ يَحْلِفُ الْمُقِرُّ بِهِ مَعَ الإِْقْرَارِ وَيَرِثُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِذَلِكَ، وَإِلَاّ يَكُنِ الْمُقِرُّ عَدْلاً فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ لِلْمُقَرِّ بِهِ مَا نَقَصَهُ الإِْقْرَارُ
(1) المغني 5 / 206، ونهاية المحتاج 5 / 115.
(2)
المغني 5 / 201 - 202.
(3)
المهذب 2 / 353، ونهاية المحتاج 5 / 115.
مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ، سَوَاءٌ كَانَ عَدْلاً أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَلَا يَمِينَ، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْعَدْل وَغَيْرِهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى تَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ عِنْدَهُمْ. (1) وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ أَقَرَّ رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِنَسَبٍ مُشَارِكٍ لَهُمَا فِي الْمِيرَاثِ وَثَمَّ وَارِثٌ غَيْرُهُمَا لَمْ يَثْبُتِ النَّسَبُ إِلَاّ أَنْ يَشْهَدَا بِهِ، وَبِهَذَا قَال الشَّافِعِيُّ، لأَِنَّهُ إِقْرَارٌ مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا النَّسَبُ كَالْوَاحِدِ، وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ لأَِنَّهُ تُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَالذُّكُورِيَّةُ، وَالإِْقْرَارُ بِخِلَافِهِ. (2)
الرُّجُوعُ عَنْ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ:
67 -
يَنُصُّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُ الْمُقِرِّ عَمَّا أَقَرَّ فِيمَا سِوَى الإِْقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ وَالأُْبُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِأَخٍ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ثُمَّ رَجَعَ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ يَصِحُّ إِنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ عَلَيْهِ، لأَِنَّهُ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ. وَفِي شَرْحِ السِّرَاجِيَّةِ، أَنَّهُ بِالتَّصْدِيقِ يَثْبُتُ النَّسَبُ فَلَا يَنْفَعُ الرُّجُوعُ. (3)
وَيَقُول الشِّيرَازِيُّ: وَإِنْ أَقَرَّ بَالِغٌ عَاقِلٌ ثُمَّ رَجَعَ عَنِ الإِْقْرَارِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ فَفِيهِ
وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسْقُطُ النَّسَبُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ رَجَعَ فِي الإِْقْرَارِ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الرُّجُوعِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْل أَبِي حَامِدٍ الإْسْفِرَايِينِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ، لأَِنَّ النَّسَبَ إِذَا ثَبَتَ لَا يَسْقُطُ بِالاِتِّفَاقِ عَلَى نَفْيِهِ كَالنَّسَبِ الثَّابِتِ بِالْفِرَاشِ. (4)
وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا الاِتِّجَاهِ الْحَنَابِلَةُ، يَقُول
(1) الشرح الكبير 3 / 417، والشرح الصغير 3 / 540 - 546.
(2)
المغني 5 / 204 - 205.
(3)
حاشية ابن عابدين 4 / 466 - 467.
(4)
المهذب 2 / 352 - 353.