الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ:
3 -
يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُضَحِّي أَنْ يَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا. . .} (1) وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْهَدْيِ إِلَاّ أَنَّ الْهَدْيَ وَالأُْضْحِيَّةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ. وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَيُطْعِمْ مِنْهَا غَيْرَهُ (2) وَلأَِنَّهُ ضَيْفُ اللَّهِ عَزَّ شَأْنُهُ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ، فَلَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْهَا. (3)
وَهَذَا الاِتِّفَاقُ فِي الأُْضْحِيَّةِ الَّتِي لَمْ تَجِبْ. أَمَّا إِذَا وَجَبَتِ الأُْضْحِيَّةُ فَفِي حُكْمِ الأَْكْل مِنْهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءِ.
وَوُجُوبُهَا يَكُونُ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالتَّعْيِينِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الأَْصْل بِشَرْطِ الْغِنَى، وَلَوِ اشْتَرَاهَا الْفَقِيرُ مِنْ أَجْل التَّضْحِيَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ.
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا وَيُطْعِمَ غَيْرَهُ، لأَِنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَالْمَعْهُودُ مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ذَبْحُهَا وَالأَْكْل مِنْهَا، وَالنَّذْرُ لَا يُغَيِّرُ مِنْ صِفَةِ الْمَنْذُورِ إِلَاّ الإِْيجَابَ.
(1) سورة الحج 36.
(2)
حديث " إذا ضحى أحدكم. . . " أخرجه أحمد، وقال الهيثمي، رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد 4 / 25 نشر مكتبة القدسي) .
(3)
البدائع 5 / 80، وابن عابدين 5 / 208، وفتح القدير 8 / 436، والدسوقي 2 / 122، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 3 / 245، والفواكه الدواني 1 / 447، وشرح الروض 1 / 545، ونهاية المحتاج 8 / 133، والمهذب1 / 246، والمغني 8 / 632 - 634، وكشاف القناع 3 / 22.
وَعِنْدَ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ، بِنَاءً عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنْ وَجَبَتِ الأُْضْحِيَّةُ بِنَذْرٍ مُطْلَقٍ جَازَ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا. (1)
وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - كَمَا فَصَّلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ - أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الَّتِي نَذَرَهَا إِنْ قَصَدَ بِنَذْرِهِ الإِْخْبَارَ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا. وَبِالنِّسْبَةِ لِلْفَقِيرِ إِذَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، فَفِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَهُ الأَْكْل مِنْهَا، وَفِي الْقَوْل الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُ الأَْكْل مِنْهَا.
هَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ تَوْضِيحًا لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ الْمَنْذُورَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ.
غَيْرَ أَنَّ الْكَاسَانِيَّ ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ يَجُوزُ بِالإِْجْمَاعِ - أَيْ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ - الأَْكْل مِنَ الأُْضْحِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ نَفْلاً أَمْ وَاجِبَةً، مَنْذُورَةً كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً ابْتِدَاءً. (2)
4 -
وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ فَمَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ قَبْل أَنْ يَذْبَحَهَا، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ يَذْبَحُهَا قَضَاءً، وَيَصْنَعُ بِهَا مَا يَصْنَعُ بِالْمَذْبُوحِ فِي وَقْتِهِ، لأَِنَّ الذَّبْحَ أَحَدُ مَقْصُودَيِ الأُْضْحِيَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا حَيَّةً، وَلَا يَأْكُل مِنْ لَحْمِهَا، لأَِنَّهُ انْتَقَل الْوَاجِبُ مِنْ إِرَاقَةِ الدَّمِ
(1) الدسوقي 2 / 122، الخرشي 3 / 39، والمغني 8 / 642، والفروع 3 / 555، 556، وشرح الروض 1 / 545، والمهذب 1 / 245.
(2)
ابن عابدين 5 / 208، والزيلعي مع حاشية الشلبي 6 / 8، والبدائع 5 / 80.